10 نوفمبر 2024
خطوط عمّان الخارجية... ضبابية
خرجت الحكومة الأردنية أخيرا من أزمتين داخليتين مقلقتين. الأولى مرتبطة بتداعيات الحكم على عسكري أردني، قتل مدربين أميركيين في قاعدة عسكرية، ما أثار جدلاً داخلياً واحتجاجات، ما دفع الحكومة إلى نشر فيديو الحادثة، كحالة غير مسبوقة، للرد على الشكوك الكبيرة. والثانية جريمة قتل فتى وطبيب أردني في شقة يستأجرها عاملون في السفارة الإسرائيلية، ما أحدث موجة من الغضب الشعبي، على سوء إدارة المؤسسات الرسمية الأزمة، ودفعت الملك إلى التدخل بصورة مكثفة لاحقاً، لمعالجة الأضرار الكبيرة وتهدئة الشارع.
والحال أنّه على الرغم من أنّ الأردن تجاوز كثيراً من المنعرجات الخطيرة خلال الأعوام الستة الماضية، منذ ثورات الربيع العربي، مروراً بالحروب الداخلية والأزمات الإقليمية التي فكّكت الدول المحيطة به، إلاّ أنّ "الدولة" ما تزال تصارع أزمات عميقة وبنيوية.
أمام الحكومة، الآن، استحقاق وجبة جديدة من تطبيق الالتزامات مع صندوق النقد الدولي، ما قد يؤثر على أسعار خدمات وسلع أساسية، في ظروف اقتصادية ومالية قاسية وصعبة، ومزاج اجتماعي، يصل إلى درجة الاحتقان، مع ارتفاع غير مسبوق في معدلات البطالة، بما يصل في تقديرات لدى جيل الشباب إلى 40%، وعدم القدرة على جذب الاستثمارات الخارجية بصورة فعالة، نظراً لطبيعة الظروف الإقليمية المحيطة، ومحدودية الفرص المتاحة في السوق الأردنية.
مثل هذه الظروف الاقتصادية والمالية الصعبة كانت تحلّ عادةً عبر علاقات الأردن بالمحيط الجغرافي، سواء السعودية التي شكّلت تاريخياً داعماً مالياً للأردن، أو العراق الذي لعب دور العمق الاستراتيجي، والمزود بالوقود شبه المجاني في مراحل سابقة، وشبكة التجارة مع كل من العراق وسورية والخليج التي تنعش قطاعات اقتصادية عديدة.
إلاّ أنّ الموقع الجيو استراتيجي الذي يمثّل نقطة قوة في أحيان ينقلب إلى النقيض في ظروف أخرى، كما هو حاصل اليوم، فالأردن محاصرٌ عملياً ومعزولٌ جغرافياً، فمن جهة الشمال توقفت الحركة التجارية مع سورية، ومع العراق بدأت تتبخر الآمال المعقودة على مرحلة ما بعد "داعش"، وإمكانية فتح الحدود البرية وتدشين أنبوب النفط، لأسباب أمنيةٍ من جهة، ولأن العلاقة مع العراق مرتبطةٌ جوهريا بعلاقة الأردن مع إيران، وهي اليوم متوترة وشبه معطلة، لأن الأردن سحب السفير من طهران، وتجاوب مع الضغوط العربية والسعودية، ما أحدث موقفاً إيرانياً سلبياً غير مباشر من الطموح الأردني تجاه تنشيط خط عمان- بغداد الحيوي.
على الطرف الآخر، هنالك أسئلة عميقة وجوهرية عن طبيعة العلاقة مع "السعودية الجديدة"، كما يطلق عليها سياسيون أردنيون، في ظل التغيرات الكبيرة التي حدثت على الحكم في السعودية، وسياساته الإقليمية، ما يجعل خط عمان – الرياض، هو الآخر، ضبابياً.
لم تتلق الخرينة الأردنية دعماً مالياً مباشراً من السعودية في الأعوام الأخيرة، على غير العادة التي يسارع فيها الأشقاء إلى مساعدة الأردن عند الضرورة، وهو أمر محيّر جداً لنخبة عمّان، حتى الاستثمارات الموعودة، بعد تدشين صندوق الاستثمار السعودي- الأردني لا توجد مؤشرات عليها، وبعض الوعود حول دعم مالي محدود لمجالات معينة لم تتحقق حتى الآن، ما يرفع من حجم الضغوط المالية والاقتصادية إلى مستوىً عالٍ جداً خلال الفترة المقبلة.
تتمثل ورطة عمّان مع الحساسية الجديدة السعودية في سياسة المطالبة بمواقف كاملة وحاسمة، تجاه الأزمة الخليجية وإيران، وهي المواقف التي أظهر الأردن تجاوباً إيجابياً معها، على الرغم من إضرارها بمصالحه الوطنية، لكنه لا يستطيع أن يذهب إلى المدى المطلوب، لاختلاف رؤيته في إدارة الأزمات أولاً عن الطريقة الحالية، وثانياً لأن ذلك سيؤدي إلى أضرار أكبر مما هي عليه الآن.
