"سقطات" وزير الإعلام السوداني

19 يوليو 2017
+ الخط -
في أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، كان السودان يشهد تجربة فريدة من نوعها، إثر دعواتٍ للعصيان المدني نظمتها مجموعات شبابية احتجاجاً على زيادة أسعار الوقود والدواء. واختلفت حينها التقديرات بشأن نسبة نجاح حملة العصيان، لكن المؤكد أنه أربك حسابات الحكومة، إذ بدت شوارع العاصمة الخرطوم خاليةً من المارة في اليوم الأول، وانهارت البورصة، وخلت البنوك وشركات الاتصالات والمؤسسات الخدمية من المتعاملين.
ضمن تغطية وسائل الإعلام العالمية تلك التطورات، أجرت شبكة بي بي سي البريطانية مقابلة مع وزير الثقافة والإعلام السوداني، أحمد بلال عثمان، الذي أنكر جملة وتفصيلاً وجود شيء اسمه "عصيان مدني"، غير أن المذيع فاجأه بسؤال عن دلالات مُصادرة الأجهزة الأمنية خمس صحف بعد طباعتها! حينها لم يفتح الله على الوزير إلا أن يجيب بقوله: "هذه إجراءات روتينية، السلطات درجت على مصادرة الصحف التي لا تلتزم بالخط الوطني، وتسبح عكس التيار في كل الأوقات، وهذا طبيعي عندنا لا علاقة له بالعصيان المدني".
لم تكن السقطة المذكورة أعلاه، الأولى من نوعها لنائب رئيس الوزراء، وزير الإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة (حسب الوصف المعتمد)، فقد نقلت عنه صحف ووكالات أنباء عالمية في مارس/ آذار الماضي تصريحات مثيرة، قال فيها إن فرعون الذي ذُكر في القرآن الكريم سوداني، مستدلاً بـ "الأنهار التي تجري من تحتي"، وإن مصر ليس فيها سوى نهر واحد "النيل"، بينما السودان بلد متعدد الأنهار، وأن تاريخ السودان تعرّض لزيفٍ كثير عبر التاريخ!". وكان الوزير بلال، يتحدث حينذاك، مستنكراً تقليل وسائل إعلام مصرية من شأن الأهرامات والآثار في شمال السودان.
هناك سقطات و"شطحات" عديدة للوزير أحمد بلال عثمان، لكن أخطرها ما بثته وسائل إعلام مصرية وسعودية يوم 13 من يوليو/ تمّوز الجاري، حيث ظهر في تسجيل فيديو واضح، هاجم فيه قناة الجزيرة، ووصفها بأنها تعمل على إسقاط النظام في مصر، وإثارة الفوضى، موضحا أن ذلك خطأ ومرفوض. لقي ذلك التصريح الغريب انتشاراً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي خلال ساعات، وفجّر غضباً كبيراً في أوساط الشارع السوداني، بتياراته المختلفة، لأن السودان، رسمياً، لم ينحز لأي من طرفي الأزمة الخليجية لحساسية موقفه، وقد عبّر الرئيس عمر البشير مرات عن دعمه الوساطة الكويتية، فما الذي دفع الناطق الرسمي باسم الحكومة لإطلاق هذه التصريحات التي يمكن تفسيرها دعما لموقف الدول الأربع التي تحاصر قطر وتقاطعها؟
ظنّ سودانيون أن تغييراً ربما طرأ على موقف السودان، غير أن الظنون تبدّدت في لقاء صحفي عقده وزير الخارجية إبراهيم غندور في الخرطوم، إذ سأله صحفيون عن تصريحات وزير الإعلام، وعمّا إذا كان هناك تغيُّر في الموقف؟ فأجاب إن موقف السودان ثابت، وهو دعم الوساطة الكويتية، وأبدى استغرابه، هو الآخر، من تصريح أحمد بلال عثمان، وقال للصحفيين: "يُسأل عن ذلك وزير الإعلام، وأتمنى أن أتعرّف على رده أنا أيضاً". وبالفعل، حاول عثمان التملص وإنكار أقواله الواضحة والموثقة بالصوت والصورة، فزعم أنه لم يدلِ بأي تصريحاتٍ بخصوص تغطية "الجزيرة" الشأن المصري، وقال في بيان نشرته الملحقية الإعلامية لسفارة السودان في بيروت إن "موقف السودان من الأزمة الخليجية واضح، وتم التأكيد عليه أكثر من مرة، وهو موقف يدعو إلى إصلاح ذات البين بين الأشقاء".
تصريحات بلال أقل ما توصف به أنها "مندفعة" و"رعناء" و"غير مسؤولة"، لأن الرجل بمنصبه الحالي لا يمثل نفسه، ولا يمثل الحزب الذي ينتمى إليه (الاتحادي الديمقراطي)، بل يمثل الحكومة بأجمعها لأنه يشغل منصب الناطق الرسمي ووزير الإعلام. كما أن اللغة التي استخدمها الوزير في تصريحه جعلته يبدو "ملكياً أكثر من الملك"، فما شأنه بمصر وبإسقاط نظامها وإثارة الفوضى فيها؟ وهل هو وزير الإعلام السوداني أم المصري؟ أم أن الرجل تهوّر كالعادة، وتحمّس زيادة عن اللزوم؟
71F29908-DD1C-4C71-A77C-041E103F4213
71F29908-DD1C-4C71-A77C-041E103F4213
محمد مصطفى جامع
كاتب سوداني.
محمد مصطفى جامع