خلافات تعرقل جهوداً أميركية لحل الأزمة الليبية... وموسكو تسعى لدفع حفتر مجدداً إلى الواجهة

11 اغسطس 2020
حفتر دفع بمليشيات إلى سرت (Getty)
+ الخط -

تزداد وتيرة الخصومات والخلافات الداخلية الليبية، في وقت  انتهت أطراف دولية، في مقدمتها واشنطن، من التوصل إلى مراحل قريبة من فصل القوات المتصارعة على تخوم سرت والجفرة، وسط ليبيا، ما قد يهدد بنسف تلك الجهود الساعية للوصول بطرفي الصراع إلى مرحلة عملية سياسية جديدة.
وفي وقت أنهى رئيس مجلس النواب المجتمع بطبرق، عقيلة صالح، لقاءات مع مسؤولين أميركيين في القاهرة لـ"بحث تحقيق وقف دائم لإطلاق النار في ليبيا"، بحسب بيان للسفارة الأميركية في ليبيا، يسعى اللواء المتقاعد خليفة حفتر للعودة إلى المشهد مجدّداً بعد تراجع دوره بشكل كبير، عقب إعلان القاهرة مطلع يونيو/حزيران الماضي.

مقترح أميركي
وتطابقت معلومات مصادر برلمانية من طبرق حول موافقة صالح على المقترح الأميركي بشأن خلق منطقة منزوعة السلاح في سرت والجفرة، مقترحاً أن تكون سرت مقراً لحكومة توافق جديدة وتجميد عائدات النفط إلى حين تشكيل هذه الحكومة.
مقابل ذلك، قالت المصادر ذاتها التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، إن حفتر دفع بثلاثة فصائل عسكرية جديدة من مليشيا "طارق بن زياد"، التي يترأسها نجله صدام، إلى ميدان القتال في سرت في الوقت الذي ترتب له مليشياته المسيطرة على الجفرة لزيارة وشيكة للقاعدة.
وأعلن المكتب الإعلامي لقيادة قوات حفتر، ليل أمس الإثنين، عبر صفحته الرسمية، عن إصدار حفتر قراراً بترقية 448 ضابطاً ترقية استثنائية للرتب التي تلي رتبهم الحالية لـ"إشراكهم في عملية طوفان الكرامة"، في إشارة إلى إمكانية استئناف العمليات القتالية.


وتأتي هذه التحركات من جانب حفتر في وقت رحبّت السفارة الأميركية بـ"تطلعات رئيس مجلس النواب عقيلة صالح وجميع العناصر الليبية المسؤولة، لحلّ ليبي لإنهاء الصراع وضمان مستقبل مستقر ومزدهر للشعب الليبي".
وتسعى واشنطن برفقة حلفائها في المنطقة لنزع فتيل التصعيد العسكري في مناطق وسط البلاد، تحديداً سرت والجفرة، ودعم عمليات انتقال الملف الليبي إلى مرحلة البحث عن حل سياسي، بما فيها تأييد إعلان القاهرة السياسي بشأن ليبيا ومبادرة صالح التي أعلن عنها مطلع إبريل/نيسان الماضي.

موسكو خلف عودة حفتر
وقالت المصادر ذاتها إن الخلافات المستعرة في معسكر شرق البلاد انتهت إلى انحياز حكومة مجلس النواب التي يترأسها عبد الله الثني لمواقف حفتر، حيث لوّح وزير خارجية الحكومة، عبد الهادي الحويج، المعروف بقربه من حفتر بإمكانية دخول حكومته في مفاوضات مباشرة لترسيم الحدود المائية في البحر المتوسط، وهي "خطوة من شأنها تقويض الجهود الدولية الرامية لخفض حدة التوتر بين دول البحر المتوسط على خلفية الاتفاق البحري بين حكومة الوفاق والحكومة التركية"، بحسب الصحافية الليبية نجاح الترهوني.
وترى الترهوني، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن كل الخطوات التي يشهدها معسكر شرق البلاد تشير إلى خلافات عميقة بين القادة وتؤكد نية حفتر العودة للمشهد، مرجحة أن تكون موسكو هي التي تدعم عودة حفتر للمشهد مجدداً.
وحول مقترح واشنطن إخلاء منطقتي سرت والجفرة من السلاح، تساءلت الترهوني عن قدرة صالح المدعوم من القاهرة على إقناع مقاتلي "الفاغنر" الروس بخروجهم من سرت والجفرة.
لكن الباحث السياسي الليبي، سعيد الجواشي، يرى أن واشنطن لم تغفل هذه المسألة خصوصاً أن كل جهودها تستهدف إبعاد الخطر الروسي وعرقلة تكثيف وجوده في ليبيا، مشيراً إلى أنها تسعى لإقناع موسكو من خلال حلفائها وتحديداً ألمانيا وتركيا.
وفي حديث لـ"العربي الجديد"، قال الجواشي إنه بالإضافة للجهود التركية للتقارب مع موسكو بشأن حلحلة الأوضاع المتجمدة في سرت، تستضيف اليوم موسكو لقاء مهماً بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الألماني هايكو ماس، لبحث الأوضاع في ليبيا. ويرى أن ألمانيا تتحرك بدفع أميركي، معتبراً أن العرقلة الحقيقية باتت اليوم في حالة التشظي التي تشهدها جبهات القادة الليبيين.

