حلم منتصف موج

25 يونيو 2018
أبوالقاسم سعيدى/ إيران
+ الخط -

الدرب يصعد وأنا وأنت نصعد، كنّا نلبس الأصفر كحقل ينتظر الحصاد. الكتف في الكتف ونتمايل ونضحك. على جنبات الدرب أقيمت أروقة من سعف النخيل، لا بدّ أنهم يحتفلون بشيء. ونحن لم نكن نحفل بشيء.

وناح صوت ناي شجي هناك، وبكى صوت كمان حزين. واشتد الحنين.
الشمس خلفنا ونحن نصعد. ودالية هناك حيث ترد الأفراح. ثم فاح أريج قرنفل يبهجني وأريج بنفسج يبهجك.
كان قد سقط المطر وغسل الأرض ثم كنستها النساء، واختلط عبق الأرض بالأريجين. ومن الأروقة انبعثت الأهازيج البرية والزغاريد.

لا بد أن الملائكة هبطت إلى الأرض ذلك المساء.
وصخب الأطفال خلف القصب جنب الساقية والنخلة السامقة والدفلى. كل جميل ارتقبناه اجتمع، الأهازيج والأطفال والقصب، والدرب الذي يصعد. وأنت وأنا واليمام.
وكنا نمشي ونمشي ولا نلتفت ولا نفترق، وكان الصمت كلاما، وتأكد لنا أن الأمل وحده يسقي الود.
الأمل مهما وصلت النهاية يغلب النهاية.

الدرب الطويل يبدو لنا قصيرا ولا نريد أن ينتهي الصعود في ذلك اليوم. ووصلنا إلى الجزء الذي لم تصل إليه سماسرة الأروقة، واختبأ بعضنا في بعض كعصفورين في مهب الريح.
وفجأة مرّ أمامنا موكبان، أحدهما صاعد لقوم بوجوه ثعلبية يبحثون عن مدفن لجثة امرأة قيل انتحرت ليلة الزفاف، وآخر نازل لقوم بوجوه كلبية يقولون إنهم قبيلة تبحث عن زعيم.

وهربنا من الموكبين علّنا نصل إلى الدالية التي ترد فيها الأفراح. عند مفترق طرق نصبت شجرة يصعد إليها بسلم ويدخل إليها بباب كموني اللون، وعلى الشجرة أسندت لوحتان، إحداهما "غرنيكا" بيكاسو، والأخرى كاليغرافيا خط كوفي كتبت به قصيدة وثنية. وفوق الشجرة صومعة يؤذن بها مؤذن أعمى فقد كل لباسه. عند هذا المفترق هجم علينا رجال بلحى ونساء بحجاب، لكنهم كانوا من ورق فحسب.

إلى اليمين في درب أزرق يطل على البحر مقهى اسمه القمر، كنا نأتي عندما كنا طلبة إلى هذا المكان نسمع الأغاني الشرقية ونتناول الشاي بالنعناع وحلوى "كعب الغزال" باللوز و"البروات" بالعسل، كل الناس ينسون أن اسمها اشتق من البراءة التي تعني الرسالة. ما زال المقهى في مكانه لكن حل محل الأغاني الشرقية أصوات منفرة، ومحل الحلوى هلاليات بزبد الخنزير.

وما زال الكتفان متماوجين، وما زالت البسمات هي البسمات، والنط هو النط رغم السن والتعب.

عند نهاية مقهى القمر درج، بدرابزين وياسمين، ينزل نحو البحر. وفي البحر قوارب بمجادف وأشرعة بيضاء، وفي القوارب صبايا وفتيان يُنشدون ويُنشدون كأنهم ينتظرون منتصرا ما.
عند حافة أحد القوارب المزينة بالصدف، وعندما هممنا الصعود تعالت الزغاريد والتصفيقات. وبدأت المغنية تغنّي وترد الأمواج الغناء:

يا اللي عُمرك ما خلفت ميعاد في عُمرك
الليلة دي غبت ليه؟ حيّرني أمرك
أخَّرَك إيه عنّي
مستحيل الدنيا عنّي تأخَّرَك

الربيع الورد النبع اللي جاري
النسيم الحلو الليل اللي ساري
كلهم واياي أهُم مستنيين.


* كاتب من المغرب

المساهمون