حياة معلقة في وصف حالتنا

05 ابريل 2019
+ الخط -
"حياة معلقة"، هو الوصف الذي يصلح أن أطلقه على حالتنا الفلسطينية في ظل الفوضى التي نعيشها، وفي ضوء وجود عدد من القضايا المطروحة والأزمات التي تلتف حولنا من كل حدب وصوب، فنحن الملام، فصائل وقادة، نخبا وكتابا، لما آلت إليه حالتنا الفلسطينية من تراجع ووهن لم تصل إليه من ذي قبل.
ولا يختلف أحد فينا على أن الاحتلال يتحمل الكثير مما وصلت إليه حالتنا الفلسطينية، فدوره أن يبقينا معلّقين، مشتتين بلا إحساس، نلعن بعضنا بعضاً ونتهم ونشتم بعضنا بشتائم لم ينزل الله بها من سلطان.
وهنا أستحضر ما جاء في رواية عاطف أبو سيف "حياة معلقة"، والتي تنطبق على حالتنا الفلسطينية. لا شيء جديدا، وليس من إثارة تصبغ فرحاً جديداً على الحياة. كل شيء على حاله، ها هو يفعل ما فعله يوم أمس، وما فعله أول من أمس، وما فعله قبل شهر، وقبل سنة وعشر سنين، وقبل عشرين سنة.
عودة إلى العنوان أعلاه (حياة معلقة)، فهي تتحدث عن موت نعيم، صاحب المطبعة الوحيدة في المخيم، برصاصة الجيش. نعيم الذي اعتاد أن يقوم بطباعة بوسترات الشهداء في المخيم، يرفض ابنه أن يتم طباعة بوستر له، في نقاش عميق حول مفهوم البطولة، والجدل حول الاشتباك مع الحياة أو نفيها. لكن هذا الموت العادي يغيّر الكثير من تفاصيل الحياة في الحارة الهادئة الواقعة على تخوم المخيم، حيث ترقد التلة التي بنى نعيم عليها بيتا. موت يقلب حياة الناس وتفاصيلهم، فالحكومة تريد أن تستغل التلة وتبني عليها مخفرا للشرطة ومسجدا. وحيث إنّ التلة تحظى بمكانة خاصة في وعي الناس، فهي ليست تلة، كما يقول المختار، بل هي جبل، فعليها حطت خيام سكان المخيم مباشرة بعد النكبة، ومن فوقها قتل أول جندي حين احتلت إسرائيل المخيم.
عارض سكان المخيم المشروع وقاوموه، حتى وصل الأمر إلى الصدام مع الشرطة. وكما بدأت الرواية بجنازة نعيم تنتهي بجنازة الحاج الذي يفيق من الموت ثم يعود إليه، في حصر للحياة بين موتين يهزّان المخيم.
وعبر فصول متنوعة في مستويات السرد وتقنياته، تنكشف أمام القارئ الكثير من تفاصيل الحياة في غزة، كما نعرفها ويعرفها الكاتب. كما يتم استدعاء يافا موطن اللاجئين، عبر استرجاعات زمنية ومفارقات سردية وحكايات متداخلة ترسم بصورة مفصلة عالما مدهشا تتفاعل شخوصه وتتجادل وتصارع، في إعادة تركيب لمفهوم الهوية والبطولة والحياة.
تبدأ الرواية بجملة مثيرة تلخص كل الرواية تقول: "وُلد نعيم في الحرب ومات في الحرب أيضا، ليس في ذلك من صدفة". كما يقول أبو سيف، فإن حياتنا معلقة بين موتين. نحن نولد في الحرب ونموت فيها. ما ترمي إليه الرواية هو رصد التحولات الكبيرة التي ضربت غزة، خلال العقود الثلاثة الماضية تحديدا، مع مسحة سريعة إلى مجمل التحولات التي هزت المكان خلال مسيرة العقود الأخيرة، وهي تحولات تنكشف بوضوح من خلال تفاعل سكان الحارة في المخيم مع التطورات التي تطرأ عليهم.
معلقة حياتنا على بوابات معبر رفح، ومعلقة على المصالحة، ومعلقة على الحاجز والجدار والكتل الإسمنتية، ومعلقة على القمة العربية، ومعلقة على الحكومة الجديدة، ومعلقة على الأشياء التي تبدأ وتنتهي، فيما الناس لم تعد تطيق فلسفة الأمور، فالوقت يمضي ونحن بحاجة للخروج من هذه الدوامة.
1612F4D7-52D9-43C8-9E2F-0418A8149C51
1612F4D7-52D9-43C8-9E2F-0418A8149C51
محمد البريم (فلسطين)
محمد البريم (فلسطين)