دماء مهدورة...تزايد قضايا القتل المقيدة ضد مجهول في اليمن

08 نوفمبر 2016
الأمن الجنائي غاب في اليمن بعد الانقلاب (فرانس برس)
+ الخط -
نهاية يناير/كانون الثاني من العام الجاري، عثرت الشرطة اليمنية على جثة الأربعيني صلاح أحمد، بعد أيام من مقتله، في أحد شوارع منطقة الثورة التابعة للعاصمة صنعاء، وحتى اللحظة لم تضبط الشرطة الجناة، كما يقول قريبه سامح الذماري، الذي يشعر بأن حقه لن يعود، إذ إن تعامل الشرطة مع العائلة لدى الإبلاغ عن الجريمة كان شديد الاستهتار، كما يقول سامح متابعاً: "لم نكن نتوقع أن يصل أمن الموطنين إلى هذا الحد من الانفلات، العائلة لن تصحو من هذه الصدمة إلا بعد ضبط الجناة ومحاكمتهم".

يعد أحمد واحداً من بين 540 يمنياً، قُتلوا وقيدت بلاغات قتلهم ضد مجهول، خلال الفترة من بداية عام 2015 وحتى النصف الأول من عام 2016، بحسب بيانات جمعها معد التحقيق من إدارات الأمن العام في 17 محافظة يمنية، فيما بلغ عدد قضايا القتل المقيدة ضد مجهول 235 قضية في عام 2014، وفقا لآخر تقرير إحصائي تفصيلي عن حالة الأمن الجنائي، الصادر عن وزارة الداخلية اليمنية، في نهاية عام 2014.

تقاعس الأجهزة الأمنية

عقب سبعة أشهر فقط من العثور على جثة صلاح، عثر أهل الشاب علي شملان على جثته في الطريق العام بمديرية السياني التابعة لمحافظة إب (180 كم إلى الجنوب من العاصمة صنعاء) بعد يومين من اختفائه.

قتل شملان في آب/أغسطس من هذا العام من دون توصل شرطة محافظة إب إلى الجناة بحسب شقيقه صالح، في الشهر ذاته عثرت الشرطة على جثتين، الأولى في إحدى غرف مستشفى السعيد الحكومي بمحافظة إب، والثانية في كافتيريا كلية الآداب بجامعة إب الحكومية، كما أكد مصدر في أمن المحافظة لـ "العربي الجديد".

يؤكد مسؤول أمني في الإدارة العامة للبحث الجنائي التابعة لوزارة الداخلية الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي، تزايد عثور الشرطة على جثث القتلى في الطرقات والأماكن العامة بعد مرور أيام من قتلهم، منذ أيلول/سبتمبر2014، (بعد الانقلاب)، إذ يستغل الجناة حالة الفوضى الأمنية لقتل ضحاياهم في حال عدم دفع أسرهم لفدى أو للثأر أو بسبب خلافات على أراضي، ومشاكل أسرية واستحقاقات مالية. ويعترف المسؤول الأمني، الذي رفض ذكر اسمه خشية تعرضه للأذى، أن "فترة ما بعد الانقلاب كانت وما تزال الأسوأ في عدد بلاغات القتل المقيدة ضد مجهول، إذ لم تعد الأجهزة الأمنية تهتم بضبط الجناة".


دماء مهدورة

لا تقوم الشرطة بواجبها في ضبط المتهمين بجرائم القتل حسب تأكيد بيانات الأمن العام وتوثيق معد التحقيق لمعاناة عشرة أشخاص من أهالي الضحايا أثناء متابعتهم لمراكز الشرطة لكشف الجناة وضبطهم، من بينهم عائلة صلاح التي بذلت الكثير من الوقت والمال في متابعة الشرطة لكشف الجناة، لكنها كانت تصطدم بتعثر الشرطة في ذلك بحسب قريبه الذماري.

أقارب شملان يفعلون الأمر عينه، بعد مضي شهر ونصف على مقتله، لكن دون فائدة بسبب عدم قيام الشرطة بواجبها وفق تصريح شقيقه صالح. والذي قال لـ "العربي الجديد": "لا أعتقد أن كشف الجناة وضبطهم يحتاج إلى وقت كبير إذا بذلت الشرطة جهدا أكبر لفعل ذلك".

