حكومة السودان الجديدة

22 مايو 2017
+ الخط -
أُسدل الستار في العاصمة السودانية الخرطوم على ما عُرف بحكومة الوفاق الوطني التي طال انتظارها أكثر من ثلاثة أعوام، بعدما أطلق الرئيس عمر البشير نداء "الوثبة"  في يناير/ كانون الثاني 2014.
جاء التشكيل الوزاري مُخيّباً لآمال السواد الأعظم من المواطنين السودانيين الذين كانوا يترقبون بفارغ الصبر حكومةً تنتشلهم من الأوضاع الاقتصادية السيئة التي تشهدها البلاد منذ انفصال الجنوب عام 2011، إذ إنّ الهموم المتعلًقة بمعيشة الناس هي الأكثر تأثيراً على المجتمع، فالغالبية العظمى من جموع الشعب لا تهتم مطلقاً بعالم ساس يسوس، ولا بمن يحكم البلد، بل بتأمين احتياجاتها.
على عكس التوقعات والآمال العريضة التي ارتسمت في أذهان السودانيين، جاء التشكيل الحكومي بصورة أسوأ مما كان عليه قبل الحوار الوطني المزعوم، فقد كشفت المراسيم الجمهورية التي تلاها رئيس الوزراء، بكري حسن صالح، أنّ أعباء جديدة أُضيفت إلى كاهل دافع الضرائب السوداني الذي يموّل 75% من موازنة الدولة، حسب وزارة المالية، تتمثل الأعباء في تعيين حكومةٍ مترهلة، يبلغ عدد وزارئها 31 وزيراً، مضافاً إليهم 42 وزير دولة، وهذا المنصب الأخير إحدى البدع التي استحدثها نظام الخرطوم، من أجل ترضية منسوبيه، فلم يتم الاكتفاء بمنصب وزير المالية (مثلاً) بل تمّ تعيين وزيرين آخرين، ليكونا في منصب وزيري الدولة إلى جانب الوزير الأساسي!
ليس هذا فحسب، فمن مظاهر الترهل الذي بدت به حكومة السودان الجديدة تعيين نائبين لرئيس الجمهورية و4 مساعدين، كما يستعد الرئيس لإصدار قرار بإلحاق 65 نائباً إلى عضوية المجلس الوطني (البرلمان). يحدث ذلك في وقتٍ لجأت فيه الدول ذات الاقتصاد القوي والمستقر مثل دول الخليج إلى دمج وتقليص الوزارات ذات الاختصاصات المتقاربة مواكبة لانخفاض سعر النفط عالمياً، أما في السودان البلد الذي يعاني مواطنوه من وطأة الفقر وضعف البنية التحتية وانعدام أبسط مقومات العيش الكريم، نجد أنّ رئيس الوزراء يعترف صراحةً باستحداث مناصب جديدة، لاستيعاب المشاركين في الحكومة من الأحزاب السياسية التي أرادت أن لا يفوتها نصيب من كعكة السلطة.
أخطر ما فعله نظام الإنقاذ الذي استولى على الحكم بانقلاب عسكري فجر 30 يونيو/ حزيران 1989، أنّه رسّخ فكرة المُحاصصة في فترته الأولى، وإسناد المناصب لأهل الولاء والثقة، من دون مراعاةٍ للكفاءة والوطنية. ثم تغيّرت نظرة النظام في نسخته الثانية، بعد اتفاقية السلام التي دخلت بموجبها الحركة الشعبية لتحرير السودان، لتكون شريكاً في حكم الوطن.. فقد تنازل حزب المؤتمر الوطني (الحاكم) عن عدّة مناصب مؤثرة، منها حقيبة النائب الأول للرئيس التي خصّصها للحركة الشعبية إلى جانب مناصب أخرى، مثل وزارة الخارجية ووزارة مجلس الوزراء.
بعد الاختراقات التي نجحت فيها، أخيرا، حكومة الرئيس عمر البشير، على صعيد السياسة الخارجية وإعادة السودان إلى وضعه الطبيعي داخل المنظومة العربية، وما حدث من بشرى بشأن اقتراب رفع الحصار عن البلاد، انتظر المواطنون تشكيل حكومة رشيقة من الكفاءات والتكنوقراط، بعد أن انكشف أمر الحوار الوطني الذي أُفرغ من مضمونه بتعيين رفيق درب البشير ونائبه الأول، بكري حسن صالح، في منصب رئيس الوزراء، الوظيفة التي اعتقد الناس أنها ستكون من نصيب إحدى الشخصيات القومية، وفوق ذلك بقيت معظم الوجوه القديمة في مناصبها، مثل وزراء الدفاع والخارجية والصحة والإعلام.
ماذا كان يضير الرئيس البشير لو أعلن حكومة طوارئ من 15 أو 16 وزيراً فقط، ودمج الوزارات المتشابهة، مثل العمل مع تنمية الموارد البشرية، والإرشاد مع الشؤون الاجتماعية والإعلام مع الشباب والرياضة؟ إلى جانب إلغاء مناصب مساعدي الرئيس ومستشاريه، ومناصب وزراء الدولة الذين ليست لديهم مهام حقيقية يؤدونها، طالما أن الوزير الاتحادي موجود، وهناك وكلاء الوزارات ونوابهم.
من الواضح أنّ حكومة السودان المتضخمة التي أعلنها رئيس الوزراء، بكري صالح، ستضيف التزاماتٍ جديدة على المواطن البسيط الذي أثقلت كاهله الضرائب والجبايات، بأنواعها المختلفة، كما أنّ خدمة الوطن والنهوض به ستكون آخر اهتمامات مجلس الوزراء الضخم الذي لا مثيل له في العالم، حتى في الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة والصين واليابان، لأنّ الوزراء والمسؤولين الجدد يعرفون جيّداً أنهم أتوا إلى تلك المناصب، من أجل الترضيات والمحاصصة السياسية، وليس لكفاءتهم أو وطنيتهم، ولا عزاء للسودانيين الذين كانوا ينتظرون حكومة ناجحة وقوية تنتشلهم مما هم فيه.
أما وقد أُعلنت حكومة الوفاق الوطني، فإنّ حالة الإحباط والتذمر العام التي تسود الشارع السوداني يمكنها أن تولد انفجاراً شعبياً في أيّ لحظة، لا سيّما إذا قامت الحكومة المُعينة حديثاً بإقرار أو ابتداع أعباء جديدة، تتمثل في رسوم خدمات أو زيادات في أسعار الوقود أو السلع لتغطية العجز المتوقع في الموازنة العامة، عندها ربما يخرج الأمر عن نطاق السيطرة، ويحدث ما لا يُحمد عقباه.
71F29908-DD1C-4C71-A77C-041E103F4213
71F29908-DD1C-4C71-A77C-041E103F4213
محمد مصطفى جامع
كاتب سوداني.
محمد مصطفى جامع