08 نوفمبر 2024
دونالد ترامب والحلم الأميركي
لا يحسن النظر إلى تصريحات المرشح المحتمل في انتخابات الرئاسة الأميركية، دونالد ترامب، ضد المسلمين في بيانه، بداية شهر ديسمبر/كانون أول الماضي، باعتبارها فردية، بقدر ما يجب النظر إليها انعكاساً لأهواء في المجتمع الأميركي، تبعاً للمسار الذي ترسمه نخبته. فهي تثير، بالإضافة، إلى ما أثارته من استهجان وتعليقات وغيرها، تثير تساؤلات حول العنصرية والكراهية في الولايات المتحدة، والمدى الذي ما زالت تشغله في لاوعي جزء من سكانها وأفكارهم وسلوكهم، علاوة على سلوك نخَبِهم الحاكمة، وعقيدتها للقرن الأميركي الجديد. وفي حين قال أميركيون كثيرون أدانوا تصريحاته إنها انحراف عن الحلم وقيم الحرية الأميركيين، قال آخرون إن تلك القيم وذاك الحلم لم يكونا يوماً موجودين، وإن ترامب ليس سوى تجسيد جديد وحقيقي للعقلية الأميركية، كما يروجها المحافظون الجدد والليبراليون في أميركا.
وعلى ما يبدو، يعتبر الحيز الذي ما زالت تشغله هذه التصريحات في سلوك الأميركيين وذهنيتهم كبيراً جداً، حتى لا يجد مرشح انتخابي لرئاسة البلاد غضاضة في التفوه بعبارات عنصرية ضد كتلة بشرية كبيرة في العالم، وقسم منها من مكونات المجتمع الأميركي نفسه. لكن، كل ما يقال إن ترامب يمثل انحرافاً عن القيم الثقافية والسياسية الأميركية الأساسية، أي ما يسمى (un-American)، محض خيال. وكل ذكرٍ لهذه القيم ولعناصر الحلم الأميركي ليست سوى نفاقٍ، يراد منه عكس ما يقال. فالرجل هنا لم يفعل سوى العزف على الوتر الحقيقي الذي يعرف، هو وفريقه الانتخابي، أن العزف عليه، في هذه الفترة، سيجلب له أصواتاً تضاهي أصوات شاجبي تصريحاته. ففي الولايات المتحدة زرْعٌ ساهم هو، وطيف واسع من ممثلي الطغمة المالية والعسكرية التي حكمت البلاد وتحكمها، في نثر بذوره وإنباته، وجعْلِه كامناً قابلاً للتفعيل والاستخدام، متى تطلبت مصالحها ذلك.
وليس لترامب مبرر في استخدام عصا الإسلاموفوبيا والعداء للمهاجرين هذه الأيام، لكنه يعرف أن هذا هو الوقت المناسب لتفعيل هذه الموجة، وامتطائها للسير نحو البيت الأبيض، خصوصاً بعد الاعتداءات الإرهابية في باريس في 13 من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، فأميركا لا تعاني من إرهاب داعش، كما أنها، في الوقت نفسه، ليست هدفاً لموجات لجوءِ أبناء المناطق المضطربة، كما هي الحال بالنسبة لأوروبا هذه الأيام. حيث أن بُعدها عن مناطق الاضطرابات والفقر في الشرق الأوسط وإفريقيا أعطاها هذه الأفضلية عن الدول الأوروبية، فصارت في منأى عن تبعات الأمرين وثقلهما. ويعرف ترامب، أيضاً، أن بلاده لم تستقبل من المهاجرين السوريين خلال سني الحرب الأربع في بلادهم سوى أقل من 1000 مهاجر، يمكن، إذا لزم الأمر، استيعابهم في بناء واحد، وضرب طوق أمني حولهم لمراقبة تنفسهم، خوفاً من أي داعشي مندس بينهم. لكن تلك حقائق يتغاضى عنها قصداً، ليستكين إلى أفكاره التي تولّد تصريحات عنصرية، يحتاجها في صناديق الاقتراع.
