ديوان العرب

03 مايو 2019
حسين ماضي/ لبنان
+ الخط -

باتت المقولة التي تقرّر أن الرواية تقول ما لم يستطع قوله أي نوع آخر معروفة، ولدى هذا الجنس الأدبي إمكانات لا محدودة في التعبير عن مجمل المشاغل الإنسانية، وقد استعارت كثيراً من الورق المخصّص للشعر والمسرح.

وبفضل ذلك، تبدو طموحاً يرغب أن يرتاده أفراد يعملون في حقول فكرية وأدبية أخرى، فترى مفكراً مثل عزمي بشارة يكتب رواية "الحاجز" و"حب في منطقة الظل"، وترى أن أستاذاً جامعياً مثل أمبرتو إيكو يكتب الرواية متأخّراً، كي يقول ما لم يستطع قوله في أعماله الفكرية الأخرى، أو ناقداً مثل لويس عوض وقد كتب رواية "العنقاء"، بينما كتب غالي شكري "مواويل الليلة الكبيرة".

وأذكر أنني قرأت في منتصف الستينيات رواية عنوانها "في سبيل الحرية"، وقد كُتب في المقدمة أن جمال عبد الناصر هو الذي كتب فصولها الأولى حين كان في المرحلة الثانوية، وقد أكملها كاتب مصري لم أعد أذكر اسمه، وهي تتحدث عن نضال المصريين في معركة رشيد. كما ترى اليوم عدداً من الشعراء يهجر الشعر ويرتحل في اتجاه الرواية، بينما تحتفي الحياة العربية كلها بهذا النوع الأدبي احتفاءً كرنفالياً كبيراً. وها نحن نرى أن السوق العربية باتت مولعة بهذا الفن، حتى يبدو أن الروايات تكاد تطغى على حركة النشر.

ولقد بيّن باختين في كتابه "الملحمة والرواية"، أن الرواية جنس أدبي لم تكتمل ولم تتحدد خصائصه وسماته البارزة كي يتمكن النقد الأدبي من جهة، والكتّاب من جهة ثانية، من رسم المساحة المخصّصة للاسم بين فنون القول. بينما قدّم ألبيريس مديحاً شاملاً للرواية في "تاريخ الرواية الحديثة" قال فيه إن الرواية تؤمّن لكل مجموعة فكرية قُوتها المفضّل، فهي تقدم للأذهان الوضعية الدراساتَ الاجتماعية، وتقدم للنفوس الحساسة ألعاب التحليل النفسي المرهفة، وتقدّم للإنسان تساؤلاً دائماً عن الوضع البشري، كما تقدم للجميع المتع الطفولية التي تثيرها المغامرة والحكاية.

ولهذا، فإن هذا النوع يبدو قابلاً أكثر من غيره من الأنواع الأدبية لأن يُسمى باسمه كثير من الأعمال التي لا تتشابه في ما بينها، ولا تسمح للقواعد أن ترسم مصيرها.

على أن أهم ما يلفت النظر هو أن يكون عدم اكتمال الخصائص والسمات هو الصفة الأكثر بروزاً في هذا النوع الأدبي الذي يتضمن في داخله حرية الاختيار، أي أن يكون النوع الأدبي نفسه قادراً على منح الكاتب مساحة تخيلية تستطيع استيعاب معظم فنون القول والتفكير، وكل هذه الإشارات تمنحنا الحقيقة التي تؤكد على أهمية هذا الجنس الأدبي في الحياة العربية، حتى أن عدداً من الكتاب العرب اختلفوا في نسبة الجملة التي تقول إن الرواية هي ديوان العرب في القرن العشرين إلى أنفسهم، إلى أن تمكن جابر عصفور من تلخيص الفكرة في عبارة جميلة هي: "زمن الرواية" التي وضعها عنواناً لأحد كتبه النقدية، حيث يقرر أن نهاية القرن الماضي وبداية التالي هي زمن الرواية لدى العرب.

المساهمون