ما تفعله مراكز الشرطة يعد مخالفاً للقرار الجمهوري رقم 50 لعام 2013، الخاص بإعادة هيكلة وزارة الداخلية، إذ يلزم هذا القرار مراكز الشرطة التابعة لوزارة الداخلية بمنع الجرائم وضبطها وحفظ أمن المواطنين.

ويؤكد نائب مدير شرطة هجدة التابعة لمدينة تعز خالد الشميري أن الشرطة كانت تقوم بدورها على أكمل وجه في ضبط الجريمة قبل سيطرة الحوثيين على الأمن العام. وأضاف لـ "العربي الجديد": "بعد الانقلاب لم يعد الأمن العام فاعلا، وهذا ليس ذنب الشرطة، لأنها تحت سيطرة جماعة الحوثي كغيرها من مؤسسات الدولة، وهم يتحملون مسؤولية التقصير".

الشرطة في قبضة المليشيات

مصادر أمنية في ثلاثة مراكز للشرطة بصنعاء تؤكد أنها تبذل أقصى جهدها في ضبط الجريمة ومنها جرائم القتل لكنها تصطدم في الوقت الراهن باللجان الشعبية التابعة لجماعة الحوثي التي سيطرت على مراكز الشرطة وباتت تقوم بعملها، إذ استحدثت اللجان الشعبية غرف عمليات في مراكز الشرطة بمناطق سيطرتها إلى جانب غرف عمليات تلك المراكز، وحلت محلها من دون أن تقوم بواجبها إزاء قضايا المواطنين في ضبط الجريمة.

مدير مركز شرطة بالعاصمة صنعاء، رفض ذكر اسمه أو اسم المركز الذي يديره حفاظا على أمنه الشخصي، يؤكد لـ "العربي الجديد"، أن جماعة الحوثي قيدت عمل مراكز الشرطة ولم تقم بواجبها في التعاطي مع البلاغات الجنائية المقدمة من المواطنين، مع أنها تعمل بدلا عن الشرطة، ما أدى إلى وقوع ازدواج أمني في تلك المراكز.

وتابع لـ "العربي الجديد": "المواطنون لا يعرفون أحداً سوى المسؤولين الأمنيين في مراكز الشرطة كونها الجهة المسؤولة عن أمنهم وسلامة حياتهم، لكنهم في الوقت الحالي فقدوا الثقة بنا، بسبب جماعة الحوثي، القائمين فعليا بعمل مراكز الشرطة"، وهو ما طابق اعتراف الناطق الرسمي لجماعة الحوثي محمد عبد السلام في تصريحات صحافية بأن اللجان الشعبية التابعة لجماعته تعمل جنبا إلى جنب مع المؤسسات الأمنية في البلاد منذ سيطرتهم على العاصمة صنعاء.


معتقلون في مراكز الشرطة

أدى تدخل الحوثيين في عمل الأمن العام، بحسب مصادر أمنية، إلى تحييد الشرطة عن اختصاصاتها عقب سيطرة جماعة الحوثي عليها، إذ عملت على اعتقال المناوئين للجماعة من دون تهم موجهة ضدهم، وزجت بهم في سجون تلك المراكز المخصصة بالأساس للمتهمين في قضايا جنائية ومدنية.
ويقبع في سجن مركز شرطة (المنطقة السابعة) بصنعاء سبعة مواطنين اعتقلتهم جماعة الحوثي في نهاية أيلول/سبتمبر الماضي من دون تهم موجهة ضدهم، وعجز المركز ذاته عن ضبط متهم بقتل مواطن في إحدى نقاط اللجان الشعبية التابعة للحوثيين بشارع النصر القريب من المركز بحسب توثيق معد التحقيق وتأكيد مصدر أمني في المركز ذاته.

ويعمل المتهم (تتحفظ "العربي الجديد" على كشف هويته)، في النقطة الأمنية التابعة للجماعة، الأمر الذي عجزت معه الشرطة عن ضبطه، رغم أن عائلة المتهم تسكن في نفس الحي الذي يوجد فيه مركز الشرطة وفقا لشهود عيان.