والأميركيون الذي يستقصون عن كل مهاجر إلى بلادهم، ويدققون في ميول وأفكار ونوازع كل
أميركي يتقدم إلى العمل في شركاتهم العابرة للقارات، لا يكلفون أنفسهم إخضاع المتقدمين إلى موقع رئاسة البلاد إلى فحوصات مماثلة، للتأكد من أهليتهم العقلية التي تخولهم شغل هذا الموقع، فترامب الذي دعا إلى بناء سور على الحدود المكسيكية، لمنع الأميركيين الجنوبيين من ولوج البلاد، وطالب أيضاً بمنع دخول المسلمين إليها، لابد أنه واقع تحت تأثير مرض الخوف من الآخرين، مسلمين كانوا أم مكسيكيين، وهو ما يثبت عدم أهليته لموقع الرئاسة. وعلاوة على هذا المرض، لا شك أن مرض الفصام، هو الآخر، متمكن من ترامب الذي طالب بمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة الأميركية، فيما يستثمر ملياراته في دول إسلامية كثيرة، ويجني من دم فقرائها أرباحاً تزيد من حجم إمبراطوريته المالية يومياً، وهذه حقائق لم تمنعه من إطلاق بيانه ذاك.
وبين الانحراف عن القيم الذي يجري الحديث عنه والواقع الحقيقي الذي تأتي التصريحات في سياقه، يمكن لجردة حساب سريعة لتاريخ الولايات المتحدة الدموي أن تضع التصريحات في إطارها المتناسب مع ذلك التاريخ، ومع الوقائع التي صنعته. فامتداداً من السطو على أراضي سكان البلاد الأصليين الذين سمّوا الهنود الحمر، ومحوهم من الوجود لبناء الدولة على دمائهم، إلى خطف الأفارقة واستقدامهم واستعبادهم وتشييئهم، إلى ضرب اليابان بالقنبلتين النوويتين، وصولاً إلى المكارثية وحكم المواطنين بالخوف في الداخل الأميركي، إلى شن الاعتداءات والحروب على الدول المسالمة، كالفلبين وكوبا وكوريا وفيتنام وغرينادا وليبيا وأفغانستان والعراق وغيرهم، والتسبب بمقتل عشرات الملايين فيها وتشريد أمثالهم. دعم الانقلابات والديكتاتوريات الدموية في أميركا اللاتينية، وتدريب فرق الموت فيها. إلحاق اقتصاديات أميركا اللاتينية ودول فقيرة كثيرة بالاقتصاد الأميركي، والتحكم بثروات شعوبها لصالح الرأسمال الأميركي، مع الإمعان في تفقير مواطني هذه الدول وتجهيلهم. الريادة في صناعة أفلام العنف والأفلام الإباحية وتوجيهها إلى سكان الدول الفقيرة، لزيادة ضياعهم وحرفهم عن المسار الصحيح للعيش والتقدم. التجسس الواسع على كل سكان الكوكب عبر الإنترنت ووسائل الاتصالات المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها. وتحُّكم إعلامي وإعلاني بالشعوب الأخرى، عبر أشكال الإعلام التقليدي والحديث، لقلب الحقائق وصناعة رأي عام وتكوين أرضيات لتسييل خططها بسلاسة، فلا تجد بذلك معارضة حقيقية تقف في وجهها.
لا شك أن ترامب هو حصيلة لهذا التاريخ. وأنه، بإمبراطوريتيه المالية والتجارية العابرة للقارات، يعد أحد أقطاب تلك الفئة التي تستبد بالداخل الأميركي، وبفئات من الخارج. وهو بذلك تجسيد للحلم الأميركي الذي لم يتبدَّ سوى بالقتل، وبنزعة السيطرة على الشعوب الأخرى. وربما جاءت تصريحاته لتزيح الملاءة عن الحقيقي في الحلم والسياسة الأميركيين، لبدء عصر من إعلان الخطط والنيات تجاه دول العالم وشعوبه، مقدمة لشن أشكال جديدة من حروب السيطرة.
وعلى ما يبدو، يعتبر الحيز الذي ما زالت تشغله هذه التصريحات في سلوك الأميركيين وذهنيتهم كبيراً جداً، حتى لا يجد مرشح انتخابي لرئاسة البلاد غضاضة في التفوه بعبارات عنصرية ضد كتلة بشرية كبيرة في العالم، وقسم منها من مكونات المجتمع الأميركي نفسه. لكن، كل ما يقال إن ترامب يمثل انحرافاً عن القيم الثقافية والسياسية الأميركية الأساسية، أي ما يسمى (un-American)، محض خيال. وكل ذكرٍ لهذه القيم ولعناصر الحلم الأميركي ليست سوى نفاقٍ، يراد منه عكس ما يقال. فالرجل هنا لم يفعل سوى العزف على الوتر الحقيقي الذي يعرف، هو وفريقه الانتخابي، أن العزف عليه، في هذه الفترة، سيجلب له أصواتاً تضاهي أصوات شاجبي تصريحاته. ففي الولايات المتحدة زرْعٌ ساهم هو، وطيف واسع من ممثلي الطغمة المالية والعسكرية التي حكمت البلاد وتحكمها، في نثر بذوره وإنباته، وجعْلِه كامناً قابلاً للتفعيل والاستخدام، متى تطلبت مصالحها ذلك.
