ديالى: المليشيات تتلطّى بشركات شراء المنازل

12 يناير 2016
يُخشى من تغيير صورة بعقوبة بالقوة (مصطفى ديالى/الأناضول)
+ الخط -

لم يهتم ناصر الفاضل لمغلّف ورقي وجده صباح أحد أيام نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، مرمياً في حديقة منزله، مرفقاً برصاصة، وورقة كُتِبَ عليها عبارة "تهديد بالقتل". يعلم الفاضل جيداً بأن التهديد حقيقي، فمدينة بعقوبة، مركز محافظة ديالى، شمال شرق العاصمة العراقية بغداد، التي يسكنها، تشهد سيطرة لمليشيات بدأت تمارس منذ أكثر من خمس سنوات، حملات طائفية.

بعد أسبوع من التهديد، أوقف ملثمان يستقلان دراجة نارية، الفاضل، وهو عائد من زيارة أقارب له ليلاً. رفع أحدهما مسدساً وصوّبه نحو رأسه، قائلاً "وصلتك رسالتنا، وهذه رسالة ثانية، لكن في الثالثة ستستقرّ الرصاصة برأسك".

ليس للفاضل أعداء، لكنه كما الكثر من أهالي ديالى وسكانها الأصليين، صار واضحاً بالنسبة إليهم استهداف المدينة، بغية تحويل طبيعة تكوينها السكاني من قبل مليشيات مدعومة إقليمياً. وهو ما يؤكده الفاضل في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، مشدّداً على أنه "اضطر إلى بيع بيته بنصف قيمته، والهرب بعائلته نحو محافظة كركوك شمالاً".

وبحسب سكان المدينة، الواقعة على مسافة 57 كيلومتراً من بغداد، فإن شركات بدأت بالانتشار في ديالى، لشراء المنازل، غير أنّ خلف كل منزل يُبَاع فيها، هناك قصة مرعبة، عاش فصولها سكان تلك المنازل، حتى اضطروا إلى بيع أغلى ما يملكون. ويكشف السكان بأنهم "يعيشون تهديدات يومية في مناطق مختلفة من المدينة، تخضع لسيطرة المليشيات، خصوصاً في بلدات بعقوبة والمقدادية والخالص".

اقرأ أيضاً سجون "الحشد" في العراق: مراكز للخطف والقتل والابتزاز 

في هذا السياق، يقول جمعة عباس، وهو صاحب شركة للمقاولات كان يعمل في مشاريع بديالى، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "تلقّى عرضاً لبناء مركز تجاري في مكان متميز بالمدينة، يُشيد على أنقاض عدد من المنازل القديمة التي تمّ هدمها، لكنني رفضت العرض، بعدما علمت أن أصحاب البيوت المهدمة اضطروا إلى بيعها بسعر بخس، لتلقيهم تهديدات بالقتل من قبل مسلحين".

ليس الجميع كحال عباس، فهناك شركات وجدت في ديالى عملاً مربحاً من خلال تحويل المنازل إلى متاجر كبرى أو مبانٍ سكنية أو مجمّعات طبية، وهو ما يؤكده الدكتور مَعن الجبوري، في حديثٍ لـ"العربي الجديد".
ويلفت الجبوري إلى أنه "اضطر لبيع منزله، بعد أن تلقى تهديدات بالقتل"، مبيّناً بالقول "بعت منزلي بسعر زهيد لشركة، تنوي تحويله إلى مجمّع طبي، ورحلت عن مدينتي فور الانتهاء من إجراءات البيع".

في هذا الصدد، تتحدث المعلمة آمال فاضل (56 عاماً)، بمرارة لـ"العربي الجديد"، عن منزلها الذي قُدّر بحوالي 400 ألف دولار، وبيع بأقلّ من ذلك، لخشيتها على حياتها هي وابنيها من التهديدات التي تعرضوا لها. وتكشف المعلمة المزيد، "رغبت أن أعرض منزلي على بعض الذين أعرفهم، علّي أتمكن من بيعه بسعر مناسب، لكنني فوجئت بالسمسار الذي افتتح شركة صغيرة لبيع العقارات، يتصل بي ويحدثني عن شراء المنزل الذي لم أكن قد أعلنت عن بيعه".

وتتابع: "وافقت على بيع المنزل بعد أن تيقنت أن حياة أولادي في خطر، كان التهديد واضحاً من قبل السمسار. وعلمت فيما بعد أن منزلي بموقعه في أرقى أحياء بلدة المقدادية، وقد اشتراه مسؤول حكومي اغتنى بين ليلة وضحاها، وحوّله إلى مجمع تجاري".

إلى ذلك، يؤكد مختار أحد أحياء بعقوبة، طلب عدم الإفصاح عن اسمه، بأن "ملامح سكان أحياء كثيرة تغيّرت ملامحها". ويشير في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "من بين كل خمسين منزلاً، هناك ما لا يقلّ عن خمسة إلى سبعة منازل بيعت وتغيرت هويتها". ويُردف "حتى أن كثرا ممّن لم يتلقوا تهديداتٍ بدأوا عرض منازلهم للبيع، خشية من النزلاء الجدد، كونهم ينتمون إلى جماعات مسلحة ومليشيات".

ويُصنّف مراقبون في ديالى في أحاديث لـ"العربي الجديد"، انتشار الشركات الخاصة بشراء العقارات، لا سيما المنازل، والتهديدات التي يتلقاها السكان لإجبارهم على البيع وترك مدينتهم، على أنها "تندرج في سياق سياسة التغيير الديموغرافي لهوية ديالى المعروفة".

ويعتبر الصحافي محمد الزبيدي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "تلك السياسة مدعومة سياسياً من قبل جهات طائفية، وكذلك من قبل إيران، لجعل ديالى القريبة من العاصمة بغداد والحدودية مع إقليم كردستان العراق محافظة تابعة لهم".

اقرأ أيضاً العراق: انفلات أمنيّ في ديالى يثير مخاوف أهلها
المساهمون