حتى اليوم، تغيب الإحصاءات الدقيقة حول المجازر الصهيونية بحق الفلسطينيين، خصوصاً أنّ الصهاينة يعملون في المحافل الدولية والوثائق التاريخية على مسح جميع الروايات الفلسطينية التي تشهد على تلك المجازر.
في كلّ الأحوال، ما زالت الذاكرة نابضة، خصوصاً ذاكرة كبار السنّ، الذين شهدوا تلك المجازر المنسية التي تبرز من بينها مجزرة دير البلح في قطاع غزة التي وقعت بعد التهجير مباشرة عام 1948. هي مجزرة لم تذكرها أيّ مراجع تاريخية أو مصادر فلسطينية رسمية.
الكاتب الصحافي في صحيفة "الأيام" الفلسطينية، حسن جبر، هو أول من بدأ البحث عن أيّ وثائق أو حتى شهود على المجزرة. عندما كان يغطي اجتياحاً صهيونياً لمدينة دير البلح بين عامي 2003 و2004، وكان يومها قطاع غزة تحت الاحتلال العسكري المباشر، صرخ مسنّ في وجهه أنّ المجازر التي يشاهدونها ليست الأولى التي تقع في دير البلح.
استفسر جبر من المسنّ الذي أخبره عن مجزرة لم يتحدث فيها أحد، لكنّه لم يطلعه على معلومات كافية. حديث المسن زاد شغف جبر بالاطلاع، فبدأ البحث عبر الإنترنت خصوصاً في المواقع الفلسطينية ومركز المعلومات الفلسطيني "وفا" لكنه لم يعثر على أيّ معلومات. بدأ في سؤال المؤرخين وبعض أساتذة التاريخ لكنّهم كانوا أيضاً لا يعلمون شيئاً عنها. قرر البحث عن الخيوط بنفسه، فبدأ التجول في مخيم ومدينة دير البلح بعد الانتهاء من دوامه اليومي. وبالفعل، تواصل مع عائلات بعض الضحايا، وآخرين كانوا شهوداً على المجزرة، وتمكن من جمع 12 شهادة ممن كانوا في موقع المجزرة وقتها وشاهدوا الطائرات التي قصفتهم بالبراميل المتفجرة ونجوا منها. لكنّ جبر يشير إلى أنّه منذ بحثه عام 2004 حتى العام الحالي 2017 مات من شهوده 9 أفراد.
اقــرأ أيضاً
الشاهدة الرئيسية سيدة كانت تتجاوز الثمانين عام 2004، من آل البحيصي، وهي من لملم معها كلّ التفاصيل الأساسية. أصيبت في المجزرة ومكثت في المستشفى ثلاثة أشهر. أما من استشهدوا يومها فأكثر من 200 شخص كما أشارت لجبر، قسم كبير منهم لم تُعرف أسماؤهم كونهم مهجّرين من بيوتهم في مناطق فلسطينية أخرى ولم يتسن لهم بعد التعرف بالآخرين.
صباحاً كانت المجزرة، عندما كان سكان المخيم والمدينة في السوق، فجاءتهم طائرات صهيونية ورمتهم ببراميل متفجرة. كان الضحايا من باعة الخضار والمتسوقين من لاجئي المخيم ومن مدينة الدير بالإضافة إلى جزء من الجيش المصري الذي كانت له قاعدة حماية قريبة من المكان.
كذلك، وثّق جبر من روايات الشهود أنّ هناك مصابين استشهدوا بعد أيام. دفن الضحايا في مقبرة الشهداء ومقبرة أبو سليم وسط مدينة دير البلح، وكان الدفن عشوائياً غالباً.
"العربي الجديد" التقت شاهدين على المجزرة، أحدهما الحاج محمد البحيصي (94 عاماً) الذي كان عشرينياً يوم وقوعها، وكان قد هجّر مع أهله من بلدة أسدود (إلى الشمال من غزة)، واستمروا يتنقلون في تجمعات اللاجئين التي تحولت إلى مخيمات لاحقاً حتى وصلوا إلى دير البلح التي قسمت قسمين؛ شرقي لأهل المدينة، وغربي لمخيمات اللاجئين.