وليس لترامب مبرر في استخدام عصا الإسلاموفوبيا والعداء للمهاجرين هذه الأيام، لكنه يعرف أن هذا هو الوقت المناسب لتفعيل هذه الموجة، وامتطائها للسير نحو البيت الأبيض، خصوصاً بعد الاعتداءات الإرهابية في باريس في 13 من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، فأميركا لا تعاني من إرهاب داعش، كما أنها، في الوقت نفسه، ليست هدفاً لموجات لجوءِ أبناء المناطق المضطربة، كما هي الحال بالنسبة لأوروبا هذه الأيام. حيث أن بُعدها عن مناطق الاضطرابات والفقر في الشرق الأوسط وإفريقيا أعطاها هذه الأفضلية عن الدول الأوروبية، فصارت في منأى عن تبعات الأمرين وثقلهما. ويعرف ترامب، أيضاً، أن بلاده لم تستقبل من المهاجرين السوريين خلال سني الحرب الأربع في بلادهم سوى أقل من 1000 مهاجر، يمكن، إذا لزم الأمر، استيعابهم في بناء واحد، وضرب طوق أمني حولهم لمراقبة تنفسهم، خوفاً من أي داعشي مندس بينهم. لكن تلك حقائق يتغاضى عنها قصداً، ليستكين إلى أفكاره التي تولّد تصريحات عنصرية، يحتاجها في صناديق الاقتراع.
والأميركيون الذي يستقصون عن كل مهاجر إلى بلادهم، ويدققون في ميول وأفكار ونوازع كل
وبين الانحراف عن القيم الذي يجري الحديث عنه والواقع الحقيقي الذي تأتي التصريحات في سياقه، يمكن لجردة حساب سريعة لتاريخ الولايات المتحدة الدموي أن تضع التصريحات في إطارها المتناسب مع ذلك التاريخ، ومع الوقائع التي صنعته. فامتداداً من السطو على أراضي سكان البلاد الأصليين الذين سمّوا الهنود الحمر، ومحوهم من الوجود لبناء الدولة على دمائهم، إلى خطف الأفارقة واستقدامهم واستعبادهم وتشييئهم، إلى ضرب اليابان بالقنبلتين النوويتين، وصولاً إلى المكارثية وحكم المواطنين بالخوف في الداخل الأميركي، إلى شن الاعتداءات والحروب على الدول المسالمة، كالفلبين وكوبا وكوريا وفيتنام وغرينادا وليبيا وأفغانستان والعراق وغيرهم، والتسبب بمقتل عشرات الملايين فيها وتشريد أمثالهم. دعم الانقلابات والديكتاتوريات الدموية في أميركا اللاتينية، وتدريب فرق الموت فيها. إلحاق اقتصاديات أميركا اللاتينية ودول فقيرة كثيرة بالاقتصاد الأميركي، والتحكم بثروات شعوبها لصالح الرأسمال الأميركي، مع الإمعان في تفقير مواطني هذه الدول وتجهيلهم. الريادة في صناعة أفلام العنف والأفلام الإباحية وتوجيهها إلى سكان الدول الفقيرة، لزيادة ضياعهم وحرفهم عن المسار الصحيح للعيش والتقدم. التجسس الواسع على كل سكان الكوكب عبر الإنترنت ووسائل الاتصالات المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها. وتحُّكم إعلامي وإعلاني بالشعوب الأخرى، عبر أشكال الإعلام التقليدي والحديث، لقلب الحقائق وصناعة رأي عام وتكوين أرضيات لتسييل خططها بسلاسة، فلا تجد بذلك معارضة حقيقية تقف في وجهها.
لا شك أن ترامب هو حصيلة لهذا التاريخ. وأنه، بإمبراطوريتيه المالية والتجارية العابرة للقارات، يعد أحد أقطاب تلك الفئة التي تستبد بالداخل الأميركي، وبفئات من الخارج. وهو بذلك تجسيد للحلم الأميركي الذي لم يتبدَّ سوى بالقتل، وبنزعة السيطرة على الشعوب الأخرى. وربما جاءت تصريحاته لتزيح الملاءة عن الحقيقي في الحلم والسياسة الأميركيين، لبدء عصر من إعلان الخطط والنيات تجاه دول العالم وشعوبه، مقدمة لشن أشكال جديدة من حروب السيطرة.