واتخذت العائلات النازحة والأخرى التي رفضت العودة قرارها اعتمادا على خمسة أسباب هي: تفشي الفقر، وانعدام الخدمات، وتهدّم بيوتهم كليا أو جزئيا، بالإضافة إلى انتشار جرائم الخطف، وتكرار الاعتداءات أو الاعتقالات العشوائية من قوات الحكومة والمليشيات.
وتؤكد تقارير الشرطة المحلية العثور على 29 جثة خلال ستة أيام فقط، واختطاف نحو 30 آخرين، فضلا عن اعتقال العشرات على يد المليشيات والقوات الحكومية بدون مذكرات اعتقال قضائية، وعادة ما تكون التهمة جاهزة، وهي التعاون مع داعش سابقا أو التعاطف معه.
ووصلت الانتهاكات بحق الأهالي حد اختطاف صاحب مطعم ثم قتله بدعوى أنه كان يبيع الطعام لداعش خلال سيطرته على الموصل، بينما تم اعتقال بقال من قبل المليشيات لأنه شوهد يبيع لأفراد من داعش في السنوات الماضية، وهي تهمة يقول السكان إنها حجة للقتل والانتقام الطائفي، فلم يكن أي صاحب مهنة أو تجارة قادرا على عدم التعامل مع التنظيم الذي كان يفرض سيطرته على المدينة، وإلا فإن مصيره القتل، وهو الأمر الذي يواجهه البعض حاليا على أيدي القوات الحكومية والمليشيات.
واتهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الجمعة الماضية، قوات الحكومة العراقية بتنفيذ عمليات إعدام داخل الموصل، مؤكدة أن قسما من تلك القوات دربته واشنطن، مطالبة بفتح تحقيق واسع في الانتهاكات التي ترتكب في المدينة.
حكايات الأهالي
غادر أحمد خليل (41 سنة) الموصل بعد يومين من وصوله فقط، ويقول لـ"العربي الجديد" إن "الحياة في الخيمة أفضل، فالأمان لا يقدر بقيمة. الحمد لله أنني لم أحضر عائلتي. قلت لهم ابقوا هنا وسأذهب وأرى الحال، وصدمت عندما وصلت، فلا أمن ولا خدمات والمباني مهدمة، وقوات ملثمة تنشر الرعب، واعتقالات على هوى زعماء المليشيات، والمدينة في فوضى كبيرة".
ويتابع: "شاهدت عائلات وضعت خياما على منازلها المدمرة واستقرت، وآخرين يبحثون عن مكان للمبيت بدلا من منازلهم المدمرة، ولا ماء ولا كهرباء ولا مستشفيات، ولا حتى شارع يمكن أن تسير عليه سيارة. الجانب الأيمن من المدينة مدمر، والأيسر بدأت الحياة تدب فيه مجددا لكن بلا أمان".
ويضيف خليل: "قررت البقاء في المهجر القسري الذي بات الآن اختيارا حتى تنتهي شهوة الانتقام والقتل وتهدأ المدينة".
ويقول عضو منظمة "كرامة" الإنسانية، سلام محمد، إن بعض السكان وصل إلى المدينة ورجع على الفور إلى معسكرات النزوح أو المناطق التي نزح إليها سابقا، وهناك من لا يريد العودة الآن.
ويضيف أن "عمليات الإعمار لم تبدأ بعد بشكل فعلي، والحكومة لا تملك القدرة على ذلك، والجيش والمليشيات ينتشرون في كل مكان، وهناك نحو 30 ألف مبنى مدمر في المدينة بساحليها الأيمن والأيسر، والخدمات منعدمة، لكن بعض السكان يؤكدون أنهم سيتحملون كل هذا في حال توقفت عمليات الخطف والقتل اليومية والاعتداءات".
ويقول عضو مجلس محافظة نينوى (الحكومة المحلية)، محمد الحمداني، لـ"العربي الجديد"، إن "المدينة تحتاج إلى أكثر من عام من أجل عودة الاستقرار، وأكثر من 10 سنوات لتختفي آثار المعارك من الشوارع، ولجيل كامل حتى يختفي أثر ما جرى من الأذهان".
ويضيف "نأمل أن يعي رئيس الوزراء حجم خطورة الوضع، وأن يبادر بوضع المدينة بيد القوات الحكومية فقط، وأن يمنع أي اعتقالات بدون مذكرات قضائية، يحتاج السكان إلى رسائل اطمئنان قبل عودتهم، خاصة المسيحيين".