مهلة شهر واحد
وليست جبهة شرق البلاد وحدها التي تعاني خلافات متصاعدة، بل في طرابلس أيضاً حيث هدّد وزير الداخلية بحكومة الوفاق، فتحي باشاغا، "المليشيات التي تستغل مؤسسات الدولة".
وأمهل الوزير، خلال كلمته التي سربتها قناة "فبراير" الليبية أمام وكلاء ورؤساء الهيئات والإدارات والمصالح الأمنية ومديري الإدارات والمكاتب بالمديريات، مساء أمس الإثنين، "المليشيات شهراً واحد كحد أقصى"، مطالباً إياها بسرعة ترك أعمالها والانضمام إلى مؤسسات الدولة لتطبيق الأمن والقانون.
وكشف مصدر أمني، متحفظاً عن ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن كلمة باشاغا تندرج ضمن الجهود المرتقبة لفرض عقوبات على قادة مجموعات مسلحة في طرابلس، وتتساوق مع جهود الوزارة مع الجانب الأميركي، حيث سبق أن أكدت السفارة الأميركية لدى ليبيا أنها "ستعمل مع وزير الداخلية فتحي باشاغا لضمان التنفيذ الكامل للأمر التنفيذي رقم 13726 الصادر عن الولايات المتحدة، الذي يسمح بفرض عقوبات على الأفراد الذين يهددون السلام والأمن والاستقرار في ليبيا".

صراع داخلي
لكنها خطوات، بحسب الترهوني، تأتي في إطار صراع داخلي بين قادة حكومة الوفاق والمجلس الرئاسي بقيادة فائز السراج سبق أن كشفته بيانات بين أعضاء المجلس الرئاسي وصلت إلى حد التخوين والمطالبة بالتحقيق في الفساد المالي والإداري.
وأعلنت وزارة الداخلية، أمس الإثنين، عن توقيع اتفاق بين باشاغا ومحافظ المصرف المركزي، الصديق الكبير، في مجال مكافحة غسيل الأموال، الذي ربما يطاول شخصيات مسؤولة وقادة مجموعات مسلحة سبق أن اتهمها باشاغا بالفساد والتنفذ في مفاصل الدولة ومؤسساتها.
وتقرأ الترهوني هذه الإجراءات بأن "الواقع يتطلبها وهي إجراءات ضرورية ولكن ماذا بشأن تخلصها من استهداف شخصيات بعينها لإقصائها من المشهد خصوصاً إذا كانت هذه الشخصيات من قادة المجموعات المسلحة"، مشيرة إلى أن تسليم المجموعات المسلحة لنتائج أي تحقيق يجعلها موضع تهمة أمر مستبعد خصوصاً أن باشاغا سبق أن اتّهم لواء "النواصي"، وهو مجموعة مسلحة قوية ومقربة من السراج.
وبينما ترى الترهوني انضمام باشاغا لصف قادة من داخل المجلس الرئاسي يحاول الإطاحة بالسراج، انتقد السياسي الليبي بشير السويحلي، الخلافات بين السراج ونائبيه أحمد معيتيق وعبدالسلام كاجمان بشأن ملفات الفساد وتراجع الخدمات، مؤكداً أنها صفقة من أجل تقسيم المناصب وإعادة تشكيل الحكومة.
وأشار السويحلي، في تغريدة على "تويتر"، إلى أن الصفقة التي يعملون عليها هي "إعادة تشكيل الحكومة والسلطة التنفيذية وتقسيم المناصب والمؤسسات في ما بينهم".

ويعلق الجواشي من جانبه على ما تشهده الحكومة والمجلس الرئاسي في طرابلس بأنه عرقلة أخرى ستواجه الجهود الأميركية، كما أن بيانات السفارة الأميركية أشارت إلى تقارب مع وزير الداخلية بشأن وضع المجموعات المسلحة التي لا يبدو أنها منفصلة عن الشخصيات القيادية، سواء بالحكومة أو المجلس الرئاسي.
ورأى أن الجهود التي تمكنت واشنطن من توحيدها للمضي نحو حل دولي موحد ستصطدم بتمزق وحدة الصف داخل طرفي الصراع في ليبيا.