حين يكون الربيع العربي ملهماً للأوساط البحثية الفرنسية

24 ديسمبر 2014
تغير تعامل الأوساط البحثية الفرنسية مع قضايا الشباب العربي(Getty)
+ الخط -

"لم أكن أعرف عن المنطقة العربية شيئاً، غير أنها البلاد التي أتى منها والداي. لم أكن أعرف من اللغة العربية غير الأفعال المصرّفة في الأمر، التي كان ينطق بها أبي ساعة التوتر أو الانشراح. كانت معلوماتي فعلاً مشوّشة. قبل الأحداث الثورية لم أكن أخبر أحداً بأصولي التونسية. بعد الثورة صرت أفتخر بذلك. وعدت لأبذل مجهوداً لأتعلم اللغة، وبدأت بحثاً في العلوم الإنسانية عن تونس". تخبرنا سلمى منة، شابة فرنسية من أصول تونسية.

وتفتح سلمى بشهادتها الباب لأسئلة متعددة، أسئلة عن الفرق الذي أحدثه "لهب البوعزيزي" في الأوساط البحثية والأكاديمية الفرنسية: هل صار الاهتمام بالدراسات البحثية عن المنطقة العربية أكبر من السابق؟ ثم إلى أي مدى رافق ذلك، في حالة ثبوته، اهتمام الشباب الباحثين بالعربية كلغة تداول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟ وهل توفر الأوساط البحثية الفرنسية الإمكانات لهؤلاء الباحثين المهتمين بالمنطقة؟

منذ عام 2011 تغيّر تعامل الأوساط البحثية الفرنسية مع المنطقة العربية، حسب توصيف الأستاذة الباحثة في جامعة العلوم السياسية، إيكس أونبروفونس، مارين بواغي، والمتخصصة في السياسات العربية. إذ قالت في تصريح، باللغة العربية، لـ(جيل العربي الجديد): "لقد جعلت أحداث الربيع العربي قيمة مضاعفة للباحثين المشتغلين على المنطقة. قبل ذلك كانوا يعتبرون مثل الباحثين الذين يشتغلون على المناطق النائية في العالم، الوضع الذي غيّره كثيراً خروج الشباب في المنطقة العربية بذلك الشكل الكثيف ومبادراتهم المختلفة. وأحدث ذلك طفرة في عدد المنح والمؤتمرات الكبيرة والمؤسسات المهمة التي تتخذ المنطقة موضوعاً للبحث. وتم إعطاء قيمة، وتوفير فرص مميزة للراغبين في البحث عن المنطقة".

وعن انتشار اللغة العربية كلغة للتعلم، تخبرنا الأستاذة لميس عزب، الأكاديمية في معهد الشرق الأوسط ـ المتوسط، بمدينة مونتون، وأستاذة اللغة والحضارة العربية في عدة جامعات ومعاهد فرنسية، أن "الاهتمام باللغة والمنطقة العربيتين ازداد فعلا في لحظتين أساسيتين، أولاهما كانت لحظة تفجيرات 11 سبتمر/أيلول 2001، دفعته الرغبة لفهم الدين الإسلامي، ذلك الدين الذين اعتبروه حينها "المجهول الكبير". وكانت اللحظة الثانية هي لحظة "الربيع العربي"، وصارت الأسئلة المتداولة أكثر تنوعاً ومركزة أكثر على الجيل الجديد من الشباب، الذي أبدع كثيراً وبذل مجهوداً كبيراً، لرغبة المهتمين في إيجاد جواب عن سؤال كبير هو: لماذا لم يصل هذا الجيل من الشباب للسلطة بعد كل ذلك الجهد؟".

وإذ تعتقد الأستاذة لميس أن الوسط الأكاديمي الفرنسي يوفر إمكانات واسعة للتعرف إلى اللغة والمنطقة العربية، والأحداث التي عرفتها منذ بضع سنين، يقول رئيس المرصد الأوروبي لتعليم اللغة العربية، أحمد الدبابي: "الإمكانات المتوفرة ما تزال محدودة، وهو ما أنتج أن الدروس التي يستضيفها التعليم العمومي الفرنسي للغة العربية تنحصر في 15 في المائة فقط، مقابل 85 في المائة يسدها التعليم الخصوصي. وهذا يثير العديد من الحزازات، إذ يرى جزء واسع من الرأي العام الفرنسي، أن التعليم الخصوصي للغة العربية، يكون وسيلة لنشر الأفكار المتطرفة".

في فضاء بحثي وثقافي مختلف، يخبرنا المعطي قبال، المسؤول عن الأنشطة الثقافية في معهد العالم العربي بباريس، أن المعهد "لم ينتظر قيام الثورات العربية ليخوض في نقاشات من قبيل حق الشعوب الناطقة بالعربية في الديمقراطية والحريات وحقوق المجتمع المدني، حتى وإن كان سفراء بعض الدول السلطوية يتدخلون في حجب وإلغاء بعض أنشطته، مستدلاً بتدخل سابق للسفير المصري في عهد مبارك لإلغاء ندوة علمية حول موضوع الانتخابات المصرية".

ويضيف المعطي: "إن الإقبال صار كثيفاً من جمهور الباحثين والمهتمين على المعهد، سواء على الندوات أو المكتبة أو الخزانة، ولاحظنا أن الإقبال يكون أكبر خلال الندوات السياسية بأشد منه في الأنشطة الثقافية التي تنظمها المؤسسة"، ليقسم دائرة المواضيع الأشد إقبالا بـ"حركات الإسلام السياسي" منذ تفجيرات سبتمبر، ثم مواضيع الديمقراطية والشباب والوسائط التكنولوجية للاتصال والحريات بالمنطقة العربية، ثم أخيراً ثيمة دور العسكر في إبطال هذه الثورات بالعنف الشديد.

ويختلف الفاعلون في ما إذا كان ازدياد اهتمام الباحثين الفرنسيين بثورات العالم العربي يؤدي إلى ازدياد إقبالهم على تعلم اللغة العربية، إذ فيما يؤكد المسؤول عن الأنشطة الثقافية للعالم العربي، أن "أقسام اللغة العربية التابعة للمعهد ممتلئة عن آخرها منذ سنوات، وفي مختلف المستويات، ويصعب الحديث عن ازدياد أرقام المسجلين في السنوات الأخيرة"، وترى السيدة لميس أنه استناداً إلى ملاحظاتها في جامعات مختلفة في فرنسا فالأرقام ازدادت، حتى وإن كانت مجموعة كبيرة من الراغبين في تعلم العربية، تصطدم بصعوبتها، بعد لأي، حسب تقديرهم.

المساهمون