خطة سعودية للتعايش مع النفط الرخيص وعجز الموازنة

13 ديسمبر 2015
حقل نفط سعودي (فرانس برس)
+ الخط -


من المتوقع أن تعلن الحكومة السعودية عن خفض للإنفاق وبرنامج لزيادة الإيرادات من مصادر جديدة، في إطار استراتيجية تعكف على إعدادها للتعامل مع عصر النفط الرخيص، حسبما أبلغت مصادر مطلعة وكالة "رويترز".

ويسود القلق الأسواق في السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، إذ أثر هبوط أسعار النفط على المالية العامة للبلاد، التي تتجه لتسجيل عجز كبير في موازنة العام الجاري، وحتى الآن لم تعلن الحكومة عن خطة شاملة ومفصلة لمواجهة عجز الموازنة، لكن حسبما أفادت مصادر مطلعة، فإنه: "ستعلن السلطات في الأسابيع المقبلة عن خطة واضحة المعالم مع إعلان موازنة 2016 المتوقع بحلول 21 ديسمبر/كانون الأول الجاري".

وفي الأسابيع التي ستعقب ذلك الموعد، ربما في يناير/كانون الثاني القادم، ستكشف الحكومة عن خطة اقتصادية تمتد لعدة سنوات، قد تشمل إصلاحات طويلة المدى مثل خفض الدعم وفرض ضرائب جديدة.

وموازنة 2016، هي الأولى التي يجري إعدادها في ظل حكم العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي تولى عرش البلاد في يناير/كانون الثاني 2015، كما ستكون الأولى التي تحمل بصمة ولده الأمير، محمد بن سلمان، ولي ولي العهد الذي يرأس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية المنوط بوضع السياسات الاقتصادية؛ والذي يمسك بزمام السياسة الاقتصادية للمملكة حالياً.

وحتى الآن يركز الأمير محمد بن سلمان، الذي يشغل أيضاً منصب وزير الدفاع، الكثير من طاقته على التدخل العسكري في اليمن، لكن من المتوقع الآن أن يوجه قدراً من هذه الإرادة نحو اتخاذ إجراءات جذرية تتعلق بالاقتصاد.

ويقول خالد السويلم، وهو مسؤول رفيع سابق لدى مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي) وحالياً عضو بمركز بيلفر التابع لمعهد كينيدي للدراسات الحكومية في جامعة هارفارد بالولايات المتحدة: "تجري الحكومة مراجعة استراتيجية للسياسة الاقتصادية، ويضع المسؤولون معا هيكلا جديدا لإدارة الاقتصاد".

وأوضح أن: "معظم العمل على الهيكل الجديد يجري داخل وزارة الاقتصاد والتخطيط التي يرأسها عادل فقيه منذ أبريل/نيسان الماضي".

اقرأ أيضاً: أوبك: النفط الرخيص يضر بالموردين المنافسين أكثر في 2016

وخلال فترة توليه وزارة العمل بين عامي 2010 و2015، ذاع صيت الوزير عادل فقيه، وعرف بأنه أحد أعمدة التغيير إذ دفع شركات القطاع الخاص لتعيين المزيد من المواطنين، بدلاً من الاعتماد بشكل رئيسي على الوافدين الأجانب.

ويقول السويلم إنه: "تحت قيادة فقيه زاد نفوذ وزارة العمل، بينما تراجع الدور المحوري لوزارة المالية.. هناك تغيير 180 درجة في أسلوب رسم السياسات"، ولم يتسن الحصول على تعقيب من وزارتي المالية والاقتصاد والتخطيط.

*خفض العجز

يتوقع اقتصاديون ومحللون باروزن أن تنطوي ميزانية 2015 على عجز يتراوح بين 400 و500 مليار ريال (بين 107 مليارات و133 مليار دولار)، وهو ما يمثل نحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي.

ولتهدئة مخاوف الأسواق ستحتاج الحكومة إلى خفض العجز بشكل كبير في 2016، وتوقع اقتصاديون بارزون تحدثوا لوكالة "رويترز" عبر الهاتف أن يبلغ الإنفاق الحكومي في موازنة العام المقبل نحو 800 مليار ريال (213.3 مليار دولار)، وهو ما يقل بنحو 20% عن تقديراتهم للإنفاق الفعلي في ميزانية العام الجاري.

ويقول الاقتصادي السعودي البارز، عبد الوهاب أبو داهش، إنه: "فيما يتعلق بعام 2016 ما زالت لدى الحكومة القدرة على الاقتراض والمحافظة على الاحتياطيات، لكن في حال استمرت أسعار النفط في الانخفاض ستلجأ الحكومة لتبني عدد من الإصلاحات لخفض العجز".

