خسارة حمدين.. "التنظيم" كلمة السرّ

30 مايو 2014
+ الخط -
حاز حمدين صباحي في انتخابات 2012 الرئاسية المصرية، حين كانت هناك انتخابات تنافسية حقيقية، على حوالى خُمس أصوات الناخبين بنزاهةٍ أهّلته ليكون أحد زعماء المعارضة المرموقين، بل كان في وسعه أن يكون شريكاً في البناء، لو قبِل منصب نائب الرئيس الذي عرضه عليه الرئيس محمد مرسي، لكنه رفض، وهذا حقه، وبدلاً من أن يستثمر الخمسة ملايين صوت التي حصل عليها في الانتخابات النزيهة، ويهتم بحزبه (الكرامة) الذي صار أطلالاً، أو تياره الشعبي الذي بات محكى موسمياً، ويستعد لخوض الانتخابات التشريعية، ليكون زعيماً كبيراً، يمثل تياراً قوياً، لديه نواب برلمانيون، يتواصلون مع الشعب بشكل مباشر، ويختبر كوادره على الأرض، ويصقلهم بخبرات كثيرة، يستطيع المنافسة بهم في أي استحقاق سياسي، بدلاً من ذلك، اكتفى بصحبة غير متجانسة مع عمرو موسى ومحمد البرادعي والسيد البدوي، وشخصيات أخرى، ولم يكن لهم من عمل سوى الاجتماع، كل حين، لعقد مؤتمرات صحافية يكيدون فيها للفائزين في كل استحقاقات انتخابية نزيهة. وطالب معهم بتأجيل الانتخابات، وضحى بمستقبل شباب حملته السياسي حين انصرف كل منهم إلى حال سبيله، بعد انفضاض موسم الانتخابات، فضلاً عن بعض الإغواء العسكري الذي جعله يفاتح أحد وزراء حكومة هشام قنديل في ضرورة الاستقالة (قبل أحداث الاتحادية)، لأنه سيصير رئيساً لمصر في شهر يناير/ كانون الأول 2013، وسيأتي به رئيساً للحكومة، ورفض الوزير طلبه.

تخيّل حمدين صباحي أن ما وُعِدَ به من الخونة سيتحقق، ولم يكن المسكين يدرك أن في استطاعتهم أن يعدوه بأي شيء، وأن يحققوا له شيئاً، لكنهم لن يسمحوا له مطلقاً ببناء تنظيم التيار الشعبي، أو حزب الكرامة، لأن حرمانه من هذا البناء التنظيمي هو الذي يمكّنهم من الحنث بكل الوعود التى يمكن أن يكونوا قد قطعوها له، وإن نفذوا له شيئاً، ففي وسعهم أن يفرغوه من مضمونه، أو يسحبوه منه مرة أخرى، من دون أن ينبس ببنت شفة.
في كل الأحوال، ما لم يكن لك تنظيم لا قيمة لك، ولست محل احترام، ولن تستطيع تحقيق خُمس ما حققته قبل عامين، وستتفوّق عليك الأصوات الباطلة، بل سيتم إجبارك على الاستمرار في أداء دور هزلي محلّل، وستعيش منبوذاً لا قيمة لك، ولا وزن.
فاز محمد مرسي، بعد إرادة الله، بالتنظيم، واستمر عاماً بفضل التنظيم، وتغلّب على محاولة الانقلاب في ديسمبر/ كانون الأول 2012 بالتنظيم، وخلع بواسطة انقلاب عسكري سافر، لأنه لم يكن في وسعهم أن يقولوا له ارحل الآن، فيقول سمعاً وطاعة، فخلفه تنظيم، بل تنظيمات لديها رصيد شعبي، ومؤيدون بالملايين سيرفضون. وهو الآن صامد، لأنه يدرك أن وراءه تنظيمات مستمرة في المقاومة لا يمكنه خذلانها على الأقل. ولم يستتبّ الأمر للانقلاب، لأن هذه التنظيمات، ومن بينها تنظيم كبير، تقف ضده، والانقلاب مرتبك، أرعن لا يلتزم بخارطته، ويتعسف في سن القوانين، ويكمّم الأفواه قدر استطاعته، ويأتي بأمور غير منطقية، لأنه يعاني من مواجهة التنظيمات السياسية الوحيدة التي لها رصيداً شعبياً.
بصرف النظر عن معايير المكسب والخسارة التي تظهر للوهلة الأولى، فإننا أمام تجربتين، تستحقان مزيداً من التأمل لأخذ العبر، فالتجربة الشبابية غير التنظيمية الملهمة في 2012 لحمدين صباحي لفظت أنفاسها الأخيرة، على الأقل، معه، وخرجت من دون مكاسب تذكر، سوى العلاقات والمشاعر الطيبة بين بعضهم، وأخرى شائخة عتيقة، لكنها منظمة جداً وتضرب بجذورها في أعماق المجتمع المصري، بل وفي كثير من بقاع العالم، حين تعرضت لضربة قاصمة في الثالث من يوليو/ تموز الماضي، ثم في أغسطس/ آب، وقتل وجرح واعتقل وشُرِّد منهم آلاف استطاعوا لملمة أوراقهم، وانخرطوا في المجتمع، في كل مدينة وقرية، يستجمعون مع المجتمع عافيته، وظهر منهم جيل جديد متجدد، مليء بالحيوية والإبداع والعافية، يقاومون جميعاً الانقلاب العسكري، وها هي الآثار على الأرض ماثلة للعيان.

ومن العجيب استرسال بعض أشباه التنظيمات، منها طرق صوفية وحركات سلفية ومجموعات شبابية، في مسعى الانقلاب إلى ضرب تنظيمات أخرى، لم تكن تسعى إلى تقويضها، حتى إن كان بينها بعض خلاف في الأفكار والرؤى، فالدولة القومية العربية الحديثة تكره التنظيمات، أصلاً، وتعاديها من جهة المبدأ، ولا تنتظر منها أثراً سلبياً أو إيجابياً، وإن كان ثمة ضرورة تدعو إلى وجود تنظيمات، ففي أضيق الحدود، ولتصنع على عين النظام، ولا يكون تنظيماً بالمعنى المعروف، بل يُكتفى بقشور شكلية، من باب الشيء اللازم للشيء، ولن يكون جزاء هذه الطرق الصوفية، أو الحركات السلفية، أو المجموعات الشبابية، أو حتى مؤسسات، كالأزهر والقضاء، أو تكتلات كمجموعات رجال الأعمال، ذات حرية في الحركة والتأثير، إلا بحساب. فالنظام سيسعى، بكل قوته، ليكون وحده مصدر شرعية الجميع، وبالتالي، يجب أن يعمل الجميع تحت مظلته، ووفق أهوائه، وإلا سيكون مصير المخالف، بل المتبرّم بئس المصير.

حافظوا على تنظيماتكم، واجعلوها راسخة كالجبال، فإن الذئب تأكل من الغنم القاصية، ولتكن تنظيماتكم مرنة، منفتحة على مختلف الآراء ومستوعبة للشباب، وألا تجمّدت على رأيِ مستبدٍّ أو رؤيةِ أعْشَى.
أحمد خلف (مصر)
أحمد خلف (مصر)