دروس عفرين والغوطة

16 مارس 2018
+ الخط -
(مكابرةٌ تريق الدم) 
ثمَّة شيءٌ مشتركٌ في عفرين والغوطة، وهو عدم شفافيَّة الجهات العسكريَّة المسيطرة مع الناس، وعدم صراحتها في عرض تفاصيل الواقع الميداني بصدق. في عفرين، تتابع موقع "قوّات سورية الديمقراطيَّة"، وفيسبوك بعض الناشطين الأكراد (وغالبيّتهم في الخارج)، فتعتقد بأنَّ الجيش التركي على حافّة الانهيار. في الغوطة، تتابع مواقع الفصائل الإسلامية، وبعض كلام الناشطين (وغالبيّتهم في الخارج أيضاً)، لتعتقد بأنَّ تحرير دمشق قاب قوسين أو أدنى. بالتأكيد ثمَّة مقاومة في عفرين والغوطة، عفرين صمدت 53 يوما، والغوطة صمدت أكثر من 5 سنوات. ولولا الطيران العسكريّ، لا الجيش التركي سيدخل عفرين، ولا قوّات بشار الأسد ستدخل الغوطة. ولكنّ، ثمّة مكابرة وعدم اعتراف بغلبة من يمتلك سلاح الجو. على أرض الواقع، بشار الأسد يتقدّم في الغوطة، والجيش التركي على بعد كيلومترات من وسط عفرين. الغريب في الموضوع، هو حماس وتورّط مثقفين ومحللين في هذا التزييف بحجّة "البطولة" و"الصمود". لا أريد أن أزاود على أحد. ولكن ليس عيبًا لو اعترفت بتفوّق خصمك لو امتلك جيشاً وعتادًا وتقنيّة وسلاح جو أنتَ لا تمتلكه، الاعتراف بهذا الواقع ليس هزيمة، المكابرة عليه هي الهزيمة. وللأسف، يدفع المدنيّون الأبرياء ثمن هذه المكابرة في عفرين والغوطة. 
هي مكابرة تريق الدم.

(في غياب المشروع الوطني) 
على الأكراد أن يتعلّموا من درس عفرين القاسي، بأنَّ الولايات المتّحدة الأميركيَّة ليست حليفًا سياسيّاً مطلقاً، وهي ترى الجماعات الكرديَّة المسلَّحة بكلّ أشكالها، فقط بنادق مأجورة في أيديولوجيّتها لـ"محاربة الإرهاب"، ولا تقيم وزنًا لأي مشروع كرديّ تحرُّري طويل الأمد من أي نوعٍ كان. سبق أن ترك الأميركيون حليفًا أوثق لهم، وهو مسعود البارزاني، وحيدًا أمام حشود قاسم سليماني. وها هم يتركون عفرين أمام "غصن الزيتون"، لأنّ تركيا حليف أقوى، وقادرة على تقديم خدمات أكثر لهم، رغم أنَّ حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي PYD ورطكم، وزج بآلاف شبابكم وبناتكم في معارك في المنبج والرقة، ودفعتم دماءً هائلة تنفيذاً لأجندة الأميركان. وعلى العرب أيضاً أن يعرفوا بأنَّ تركيا وطاقمها السياسي الحالي لا تقيم وزنًا بفرنك لكل الثورة السوريَّة. وساوم الأتراك النظام السوري والروس في مسألة الغوطة على حساب عفرين، وتنازلوا عن قسم من إدلب قبلها للنظام السوري في صفقة تهمُّ أوّلاً الأمن القومي التركي الذي ليس له أي علاقة لا بمصالح السوريين ولا أهداف ثورتهم ولا دماء أكثر من نصف مليون إنسان. صور نزوح المدنيين من عفرين والغوطة، هو درسٌ قاسٍ يجب أن يكون مشتركًا. لا بديل للأكراد والعرب سوى العيش المشترك والتفاهم على صيغة وطنيَّة. 
غير ذلك هو كلام مضيعة للوقت، وإزهاق لدماء المدنيين.




دارا عبدالله
دارا عبدالله
كاتب سوري يقيم في العاصمة الألمانيّة برلين، من مواليد مدينة القامشلي عام 1990. له كتابان: "الوحدة تدلل ضحاياها" (صادر عام 2013) و"إكثار القليل" (صادر عام 2015). يدرس في كليّة الفلسفة والدراسات الثقافيّة في جامعة "هومبولدت" في برلين. من أسرة "العربي الجديد" ومحرّر في قسم المدوّنات وموقع "ضفة ثالثة".

مدونات أخرى