وربما يكون أحد أوجه خفض الإنفاق هو الحد من الزيادات والعلاوات في فاتورة الرواتب الحكومية العام المقبل، لكن يؤكد المحللون والاقتصاديون أن هذا الأمر ينطوي على حساسية سياسية، لذا تتوجه أغلب التوقعات إلى أن خفض الإنفاق سيكون من نصيب الاستثمارات العامة.

يقول رئيس الأبحاث لدى الاستثمار كابيتال، مازن السديري: "الدولة نفذت بالفعل الكثير من مشاريع البنية التحتية، لذلك من الطبيعي أن ينخفض الإنفاق تدريجياً على البنية التحتية في السنوات القليلة المقبلة.. لكن الدولة ستظل تشجع الاستثمارات من خلال القطاع الخاص".

وأجمع الاقتصاديون على أن القطاعات التي سيركز عليها الإنفاق الحكومي في المستقبل ستكون الرعاية الصحية والتعليم والنقل العام.

وعلى مدى السنوات الماضية تجاوز الإنفاق الحكومي الفعلي الأرقام المستهدفة بفارق كبير، ففي 2014 على سبيل المثال بلغ الإنفاق الفعلي 1.1 تريليون ريال مقارنة مع 855 مليار ريال في الخطة الرئيسية للموازنة، لكن أحد التغييرات المتوقعة تتمثل في الالتزام بخطط الموازنة، إذ قال الأمير محمد بن سلمان لصحيفة نيويورك تايمز الشهر الماضي إنه: "من أبرز التحديات طريقة إعداد الموازنة وطريقة إنفاقها".

اقرأ أيضاً: السعودية: مؤشرات على تغيرات اقتصادية كبرى

وستكون النتيجة في حال استقرار أسعار برنت حول 40 دولاراً للبرميل هي تسجيل عجز في الموازنة بنحو 200 مليار ريال (53.3 مليار دولار)، وهو رقم على ضخامته كاف لإبطاء وتيرة تسييل الأصول الخارجية.

‭*‬‬‬إصلاحات

وفي حال استمرار أسعار النفط عند مستوياتها المتدنية لسنوات ستحتاج الحكومة السعودية لتبني إصلاحات أعمق للحفاظ على عجز الموازنة تحت السيطرة، وقد تمهد الخطة الاقتصادية المزمع الإعلان عنها الساحة لمثل هذه الإصلاحات.

وكان وزير البترول، علي النعيمي، قال في أكتوبر/تشرين الأول إن المملكة تدرس رفع أسعار الطاقة المحلية، وهو ما قد يوفر بعضا من النفقات التي تتجاوز 100 مليار دولار سنوياً، والتي تتحملها الحكومة للإبقاء على أسعار الطاقة منخفضة.

ومن المتوقع أن تبدأ خطوات خفض دعم الطاقة برفع تكلفة الغاز الطبيعي واللقيم وأسعار الطاقة للقطاع الصناعي، أما رفع أسعار البنزين المحلية، وهو أمر ينطوي على حساسية سياسية، فقد يأتي في وقت لاحق ويجري تطبيقه على مدى سنوات وليس دفعة واحدة.

كما تدور التوقعات بشأن الإصلاحات حول توجه الحكومة لفرض الضرائب، ووافق مجلس الوزراء مؤخراً على فرض رسوم على الأراضي غير المطورة الواقعة داخل النطاق العمراني للمدن، والتي قد يبدأ تطبيقها بنهاية العام المقبل.

وتتجه دول مجلس التعاون الخليجي الست أيضاً لفرض ضريبة القيمة المضافة في المنطقة، وقال مسؤول إماراتي في وقت سابق من الشهر الجاري، إن الحكومات الخليجية تستهدف تطبيق الضريبة خلال ثلاث سنوات.

وقال السويلم إنه: "على المدى الطويل لن تكون زيادة مصادر الدخل المحلية كافية للرياض.. الحكومة السعودية ستحتاج لتطوير مصادر غير نفطية مدرة للنقد الأجنبي لتعويض انخفاض عائدات النفط جراء هبوط أسعار الخام".

وأضاف: "زيادة الصادرات غير النفطية ستحدث لكن ببطء، لذا يتعين على السعودية دراسة استحداث نظام مالي أكثر انضباطا للحفاظ على الأصول الأجنبية، وأن تنشئ صندوقا للثروة السيادية لزيادة العوائد على تلك الأصول".

 

اقرأ أيضاً:
بعد 20 عاماً.. النعيمي يغرد منفرداً في معركة النفط
برنت ينزل عن 39 دولاراً للمرة الأولى..منذ ديسمبر 2008

المساهمون