يتحدث عن يوم المجزرة أنّهم فوجئوا بأصوات هائلة منعت البعض من سماع نداءات التحذير. كانت أصوات طائرات حربية اتجهت ناحية البحر ثم عادت بعد دقائق لتلقي قنابل ضخمة متفجرة. حاول البعض الهرب ومنهم من وقع في حُفر خلفتها المتفجرات ومات فيها. مات من عائلته رجلان وامرأتان، ومعظم الناجين أصيبوا.
يقول لـ"العربي الجديد": "بريطانيا من مدّت الصهاينة بالطائرات التي لم يكونوا يملكونها. أما الجرحى فنقلوا إلى عيادات صغيرة غير مجهزة لاستيعاب هذه الحالات، من بينها مركز مصري للإسعافات الأولية" وهو ما أدى إلى موت بعض الجرحى لاحقاً ومنهم والدته التي ماتت بعد أسبوع واحد. ويشير إلى أنّه "في ظل الخوف من احتمال عودة الطائرات دفن الشهداء بسرعة".
الحاجة سعدة صالحة (88 عاماً)، التي تعود أصولها إلى بلدة سلمة (في يافا)، كانت المجزرة نقطة فارقة في حياتها بعدما كان زوجها أحد المصابين ممن منعتهم الإصابة من العمل لاحقاً. هي من تكفلت بالأسرة بعد تلك المجزرة وسعت للحصول على لقمة العيش. تقول لـ"العربي الجديد" إنّها كانت في الخيمة، وكانت قد فقدت طفلها المولود حديثاً خلال التهجير بعدما احتاج إلى عناية طبية غير متوفرة. خرجت على أصوات الانفجارات وشاركت الرجال في رفع الضحايا، فيما كانت تبحث عن زوجها الذي وجدته مصاباً غير قادر على الحراك والكلام. تقول إنّ عدداً كبيراً منهم دفن بحجر وضع على قبره كشاهد لم يُكتب عليه أكثر من كلمة "شهيد".
اقــرأ أيضاً
في كلّ الأحوال، ما زالت الذاكرة نابضة، خصوصاً ذاكرة كبار السنّ، الذين شهدوا تلك المجازر المنسية التي تبرز من بينها مجزرة دير البلح في قطاع غزة التي وقعت بعد التهجير مباشرة عام 1948. هي مجزرة لم تذكرها أيّ مراجع تاريخية أو مصادر فلسطينية رسمية.
الكاتب الصحافي في صحيفة "الأيام" الفلسطينية، حسن جبر، هو أول من بدأ البحث عن أيّ وثائق أو حتى شهود على المجزرة. عندما كان يغطي اجتياحاً صهيونياً لمدينة دير البلح بين عامي 2003 و2004، وكان يومها قطاع غزة تحت الاحتلال العسكري المباشر، صرخ مسنّ في وجهه أنّ المجازر التي يشاهدونها ليست الأولى التي تقع في دير البلح.
استفسر جبر من المسنّ الذي أخبره عن مجزرة لم يتحدث فيها أحد، لكنّه لم يطلعه على معلومات كافية. حديث المسن زاد شغف جبر بالاطلاع، فبدأ البحث عبر الإنترنت خصوصاً في المواقع الفلسطينية ومركز المعلومات الفلسطيني "وفا" لكنه لم يعثر على أيّ معلومات. بدأ في سؤال المؤرخين وبعض أساتذة التاريخ لكنّهم كانوا أيضاً لا يعلمون شيئاً عنها. قرر البحث عن الخيوط بنفسه، فبدأ التجول في مخيم ومدينة دير البلح بعد الانتهاء من دوامه اليومي. وبالفعل، تواصل مع عائلات بعض الضحايا، وآخرين كانوا شهوداً على المجزرة، وتمكن من جمع 12 شهادة ممن كانوا في موقع المجزرة وقتها وشاهدوا الطائرات التي قصفتهم بالبراميل المتفجرة ونجوا منها. لكنّ جبر يشير إلى أنّه منذ بحثه عام 2004 حتى العام الحالي 2017 مات من شهوده 9 أفراد.
