حقيقة الصراع في مصر وتونس

29 أكتوبر 2014
+ الخط -

أوقعتنا نتائج الانتخابات التونسية في معضلة كبيرة، وأثبتت فشلاً لأفكار كان يعتقد كثيرون أنها كفيلة بدفع مصر نحو آفاق الاستقرار والتقدم، مثل انتهاج نهج التوافق والتسامح مع فلول الأنظمة القديمة، وعدم محاسبتها بصورة حقيقية على ما اقترفته بحق أوطانها.

لم تختلف حركة النهضة في تونس عن جماعة الإخوان المسلمين في مصر، فعليا، في هذه المسألة، وحاولت قدر الإمكان تجنب المواجهة المباشرة مع الفلول، ورضيت بمشاركتهم الفعلية في السلطة.

ربما كان الفارق بين التنظيمين، أن "الإخوان" أبدوا قدراً قليلاً من الخشونة مع التيارات العلمانية التي ارتمت، بشكل واضح، في حضن فلول النظام القديم، وشاركتها تعطيل المسار الديمقراطي، ولم تكسب شيئًا من وراء هذا الارتماء سوى إزاحة "الإخوان" من مشاركتهم الشكلية في السلطة، في حين كان إخواننا في حركة النهضة أكثر رفقا وتسامحا، ولعل هذا ما ضمن لهم مكاناً كبيراً في الوضع الجديد، وإن كان مكان الخاسر المعارض في مواجهة قوى الدولة والنظام القديم المنتصر، وليس في مواجهة هذه التيارات التي تعرضت، أيضًا، لخسارة فادحة، باستثناء من تحالف منها مع النظام القديم، المحصلة أن النصر السياسي، الآن، بيد الفلول، في مصر ببطش القوة العسكرية، وفي تونس ببطش المال وهواجس عدم الاستقرار.

رهان الإسلاميين في تونس على تداول ديمقراطي، يصعب تصوره، إلا مع تمتع الوافدين القدامى بأفكار ديمقراطية، وقبول بالتعامل مع وجودهم، من دون إجراءات تضر بوضع هذا التيار في المجتمع، مع قدرة لدى هذا التيار على كبح جماح أي قوى، تحاول منعهم من الحصول على حقوقهم في العمل السياسي، والارتباط بالجماهير، ومحاولة كسب موافقتهم على المشاركة في السلطة في أي وقت.

مشكلة أخرى أن النتائج أظهرت أن الصراع فعلي بين الإسلاميين وقوى الدولة وأذرعها في طبقة رجال الأعمال والإعلام والبيروقراطية، ومن خلفها قوى دولية وإقليمية، تستريح للتعامل معها وتضمنها. وأن التيارات الأيديولوجية الأخرى لا مكان لها بصورة فعلية، ولفترة مقبلة، يبدو أنها طويلة نسبيا، وقدراتها محدودة جدا، والاعتماد عليها في مسألة التوافق محدود أيضًا.

لست ضد إحداث توافق معها، بطبيعة الحال، بل أدعو إليه، وأراه لبنَةً مهمة في إجراءات المواجهة مع الثورة المضادة، وبناء الثقة بين فصائل المجتمع المختلفة، ولكن الاعتقاد السائد لدى بعضهم بأن التوافق مع هذه القوى هو العامل الحاسم في تحقيق الانتصار يحتاج إلى مراجعة، وأن يقدر بقدره المناسب له، من دون تضخيم أو تهوين، وأن نبحث جميعًا بشكل حقيقي عن أدوات النصر، وأن يدرك الجميع أن الشعوب، في منطقتنا العربية، بات معظمها ممثَّلا داخل أحد تيارين كبيرين، تيار يغلب معتقده الديني دافعاً بحاملي لوائه نحو سدة الحكم، متجاوزًا بذلك عن قلة خبرتهم، أو سوء إدارتهم، وتيار ينسحق أمام القوة المادية، قوة المال والسلاح، ويسلمها نفسه ذاتيا، مدَّعِيًا أن لديها الخبرة والقدرة على الإدارة وتحسين أوضاعه، وتأمين قدر من الاستقرار له، وهذا صراع لا فكاك منه على المدى المنظور، والمطلوب، الآن، أن نعمل على ضمان الحقوق والحريات، وحسن الإدارة والشفافية، وتوفير حد مناسب من الحياة الكريمة للمواطنين، ووضع مصر على منصات الانطلاق نحو المستقبل، مهما كان الطرف الموجود في السلطة بطريقة شرعية.

مثل هذه النتائج، إن صادفت دلالاتها موقعها، في قلوب مخلصةٍ لأوطانها في هذه الأحزاب والقوى السياسية؛ لتجعلها تعيد النظر في خطابها وقناعاتها، وما تريد تحقيقه للمواطن، وأن لا تترك نفسها أداة في يد القوى الأكبر منها، للتلاعب بها، واستخدامها لتحقيق مآربها، في إثارة قلاقل وتوترات سياسية، وألا تترك شعوبها مسرحا لاستبداد المفسدين.

أفضل ما يتمناه المرء في ظل هذه النتائج، أن تكون الديمقراطية قد انتصرت فعلاً في تونس، وأن استقراراً سيسود هذا البلد الحبيب، وتداولاً للسلطة سيكون متاحًا بين قواه السياسية، وتقدمًا سيحظى به هذا الشعب، وأن يكون فاتحة خير لسائر شعوب المنطقة، في نيل التقدم وترسيخ قيم العمل الديمقراطي والعدل والكرامة والحرية والبناء.

أحمد خلف (مصر)
أحمد خلف (مصر)