دماء الشهداء تحيي الثورة

05 ديسمبر 2014

احتجاج على منح "الـبراءة" لحسني مبارك (1 ديسمبر/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

قد تصدر البيانات من قوى سياسية، أو كيانات شبابية، أو من تكوينات حقوقية، تحاول أن تثبت موقفها من حكم البراءة الذي صدر لصالح المخلوع حسني مبارك، والذي قامت عليه ثورة الخامس والعشرين من يناير، إلا أن هذا البيان حينما يصدر عن أهالي الشهداء والمصابين أنفسهم، فإنه يشكل حالة من المصداقية ومعنى رمزيّاً باعتبار إحالة الأمر إلى أصحاب الشأن في هذا المقام، ومن ثم فإن تلك الرمزية التي يدفع بها هؤلاء الذين سطروا هذا البيان، وفهمهم الدقيق والعميق معاني، أن قضية القصاص إنما تخص الجماعة الوطنية والأمة بمكوناتها وكياناتها كافة، هي قضية وطن وقضية ثورة، وليست قضية أهالي الشهداء أو المصابين، وأن القصاص لثوار يناير بداية طريق للقصاص لكل من استشهد بعد هذه الثورة.

هؤلاء الشهداء والمصابون قد ارتقوا وأصيبوا في ميادين الثورة، وحملوا مع غيرهم من الشباب أمل الثورة، ورسالتها الكبرى في تحقيق العيش الكريم لهذا الشعب، والحرية الأساسية لمواطنيه كافة، والكرامة لكل إنسان والعدالة الاجتماعية للجميع. ومن ثم، مصير هؤلاء الشهداء لا يتعلق بأهل لهم أو باعتبارهم أولياء دم، ولكنه معقود ومنوط بثورة يناير وأهلها، بما يشكلونه من طاقة ثورية جامعة للحركات والكيانات والتكوينات التى من حقها أن تدافع عن هذه الدماء والقصاص لها.

هؤلاء الذين يستهينون بهذه الدماء التى سالت تارة بتبرئة المسؤولين، وإخلاء ساحاتهم وجعل هذه الأمور محل مساومات في صورة تعويضاتٍ، أو ما شابه، لهو استمرار لمسيرة التفريط في دماء الشهداء، وإغلاق باب القصاص الذي فتحه الله، سبحانه وتعالى، ليكون حياة للجميع وردعاً للقاتلين، أو المستهينين بالأرواح والمستخفين بالنفوس، الدم ليس له ثمن إلا القصاص، والتعويضات كمساومات غير مقبولة، فضلاً عن أنها مساومات فاشلة. 

هذا المدخل شكل، في حقيقته، إطاراً دافعاً وجامعاً للاصطفاف والالتفاف حول أهداف الثورة التأسيسية، فهي دافعة بحكم المؤشرات الخطيرة التي تركها هذا الحكم الخطير الذي ينبئ عن استهانة واستباحة للدماء والنفوس، يتزامن ذلك مع زيادة في الإمعان بالقتل والولوغ في الدماء، وهو ما يشجع على ارتكاب جرائم القتل من تلك القوى الإجرامية الباطشة، من غير رد أو جزاء ومن غير حساب أو عقاب. ومن هنا، كان هذا الاصطفاف والالتفاف حول مبادئ وأهداف هذه الثورة هو عنوان لفاعلية الثورة واستمرارها بما يمكن أن تحققه من حماية لها في وقائعها التي ترسم المستقبل السياسي والاجتماعي لهذا الوطن، حينما تأتي الدعوة من أصحاب الشأن المباشر، لتؤكد أن في الاصطفاف تمكيناً لحقن الدماء، وحق القصاص لها، وإحياء لثورة حان أن تسترد طاقاتها وفاعليتها لما يحقق التأثير والتغيير.
تعبر متطلبات الاصطفاف عن حالة ضرورية وواقعية، وأن ما حدث من محنة براءة المخلوع مبارك يمكن أن يتحول إلى منحة لهذه الثورة، حينما تقتص لأبنائها جميعاً، من كائن من كان، كل من تجرأ فأزهق نفساً، وهدم كياناً، وأصاب إنساناً، لأن هذه الثورة، إن لم تحمل هؤلاء الذين قدموا دماءهم من أجل إنقاذ هذا الوطن، وهذا الشعب وهذه الثورة، ثورة مستمرة لتحقيق مطالبها في القصاص للشهداء، وفي تحقيق مطالب المعاش لهؤلاء الفقراء، حتى تتحقق أهداف الثورة، كاملة غير منقوصة.
وهاهو البيان فى نصه الذى أصدره أهالي الشهداء والمصابين:

"بيان من أصحاب الدم والهم من أسر الشهداء ومصابي ثورة يناير.. هم القابضون على جمر الثورة والمهمومون باستمرارها ،حتى تحقق مطالبها وأهدافها.

في يوم 29 من نوفمبر/تشرين الثاني كانت الكارثة التي تمثلت في الإهدار المتعمد لحقوق الشهداء والمصابين في ثورة يناير، حينما بُرّئ المخلوع وأذنابه، من جريمتهم الواقعة في حق أبنائنا.

ونؤكد، نحن أهالي الشهداء والمصابين، أن شبابنا لم يصبهم ما أصابهم في معركة بين عائلتين، حتى يمكن أن نحيل حق دمائهم إلى أولي الدم، لكنهم ارتقوا وأصيبوا في ميادين الثورة، وهم يحملون رسالتها الكبرى في تحقيق العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. ولذلك، فإن مصير هؤلاء الشهداء لا يتعلق بنا، نحن أهلهم، إنما هو معقود ومنوط بثورة يناير وأهلها.

إن هؤلاء الذين يستهينون بدماء الشهداء، ويبرئون، ظلماً وزوراً، من أزهقها، ويجعلونها محل مساوماتٍ في صورة تعويضات، إنما يغلقون باب القصاص الذي فتحه الله سبحانه، ليكون حياة للجميع (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب).

ومن هنا، فإننا نناشد كل القوى الثورية بالاصطفاف والمطالبة بحقوق الشهداء والمصابين في القصاص العادل، من دون مساومة أو تفريط، والقيام بكل الفاعليات التي من شأنها الحصول على هذه الحقوق، لأن تحصيل هذه الحقوق هو البداية الحقيقية لانتصار الثورة، وأن ضياع هذه الحقوق هو بمثابة التفريط في هذه الثورة وأهدافها ومكتسباتها.

وننادي، نحن أهالي الشهداء والمصابين، رفقاء الثورة جميعاً، هؤلاء الذين شاركوا في ثورة يناير، وأخلصوا لها ولمبادئها، أن يواجهوا كل من يحاول الالتفاف عليها، أو حصارها أو نقضها من أساسها. وأن يشاركوا فى جمعة الغضب، اليوم، الخامس من ديسمبر، فى ميادين الحرية لاسترداد ثورة الشعب العظيمة وتحقيق أحلام شهدائها بوطن الحرية والعدل".

نستطيع أن نقول، بعد الوقوف على نص البيان، إن رفاهية الاختلاف لا يمكن أن تقود إلا إلى مزيد من التنازع والخلاف، وإن قدرتنا على تجاوز الخلاف، والاصطفاف الوطني هو الطريق إلى استعادة ثورة يناير، وتحقيق أهدافها. بكم جميعاً تسترد الحقوق.

ECE602C0-DB35-414B-9572-17B675CE3C2A
سيف الدين عبد الفتاح

كاتب وباحث مصري، مواليد 1954، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، من مؤلفاته "في النظرية السياسية من منظور إسلامي"، و" التجديد السياسي والواقع العربي المعاصر.. رؤية إسلامية".