معادلة جديدة للسلطة في مصر

03 سبتمبر 2014
+ الخط -


تموج الساحة العربية، في هذه الآونة، بقدر كبير من التوتر والاضطراب، المنذر بوقوع عواقب وخيمة، ما لم يتم التعامل مع هذه التطورات بروح مختلفة، وأدوات مؤثرة، وآليات متجددة.

ولافت أن المعادلة التي كانت تحكم فكرة "السلطة" في العالم العربي كانت تتمثَّل في أن من يسيطر على "المؤسسات" في الدولة يستطيع أن يحكم بقدر كبير من الاستقرار، وقد أثبتت العقود الماضية نجاعة هذه المعادلة، بغض النظر عن آثارها، إلى درجة أنها أثبتت قدرة هائلة على الصمود، حتى في ظل احتلال أقطار عديدة، فعلى الرغم من تعرض الأقطار المصرية والسورية والأردنية للاحتلال الإسرائيلي، وتورط أقطار أخرى، كالعراق والكويت والجزائر واليمن، في حروب مختلفة، وكذلك السودان الذي انفصل جنوبه عن شماله، بعد حرب أهلية طويلة، فإن كل تلك الأنظمة ظلت تتمتع باستقرار كبير، نظرًا لفاعلية معادلة السلطة السائدة آنذاك، من أن القدرة على السيطرة على المؤسسات وولائها للحاكم، أو لنظامه، أو بإيصال بعض أفرادها إلى سدة الحكم لتحكم بواسطتهم، يضمن قدراً كبيراً من الاستقرار لنظام الحكم، أو، بالأحرى، خضوعاً من الشارع لهذه السلطة.

لكن، بعد اندلاع ثورات الربيع العربي، بدا أن الشعوب أدركت أنها جزءٌ من معادلة السلطة، خصوصاً بعد صعود التيارات السياسية الإسلامية التي استدعت إلى المجال العام أفكارًا من التراث الإسلامي، يعلو فيها وضع "المجتمع" أو "الشعب" أو "الناس"، في مقابل "الدولة"، واستحضار حركات وقوى سياسية إسلامية وليبرالية ويسارية عديدة نماذج من حركة المجتمع المدني في التجربة الغربية، ونجاحاتها المتعددة، ثم بعد حدوث تقدم ملحوظ في مستوى الحريات السياسية ووجود مساحة غير مسبوقة في التعامل مع السلطة، أزالت كثيراً من هيبتها ومحاولات تأليهها، شعر قطاع كبير في المجتمع بأنه، على الأقل، ندٌّ للسلطة، إن لم يكن يسعى أن يعلو عليها، وأنه من غير المقبول أن يترك لها كل مساحة المجال العام، كما كان يحدث في العقود الماضية.

أغرى التطور الحادث في مصر وتونس وليبيا وصمود الثورة في سورية، بالتحرك في العراق، وبتحقيق نجاحات في اليمن، ثم جاء الانقلاب العسكري في مصر، وافتعال أزمات في تونس، وتعقد الأوضاع في ليبيا واليمن، وتكشُّف مكائد الغرب والشرق ضد شعوب المنطقة، كما هو واضح في سورية والعراق وغيرهما؛ ليهدم معادلة السلطة في المنطقة تماماً، حيث اعتمد هذا الحراك المعادي للثورات العربية، ولرغبة شعوب المنطقة في التحرر من الاستبداد والقمع والفساد والتبعية، على تحكمه وسيطرته على "المؤسسات"، كالإعلام والجيوش والأجهزة الإدارية التي تسيِّرُ دولاب العمل في كل دولة، لكن المفاجأة أن هذه السيطرة على "المؤسسات" لم تفلح في السيطرة على حركة الشارع، ولم تحظ بثقة المجتمع الدولي، ولم تستطع توفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين، ولم توسع مساحة الأطياف المؤيدة لها، ولم تجلب لهم استثمارات، أو توفر لهم فرص عمل، أو تحقق أي إنجاز ولو وهمياً، بل على العكس، زادت الأعباء، وجاءت انتصارات المقاومة في غزة، على خلاف في تقديرها، لترسخ من القناعة بعدم اقتصار إمكانات النجاح على رغبات "الدولة" ومؤسساتها، وأن المجتمع ومؤسساته لديهم القدرة أيضاً على تحقيق انتصارات.

صحيح أن المعادلة الجديدة للسلطة لم تتشكل بعد، لكنها حين تنضج، ستكون نتيجة التفاعل، الحاصل الآن، بين قوى المجتمع ومؤسسات الدول العربية والصراع بينهما، ولن تخلو المعادلة الجديدة من نفوذ كبير لقوى المجتمع، حتى وإن لم يتم لها النصر على النحو الذي تريد.

أحمد خلف (مصر)
أحمد خلف (مصر)