لا يحيط الضباب بهذا الجزء فقط في خطوط عمان الخارجية الحيوية، فهنالك الأزمة المستدامة مع حكومة نتنياهو التي انفجرت مع حادثة السفارة، وقبلها قصة الأقصى، وقبلها دور الأردن في إقناع الإدارة الأميركية بخطورة نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس. وبين هذا وذاك، تقلق النخبة في عمّان مؤشرات الالتفاف على الطريق الأردني تجاه إسرائيل من بعض الدول العربية، بذريعة أولوية الخطر الإيراني، ما قد يشجع نتنياهو وحكومته اليمينية على إجراءاتٍ أخرى مستقبلاً، تزيد الضغوط السياسية الداخلية على الحكومة الأردنية.
والحال أنّه على الرغم من أنّ الأردن تجاوز كثيراً من المنعرجات الخطيرة خلال الأعوام الستة الماضية، منذ ثورات الربيع العربي، مروراً بالحروب الداخلية والأزمات الإقليمية التي فكّكت الدول المحيطة به، إلاّ أنّ "الدولة" ما تزال تصارع أزمات عميقة وبنيوية.
أمام الحكومة، الآن، استحقاق وجبة جديدة من تطبيق الالتزامات مع صندوق النقد الدولي، ما قد يؤثر على أسعار خدمات وسلع أساسية، في ظروف اقتصادية ومالية قاسية وصعبة، ومزاج اجتماعي، يصل إلى درجة الاحتقان، مع ارتفاع غير مسبوق في معدلات البطالة، بما يصل في تقديرات لدى جيل الشباب إلى 40%، وعدم القدرة على جذب الاستثمارات الخارجية بصورة فعالة، نظراً لطبيعة الظروف الإقليمية المحيطة، ومحدودية الفرص المتاحة في السوق الأردنية.
مثل هذه الظروف الاقتصادية والمالية الصعبة كانت تحلّ عادةً عبر علاقات الأردن بالمحيط الجغرافي، سواء السعودية التي شكّلت تاريخياً داعماً مالياً للأردن، أو العراق الذي لعب دور العمق الاستراتيجي، والمزود بالوقود شبه المجاني في مراحل سابقة، وشبكة التجارة مع كل من العراق وسورية والخليج التي تنعش قطاعات اقتصادية عديدة.
إلاّ أنّ الموقع الجيو استراتيجي الذي يمثّل نقطة قوة في أحيان ينقلب إلى النقيض في ظروف أخرى، كما هو حاصل اليوم، فالأردن محاصرٌ عملياً ومعزولٌ جغرافياً، فمن جهة الشمال توقفت الحركة التجارية مع سورية، ومع العراق بدأت تتبخر الآمال المعقودة على مرحلة ما بعد "داعش"، وإمكانية فتح الحدود البرية وتدشين أنبوب النفط، لأسباب أمنيةٍ من جهة، ولأن العلاقة مع العراق مرتبطةٌ جوهريا بعلاقة الأردن مع إيران، وهي اليوم متوترة وشبه معطلة، لأن الأردن سحب السفير من طهران، وتجاوب مع الضغوط العربية والسعودية، ما أحدث موقفاً إيرانياً سلبياً غير مباشر من الطموح الأردني تجاه تنشيط خط عمان- بغداد الحيوي.
على الطرف الآخر، هنالك أسئلة عميقة وجوهرية عن طبيعة العلاقة مع "السعودية الجديدة"، كما يطلق عليها سياسيون أردنيون، في ظل التغيرات الكبيرة التي حدثت على الحكم في السعودية، وسياساته الإقليمية، ما يجعل خط عمان – الرياض، هو الآخر، ضبابياً.
لم تتلق الخرينة الأردنية دعماً مالياً مباشراً من السعودية في الأعوام الأخيرة، على غير العادة التي يسارع فيها الأشقاء إلى مساعدة الأردن عند الضرورة، وهو أمر محيّر جداً لنخبة عمّان، حتى الاستثمارات الموعودة، بعد تدشين صندوق الاستثمار السعودي- الأردني لا توجد مؤشرات عليها، وبعض الوعود حول دعم مالي محدود لمجالات معينة لم تتحقق حتى الآن، ما يرفع من حجم الضغوط المالية والاقتصادية إلى مستوىً عالٍ جداً خلال الفترة المقبلة.
تتمثل ورطة عمّان مع الحساسية الجديدة السعودية في سياسة المطالبة بمواقف كاملة وحاسمة، تجاه الأزمة الخليجية وإيران، وهي المواقف التي أظهر الأردن تجاوباً إيجابياً معها، على الرغم من إضرارها بمصالحه الوطنية، لكنه لا يستطيع أن يذهب إلى المدى المطلوب، لاختلاف رؤيته في إدارة الأزمات أولاً عن الطريقة الحالية، وثانياً لأن ذلك سيؤدي إلى أضرار أكبر مما هي عليه الآن.
لا يحيط الضباب بهذا الجزء فقط في خطوط عمان الخارجية الحيوية، فهنالك الأزمة المستدامة مع حكومة نتنياهو التي انفجرت مع حادثة السفارة، وقبلها قصة الأقصى، وقبلها دور الأردن في إقناع الإدارة الأميركية بخطورة نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس. وبين هذا وذاك، تقلق النخبة في عمّان مؤشرات الالتفاف على الطريق الأردني تجاه إسرائيل من بعض الدول العربية، بذريعة أولوية الخطر الإيراني، ما قد يشجع نتنياهو وحكومته اليمينية على إجراءاتٍ أخرى مستقبلاً، تزيد الضغوط السياسية الداخلية على الحكومة الأردنية.