خادمة ولكن
على غير أمر كثيرين ربطوا بين السبّاحة ياسمين الخالدي التي برز اسمها ضمن بطلات السباحة في أولمبياد 2016، والتي ولدت لأب سعودي وأم فيلبينية، وبطل رواية "ساق البامبو" التي تناولت قضية في مجتمعاتنا العربية، وخصوصاً في منطقة الخليج، وهي مصير الأبناء الذين يأتون إلى الحياة بسبب علاقة غير شرعيةٍ، أو زواج سرّي لم يكتب له الاستمرار بين السيد والخادمة، على غير هؤلاء، أول ما تبادر إلى ذهني، حين علمت أن ياسمين هي ابنة "هجنة"، قصة عنترة بن شدّاد.
الخادمة التي تدخل بيت السيد لكي تعمل، أو التي تقع سبيةً في الحرب فيترك خلفه بنات القبائل والحرائر ويتسلل إلى مخدعها، وحين تظهر ثمرة نزوته أو غلطته أو حتى حبه في أحشائها يولي هارباً. هذه هي قصة ياسمين الخالدي، وغيرها، باختصار، والتي تداولت أخبارها أخيراً، وما وصل إليه رواد مواقع التواصل الاجتماعي من الادّعاء أن سعوديين كثراً يدعمونها من خلال حسابها على "تويتر". أعادت كل هذه الموجة المتباينة من التأييد والإنكار، بشدة، إلى ذاكرتي قصة الفارس عنترة، والذي نشأ عبداً، وكانت زوجة أبيه سمية تكيد له، وتوغل صدر الأب عليه، حتى امتلأ قلبه حقداً على القبيلة، وكاد يتركها لتكون نهباً لسطوة قبيلة طيء. وهنا استنجد به والده، فرفض الذود عنها، حتى أعلن عتقه على الملأ، فأغار عنترة على طيء وصد عدوانها.
تختلف الروايات حول مصير حب عنترة ابنة عمه عبلة، إذا ما كان قد تزوجها أم لا؟، والغالب أن هذا لم يحدث. لسبين: أن عمه مالك ظل ينظر إليه نظرة العبد، وطلب منه مهراً خيالياً لها. ولأن من عادة العرب منع بناتهن من أن يزففن إلى من يشبّب بهن قبل الزواج، وربما ما كنا لنسمع الأشعار الرائعة التي تغزّل بها عنترة بعبلة لولا أنه لم يظفر بها. وحسبما قيل، فقد تزوجت بأحد فرسان العرب، وهكذا فإننا لو تفكّرنا وتمعّنا في قصة حب العبد عنترة عبلة، نجد أنه دفع ثمن عبوديته، وأنه كان ثمرة خطيئة والده السيد شدّاد مع الأمَة زبيبة، علماً أن زبيبة كانت أميرةً حبشيةً، ووقعت في الأسر. وليس هناك أبلغ من بيت الشعر الذي يمتلئ وجعاً وسخريةً من تفكير المجتمع الظالم بنظرته لابن الخادمة، والذي نظمه عنترة، حين دعي للذود عن القبيلة التي لفظته، وأنكرت عليه حبه، إذ قال فيه: يدعون عنترة والرماح كأنها/ أشطان بئر في لبان الأدهم.
إحصائيات غير دقيقة، لكنها مرعبة، عن زواج السعوديين، مثلاً، من الأجنبيات، وخصوصاً الفيلبينيات. وحالياً ظهور ظاهرة زواجهم من المغربيات. السؤال: ما الذي يراه السيد في الخادمة، ولا يراه في زوجته، أو ابنة عمه ذات الحسب والنسب، والتي تمتلئ حقداً عليه، وعلى الأجنبية التي يتزوجها، ويهرب منها، وتنتقم منها بأطفالها، لو عاد بهم أو طلب من زوجته أن تربيهم. عجز علماء النفس عن الإجابة على هذا السؤال السيكولوجي الأزلي الصعب.
وأذكر قصة سيدة مصرية، ذات حسب ونسب، استغاثت بالكاتب والمذيع المصري ضياء الدين بيبرس، وكان مشهوراً ببرنامج اجتماعي إذاعي، يحل المشكلات الأسرية، وهو "ماذا تفعل لو كنت مكاني؟"، عندما سألته عن حل لزوجها الذي يهجر فراشها، وينام مع الخادمة على بلاط المطبخ، فطلب منها أن تلبس ملابس الخادمة الرثة وتضع "منديل بأوية" على رأسها، وتغتسل بالصابون الرخيص خاصتها، وتنام على البلاط مثلها. وبالفعل، جربت وصفته الغريبة واستردت زوجها. هل على الزوجات "الهوانم" المهندمات، الأنيقات اللاهثات خلف صرعات الموضة، أن يحصلن على دوراتٍ في كيفية التعامل مع الأزواج من الخادمات، وحيث أكّد كاتب سعودي أن المرأة السعودية يجب أن تتعلم من المغربيّات اللواتي يلهث خلفهن الرجل السعودي، لأنهن يمتلكن أسرار سعادة الرجل الحسّية.