حين تصرخ الحقيقة في وجوهنا

22 فبراير 2015
+ الخط -

الآن.. وهنا، ومن دون أيّة مبالغة، بدأنا نجتاز أخطر المراحل في تاريخنا العربي الحديث، بعد أن ولجنا ألفية ثالثة، وصافحنا سنة ميلادية جديدة (2015)، والآن، وهنا، ما زلنا نقبع خلف خطوط الانكسار، نتجرّع مرارة هزيمة مضى على جرحها الدامي أربعة عقود ونيف. والآن نتساءل بأسى: هل غدا تاريخنا امتدادا لواقع مهزوم، ما فتئ يكرّس مظاهر الانكسار والتصدّع إلى حدٍّ أصبحنا فيه في وئام ووفاق مع كل تداعيات الترجرج والتخلّف، ما يفسّر أنّ هزيمة 67 لم تكن هزيمة عسكرية على الحدود، بل كانت هزيمة موقف عربي، لا يزال مرتجّا، ورؤية عربية لم تلتصق حميمياً بطين الأرض، ولم تستبصر آفاق الدروب.
أفلم نخض حرباً مهزومة عام 67 وأخرى بديلة عام 73 وحربا أهلية عام 75، وما زالت هذه الحروب، علاوة على أخرى، غير معلنة تنزف، وما زال كذلك صفّنا العربي مبعثراً، كما ظلّت فلسطين تبكي بصوت مشنوق حظّها العاثر..! ألم نتغافل عن تفاصيل هذا الواقع المأزوم، من دون صياغته، بما يسمو بطموحاتنا إلى ما وراء تخوم الراهن، واكتفينا بالإدانة والهتاف لثورة حتى النّصر.
ألم تتجاهل تداعيات الهزيمة، بدل التوغّل في أدغالها وشعيراتها الدقيقة لتعريتها وكشف انعكاساتها المريرة على الفرد والجماعة والوطن والعقيدة، واعتمدنا في علاجنا وريقات التّوت لتغطية جسد عربي عليل، ترهّل وأثخنته الجراح! فهل اختلطت علينا الأمور، إلى حد لم نعد نميّز بين تجليات الهوية في مواجهة الاغتصاب الأجنبي، وإفرازات الإقليمية، كأحدى ثمار الهزيمة، وتصالحنا، تبعا لذلك، مع الوهم، وأدرنا ظهرنا للحقيقة، وافتقدنا، نتيجة لهذا وذاك، الحساسية القومية، كإحدى العناصر الجوهرية في بناء أي صرح حضاري؟
لتراكمات التاريخ المؤلمة عميق الأثر في تهرئة أوضاعنا المترجرجة، فالقبول العربي التدريجي لما كان مرفوضا من بعضهم كقرار مجلس الأمن رقم 242، قد أصبح القاسم المشترك أو الحد الأدنى بين العرب جميعا، ما يعني أنّه الحد الأقصى لغالبية العرب، وبدلاً  من أن تصبح القدس مركزاً للمشكلة برمتها.
ألم نكتف، ومن خلال التصوير السياسي العقيم، بتجسيم "الحائط الصهيوني المسدود"، من دون التفكير في اختراقه، وظللنا، في المقابل، نرنو إلى المنتظم الدولي، بعيون تدعو إلى الشفقة، لعلّه يدفع بالإسرائيليين إلى مبادرة في حجم الخروج الأميركي من فيتنام والإقبال الأميركي على الصين، أو في حجم الخروج الفرنسي من الجزائر.
ألم تخض أغلب الشعوب حروباً، وخرجت منها تحمل رايات الانتصار، وبقينا، في المقابل، في منعطف التاريخ، ننتظر انتصارا طال اختماره، في ظل أكثر المراحل سواداً في تاريخنا العربي، ونراقب بأسى خط الانكسار العربي، وهو يتناقض بصورة مأساوية، مع بقية خطوط العرض والطول في خريطة العالم!
ألا يكفي نصف قرن من الاحتلال، لوقف النزيف الفلسطيني واسترداد الأرض ودحر الاحتلال وتحرير الشعوب العربية من قمقم الوهم العقيم، لتستوعب دروس التاريخ، وتتمثلها على نحو يعيد إلى مجدنا بريقه الخلاّب، ولا سيما ونحن نحتفي بربيع ثوري، تبرعمت أغصانه ببعض الأقطار العربية؟
ألم ندرك بعد أنّ الغرب الاستعماري لا يزال حاضراً في عمقنا بوجهه البشع، يحاربنا برفق رموزه، وعبر أساليبه المخاتلة، ويجرّنا، من دون وعي منا، صوب مهاوي الضياع.

avata
avata
محمد المحسن (تونس)
محمد المحسن (تونس)