بدأت تتضح معالم معركة، يتوقع خبراء عسكريون أن تكون شرسة، وقد يحين موعدها في الخريف المقبل في محافظة دير الزور شرقي سورية، التي باتت المعقل الأخير البارز لتنظيم "داعش" الذي بدأ يخوض معارك وجود في سورية والعراق، فيما تسعى عدة أطراف للسيطرة على أماكن نفوذه في البلدين. ويسعى الحلف الثلاثي، روسيا، وإيران، والنظام السوري، للتفرد بمعركة محافظة دير الزور، وقطع الطريق أمام مساعي واشنطن للدفع بـ"قوات سورية الديمقراطية" وأخرى تتبع للمعارضة السورية إلى واجهة المعركة، في محافظة مترامية الأطراف، وتكتسب أهمية كبرى في الصراع المحتدم على راهن، ومستقبل سورية.
وفي هذا الصدد، نقلت وسائل إعلام روسية عن وزارة الدفاع الروسية تأكيدها أن قوات النظام، مدعومة بسلاح الجو الروسي، تمكنت الأحد الماضي، من القضاء على مجموعة كبيرة من مسلحي تنظيم "داعش" قرب قرية غانم علي في ريف الرقة الشرقي، زاعمة أن هذه القوات "استطاعت تصفية أكثر من 800 إرهابي، وتدمير 13 دبابة و39 سيارة مزودة برشاشات ثقيلة و9 مدافع هاون". وأشارت الوزارة إلى أن هذه العملية "توجت بتدمير أقوى مجموعة لداعش في المنطقة، لا سيما من حيث التسليح"، مضيفة أن قوات النظام "تواصل بوتائر عالية تقدمها على طول ضفة نهر الفرات الشرقية لرفع الحصار عن مدينة دير الزور". ورغم ما يحمل بيان وزارة الدفاع الروسية من تهويل متعمد في حجم إنجاز قوات النظام السوري لأسباب إعلامية، إلا أن هذه القوات مصرة على التقدم جنوب شرقي الرقة، بقيادة العميد سهيل الحسن، رجل روسيا في جيش النظام، للوصول إلى ريف دير الزور الغربي الذي يعد بوابة الدخول إلى مدينة دير الزور. وتسعى قوات النظام إلى فك الحصار عن مطار دير الزور العسكري لتحقيق "نصر إعلامي وسياسي" أكثر من كونه نصراً عسكرياً يُدخل النظام دائرة محاربة تنظيم "داعش" في شرق سورية، وهو ما يحتاجه اليوم من أجل نجاح مساعيه لإعادة تأهيله كمناهض للإرهاب في سورية.
وكانت قوات النظام، ومليشيات إيرانية ومحلية، بدأت معركة دير الزور مطلع يونيو/حزيران الماضي، إذ باشرت تحركاً في ريف الرقة الجنوبي الغربي، فشقت طريقاً وعراً في البادية السورية شرقاً إلى ريف الرقة الجنوبي الشرقي. وسيطرت خلال سيرها على العديد من المناطق المهمة وآبار البترول في سياق تفاهم روسي أميركي حدد مناطق السيطرة داخل محافظة الرقة، بين قوات النظام المدعومة من روسيا، و"قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، المدعومة من أميركا. وتعد محافظة دير الزور ثاني أكبر المحافظات السورية من حيث المساحة، إذ تبلغ أكثر من 30 ألف كيلومتر مربع. كما أنها تكتسب أهمية استثنائية، كونها تحتضن ثروة نفطية هائلة، خصوصاً في ريفها الشرقي مترامي الأطراف، عدا عن كونها تعد امتداداً لمحافظة الأنبار غربي العراق، وهو ما يفسر اهتمام طهران بها، إذ تسعى إيران إلى فتح ممر بري إلى شواطئ المتوسط مروراً بشرق سورية. ويفرض تنظيم "داعش"، منذ عام 2014، سيطرته على أغلب محافظة دير الزور، باستثناء بعض الأحياء داخل المدينة ومطارها العسكري، الذي فشلت، على مدى عامين، كل محاولات اقتحامه. وتحول ريف دير الزور، الممتد على مسافة تقدر بأكثر من 100 كيلومتر، إلى معقل بارز للتنظيم، خصوصاً في مدينتي الميادين والبوكمال المقابلة لمدينة القائم العراقية معقل "داعش" الأهم في غرب العراق. وتعرضت مدينة دير الزور، التي يشطرها نهر الفرات من الوسط، إلى تدمير كبير منذ سيطرة المعارضة عليها في عام 2013، وباتت أغلب أحيائها مدمرة، كما دمرت أغلب الجسور التي كانت مقامة على نهر الفرات، بما فيها الجسر المعلق الشهير.