وكانت جماعة الحوثي قد اعتقلت عقب انقلابها 10 آلاف شخص، دون تهم موجهة ضدهم وزجت بالكثير منهم في سجون مراكز الشرطة، وفقا لبيان صادر عن المركز العربي لحقوق الإنسان ومناهضة الإرهاب (آشا) (منظمة حقوقية يمنية)، ويفوق هذا العدد عدد المتهمين بقتل مواطنين ولم يتم ضبطهم من قبل مراكز الشرطة الخاضعة لجماعة الحوثي، في العام 2015، بعشرة أضعاف، كما يقول ضابط في البحث الجنائي في صنعاء المقدم عبد العليم القدسي لـ"العربي الجديد".

يضيف القدسي: "الحوثيون يسجنون من يريدون ويطلقون من يريدون في أي وقت يريدون، كل مراكز الشرطة والبحث الجنائي والأمن العام تحت سيطرتهم".

الوزارة ترد

لا يعتبر ضباط في وزارة الداخلية ضعف الأداء الأمني في مراكز الشرطة في الوقت الحاضر تقصيرا، إذ يرجع عقيد في وزارة الداخلية، (رفض الكشف عن هويته حفاظا على أمنه الشخصي)، ما يحدث من تقصير إلى غياب "الضباط المهنيين في وزارة الداخلية ومراكز الشرطة عن العمل منذ عام 2014، بعد أن غاب الاهتمام بالأمن الجنائي، في مقابل الاهتمام بالأمن السياسي من كل الأطراف". وتابع "الحراك الجنوبي وجماعات مسلحة أخرى تقوم بعمل إدارة الأمن في محافظة عدن ومحافظات جنوبية أخرى منذ تحريرها من قبضة الحوثيين وقوات صالح في تموز/يوليو 2015، وجماعة الحوثي منذ سيطرت على العاصمة صنعاء في أيلول/سبتمبر 2014، أخضعت الأمن الجنائي لسيطرتها ولم تعد تهتم سوى بقمع خصومها السياسيين". وأضاف: "الأمن العام لا يخضع للدولة، بل للجماعات المسلحة التي سيطرت على المدن اليمنية تباعا". مضيفا أن هذه المشكلة أثرت على أداء الشرطة بشكل عام".

وقتل في محافظة عدن التي يتنازعها الحراك الجنوبي والسلطة المحلية المعينة من الحكومة الشرعية، 44 مواطنا خلال النصف الأول من عام 2016 من دون أن يتم ضبط الجناة، وفقا لبيانات إدارة الأمن بالمحافظة، آخر هؤلاء الضحايا العقيد علي مقبل الذي قتل في 30 أيلول/سبتمبر الماضي، ودفنت جثته من دون القبض على الجناة، كما هو الحال مع سابقيه ممن قتلوا ولم تتوصل الشرطة إلى الجناة، بحسب توثيق معد التحقيق.


مخالفة القوانين

يؤكد العقيد في وزارة الداخلية سالم الوراق، أن الجماعات المسلحة المنتشرة في جميع أرجاء اليمن، خالفت كل القوانين والأعراف عندما تعدت على وزارة الداخلية وانتزعت دورها، رغم أن الوزارة جهاز مستقل وفقاً للقرار الجمهوري رقم 50 لسنة 2013، الأمر الذي أدى إلى هذا الانفلات الأمني الذي تضرر منه الجميع.

ويهدف القرار الجمهوري آنف الذكر "إلى تنفيذ القوانين بدقة وصرامة واحترام حرية المواطنين وحفظ كرامتهم واحترام حقوق الإنسان والحريات العامة والخاصة ويسعى إلى تقديم أفضل الخدمات للمواطنين حتى تصل إلى كسب ثقتهم وتعاونهم في الوقاية من الجريمة ومكافحتها" وفقاً لما جاء في نص القرار، الذي أكد الحيادية الكاملة للأمن والتخصص في الممارسة الأمنية والابتعاد عن الولاءات الضيقة، وهو ما يفتقده اليمن منذ سبتمبر/أيلول 2014 ما أضاع حقوق ضحايا عمليات القتل التي أصبحت تقيد دائما ضد مجهول.