ديفيد كروننبرغ: خرائط إلى نجوم آفلة

24 أكتوبر 2014
لقطة من الفيلم
+ الخط -

إن أردت أن تجعل من شخصٍ مجنوناً، أقفل عليه وحيداً في غرفة، ودعه يراك تراقبه. هذا هو حال شخصيات فيلم "خرائط إلى النجوم" الذي تجري أحداثه في هوليوود، حيث الصناعة، وافتراس الربح، والقسوة، والمنافسة، ووهج النجوم؛ وما أن يلمع نجم أحدهم، حتى يصب الجميع أنظارهم إلى النجم الجديد، غيرةً، وتنافساً، وطمعاً، وانتقاماً. أما النجم الصاعد الذي أصبح محط أنظار الجميع، فيزداد توهّجاً حتى الجنون، والاحتراق.

إنها الأجواء التي يريدنا المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ أن نطّلع عليها. ويعلم جيداً متابعو أفلامه قدرته على استخراج دوافن ووحول وغرائز الشخصيات التي يتناولها في أفلامه، وبالتالي على كشف القبح الذي يستمتع البشر بإخفائه.

في "خرائط إلى النجوم" لا ينحو إلى الفضائحية وكَيْل الاتهامات لهوليوود، بل ينقل الرعب الكامن وراء هذه الصناعة، فيبدو كل شيء وكأنه ضرب من الخيال، لكنه شديد الواقعية.

هناك العائلة التي يسعى كل فرد منها إلى بلوغ الشهرة، حتى لو تطلب الأمر نفي الابنة إلى مصح في ولاية بعيدة، لحماقة مميتة ارتكبتها عندما كانت في السابعة؛ إذ تقرّر الفتاة، من دون سبب واضح، إضرام النار في المنزل، أثناء غياب الأهل، ووجود أخيها الرضيع معها. ينجو الأخ والأخت، لكن يقرّر الأبوان أن ينفيا ابنتهما، لا لمعاقبتها، بل كي لا تلوّث فعلتها مسيرتهما، ومن ثم مسيرة الأخ الصغير، نحو الشهرة.

الجميع متربص بمن حوله. تنظر الشخصيات إلى بعضها بكثير من الريبة، حتى في أكثر المشاهد حميمية، عندما يتحدّث الأب إلى ابنه الصغير وهو في سريره ليلاً. ومع الكثير من التصنع في الكلام، وفي الاهتمام، وبلقطات قريبة جداً للأب وابنه، يبدو المشهد وكأنه كابوس، قبل أن يخلد الطفل إلى النوم.

ولا تقل نهارات الطفل كابوسية عن ليله، فبعدما يخرج من مركز علاج المدمنين، وكان لا يزال في التاسعة، يصبح ممثلاَ نجماً يؤدّي بطولة المسلسل التلفزيوني الأكثر شهرة في هوليوود، ويمضي حياته اليومية نزقاً في عربة الممثلين.

الأب أيضاً هو نجمٌ في مجال عمله (يؤدّي الدور بمهارة الممثل جون كوزاك)، إذ يعمل معالجاً نفسياً لمشاهير هوليوود، وينشر دليلاً لمساعدة النجوم على تجاوز أزماتهم النفسية، كما يقدّم برنامجاً تلفزيونياً يتحدث فيه عن معالجة النجوم نفسياً.

ورغم بلوغه المجد، وسكنه منزلاً فارهاً، إلا أن وضعه يبقى مهدّداً، خصوصاً بقصة ابنته التي أحرقت منزلهم القديم (والفقير)، ولم يرض الوالد معالجتها والاعتناء بها، بل آثر إبعادها كي لا تلطّخ فضيحتها نجوميته المرسومة بدقة.

إحدى المريضات/النجمات اللواتي يترددن إلى المعالج النفسي هي الممثلة التي تلهث للحفاظ على نجوميتها بعد أن تقدّمت في العمر (تؤدّي الدور الممثلة الأميركية جوليان مور). عاشت الممثلة في ظل نجومية أمّها التي كانت من أشهر ممثلات هوليوود وبلغت الشهرة منذ أن كانت طفلة صغيرة، إثر تأديتها دور البطولة في فيلم هوليوودي ميلودرامي، واستمر توهّجها إلى أن ماتت حرقاً.

سلكت الفتاة طريق الأم في التمثيل، إلا أنها لم تبلع شهرتها. تقرر هوليوود أن تعيد تصوير الفيلم الذي جعل من أمّها نجمة، فتنتظر الممثلة لتعرف إن كانت ستُختار لتأدية دور أمها، وهو ما يحصل، فينفلت غرورها وتسلّطها، لتنتهي مقتولة ضرباً على يد مساعدتها.

الفيلم مليء بالسخرية من هوليوود وأجوائها، لكنها سخرية لا تثير الضحك. كل شيء مبالغ فيه، كما في الكاريكاتير، إلا أنه الواقع، واقع هوليوود المهووسة بالمبالغة والسيطرة، وواقع نجومها وولعهم بالشهرة. يصوّر المخرج هوليوود بعينٍ خارجية، فهو لم يتعامل مع أستوديوهاتها طوال مسيرته السينمائية، وهي لم تفكّر به. لكن الظلام لا يخفي نفسه، يقول لنا كروننبرغ، الذي يزيده طبقات من القتامة.

المساهمون