ويرى المحلل العسكري السوري، العقيد المنشق عن قوات النظام، فايز الأسمر، أن مدينة دير الزور وريفها مقبلة على معارك "شرسة"، متوقعاً، في حديث مع "العربي الجديد"، أن يدافع "داعش" عن معقله الأخير في سورية بشراسة. وأوضح الأسمر، وهو من أبناء دير الزور، أن قوات النظام تتحرك باتجاه دير الزور من عدة محاور، مشيراً إلى أن تنظيم "داعش" صد هذه القوات في جنوب شرقي الرقة، واسترد مناطق شاسعة كانت سيطرت عليها قوات النظام، التي تكبدت خسائر فادحة بالأرواح خلال اليومين الأخيرين. وأشار الأسمر إلى أن قوات النظام تحاول شق طريق في البادية عبر جبل البشري من تدمر إلى مدينة دير الزور، موضحاً أن مليشيا "النجباء" العراقية، المساندة لقوات النظام، تتمركز على بعد 60 كيلومتراً جنوبي البوكمال استعداداً للتحرك باتجاهها. وأعرب عن اعتقاده بأن تفاهمات روسية أميركية أبرمت، وقسمت دير الزور ما بين قوات النظام و"قوات سورية الديمقراطية"، بحيث تسيطر الأولى على جنوب النهر "الشامية"، والثانية على شمال النهر "الجزيرة"، محذراً من دخول قوات كردية إلى دير الزور. وقال "في محافظة دير الزور عشائر عربية قوية لن تقبل بدخول الأكراد، وهو ما ينذر باندلاع حرب عربية كردية نحذر منها".
ويرى المحلل العسكري أن "قوة تنظيم داعش في دير الزور مبالغ بها"، متوقعاً ألا يصل عدد مسلحي التنظيم في كامل المحافظة "إلى ألفي مسلح، لكنهم يقاتلون ببسالة"، متوقعاً نهاية قريبة للتنظيم في دير الزور "لأنه لا يستطيع مواجهة غارات الطيران الروسي، ومقاتلات التحالف الدولي، بقيادة واشنطن، التي تركز على نقاط تحصينه"، مستدركاً "ستكون هناك معارك ضارية بين أبنية مدينة دير الزور المهدمة". وأشار إلى أن قيام التحالف الدولي بعدة إنزالات جوية في ريف دير الزور يدخل في إطار التحضير للمعركة، مضيفاً إن "هذه الإنزالات هدفها الحد من تحركات قادة التنظيم، وخفض الروح المعنوية لمسلحيه". وتؤكد مصادر مطلعة، لـ"العربي الجديد"، أن التنظيم نقل معظم قياداته من الرقة إلى مدينة الميادين شرقي دير الزور تحضيراً لمعركة وجود أخيرة يخوضها في شرق سورية. وتبدو المعارضة السورية المسلحة الغائب الأكبر عن المعركة، إذ لم تتضح بعد أبعاد مشاركتها. وتقلل مصادر عسكرية معارضة من أهمية مجلس دير الزور العسكري، كونه يرتبط بـ"قوات سورية الديمقراطية"، موضحة أن عدد مقاتليه لا يتجاوز الـ 600، مضيفة "هم غير مؤهلين لخوض معارك كبرى، ولا يمتلكون عقيدة قتال واضحة". كما لم تظهر معلومات واضحة حول طبيعة الدور الذي من الممكن أن يؤديه "جيش المغاوير"، المدعوم أميركياً، ويضم مقاتلين من أبناء دير الزور، يتمركزون في قاعدة التنف الأميركية، وفي منطقة الشدادي بالقرب من الحدود الشمالية لمحافظة دير الزور غير بعيد عن بلدة مركدة، آخر معاقل "داعش" في ريف الحسكة الجنوبي.