الشاهدة الرئيسية سيدة كانت تتجاوز الثمانين عام 2004، من آل البحيصي، وهي من لملم معها كلّ التفاصيل الأساسية. أصيبت في المجزرة ومكثت في المستشفى ثلاثة أشهر. أما من استشهدوا يومها فأكثر من 200 شخص كما أشارت لجبر، قسم كبير منهم لم تُعرف أسماؤهم كونهم مهجّرين من بيوتهم في مناطق فلسطينية أخرى ولم يتسن لهم بعد التعرف بالآخرين.
صباحاً كانت المجزرة، عندما كان سكان المخيم والمدينة في السوق، فجاءتهم طائرات صهيونية ورمتهم ببراميل متفجرة. كان الضحايا من باعة الخضار والمتسوقين من لاجئي المخيم ومن مدينة الدير بالإضافة إلى جزء من الجيش المصري الذي كانت له قاعدة حماية قريبة من المكان.
كذلك، وثّق جبر من روايات الشهود أنّ هناك مصابين استشهدوا بعد أيام. دفن الضحايا في مقبرة الشهداء ومقبرة أبو سليم وسط مدينة دير البلح، وكان الدفن عشوائياً غالباً.
"العربي الجديد" التقت شاهدين على المجزرة، أحدهما الحاج محمد البحيصي (94 عاماً) الذي كان عشرينياً يوم وقوعها، وكان قد هجّر مع أهله من بلدة أسدود (إلى الشمال من غزة)، واستمروا يتنقلون في تجمعات اللاجئين التي تحولت إلى مخيمات لاحقاً حتى وصلوا إلى دير البلح التي قسمت قسمين؛ شرقي لأهل المدينة، وغربي لمخيمات اللاجئين.
يتحدث عن يوم المجزرة أنّهم فوجئوا بأصوات هائلة منعت البعض من سماع نداءات التحذير. كانت أصوات طائرات حربية اتجهت ناحية البحر ثم عادت بعد دقائق لتلقي قنابل ضخمة متفجرة. حاول البعض الهرب ومنهم من وقع في حُفر خلفتها المتفجرات ومات فيها. مات من عائلته رجلان وامرأتان، ومعظم الناجين أصيبوا.
يقول لـ"العربي الجديد": "بريطانيا من مدّت الصهاينة بالطائرات التي لم يكونوا يملكونها. أما الجرحى فنقلوا إلى عيادات صغيرة غير مجهزة لاستيعاب هذه الحالات، من بينها مركز مصري للإسعافات الأولية" وهو ما أدى إلى موت بعض الجرحى لاحقاً ومنهم والدته التي ماتت بعد أسبوع واحد. ويشير إلى أنّه "في ظل الخوف من احتمال عودة الطائرات دفن الشهداء بسرعة".
الحاجة سعدة صالحة (88 عاماً)، التي تعود أصولها إلى بلدة سلمة (في يافا)، كانت المجزرة نقطة فارقة في حياتها بعدما كان زوجها أحد المصابين ممن منعتهم الإصابة من العمل لاحقاً. هي من تكفلت بالأسرة بعد تلك المجزرة وسعت للحصول على لقمة العيش. تقول لـ"العربي الجديد" إنّها كانت في الخيمة، وكانت قد فقدت طفلها المولود حديثاً خلال التهجير بعدما احتاج إلى عناية طبية غير متوفرة. خرجت على أصوات الانفجارات وشاركت الرجال في رفع الضحايا، فيما كانت تبحث عن زوجها الذي وجدته مصاباً غير قادر على الحراك والكلام. تقول إنّ عدداً كبيراً منهم دفن بحجر وضع على قبره كشاهد لم يُكتب عليه أكثر من كلمة "شهيد".