يتمتّع خالي حسن بروح مرحة وقلب كبير وقدرة عالية على الضحك طوال الوقت. فهو صاحب روايات وقصص لا تنتهي، صنعها تاريخه المليء بالمغامرات ومزاج يحسده عليه كلّ من عرفه. شاب سبعيني يترأّس مجلسه بقوّة حضوره، يروي قصص الطفولة والشباب كأنّها حدثت أمس، يحوّل المأساة إلى حبّ، والقهر سخرية.
يضحك من أعماق قلبه، وسرعة بديهته سلاحه الفتّاك. يحمل بجعبته موسوعة أحداث وطرائف امتاز بطريقة سردها. ومحبّوه يطلبون منه أن يعيد على مسامعهم رواياته دئماً.
في لقائنا الأخير طلبت منه أن يخبرني كيف أوصل مولّد الكهرباء من بيروت إلى بلدتنا جرجوع جنوب لبنان مطلع الثمانينيات. وأزعم أنّه سبق وروى لي هذه القصة عشرات المرّات، وكلّما طلبتها يبتسم ويقول: لن أخبرك كيف حصلت عليه، هذه قصّة أخرى، سأخبرك كيف نقلته إلى جرجوع:
اقرأ أيضاً: جرائم منزلية طريفة
"كان المولّد موجوداً في موقف للسيارات بمنطقة الغبيري في ضاحية بيروت الجنوبية. أردت نقله إلى منزلي الجديد بجرجوع. وهو كبير يكفي لإنارة حيّ كامل. طوله متران ووزنه أطنان. قصدت جارنا أبو كامل الذي يملك شاحنة نقل صغيرة (بيك آب). شرحت له حاجتي، فرفض. إذ إنّ المسافة طويلة وشاحنته محرّكها شبه معطّل وقدرتها ضعيفة".
حاول خالي أن يبسّط الأمر بأن أوهم السائق بصغر حجم المولد وبأنّ البلدة قريبة. وبعد أخذ وردّ وإلحاح شديد اتّفقا على نقله مقابل خمسين ليرة. كلّ هذا قبل أن يرى الرجل حجم المولّد. واتّجها نحوه.
حين شاهد أبو كامل المولّد صرخ رافضاً نقله ولاغياً الاتفاق. فهو أكبر ممّا وصفه خالي بكثير. تدخّل خالي ليقنعه بأنّ الموضوع أبسط مما يعتقد، فإذا سار على مهل لا خوف على البيك آب. عندها أضاف الرجل: "ناهيك عن قدرة البيك آب يستحيل نقله بالمبلغ المتفق عليه"، قاطعه خالي: "لا داعي لنقاش المبلغ، ما بتكون إلا مبسوط". فوافق أبو كامل على مضض بعدما شعر بارتياح لوعد خالي بأنّه لن يكون نادماً وأنّ نهاره سيكون مربحاً. فبدأ صاحب الونش بحمل المولّد ووضعه بصندوق الشاحنة الصغيرة.
اقرأ أيضاً: حكواتي: قصّة السنّ الأوّل
يقول خالي كاد أن يغمى على صاحب البيك آب حين وضع المولد عليها، إذ انخفض مستوى الشاحنة حتى كادت تلامس الأرض. فوراً ربّت خالي على كتفه وكرّر: "ما بتكون إلا مبسوط". وانطلق البيك آب بالمولّد وخالي جلس إلى جانب السائق. وقبل أن يشكو الرجل من صعوبة سير الشاحنة الواضح وارتفاع صوت محرّكها بدأ خالي بالتودّد والتحبّب منه، وراح يسترسل برواياته المسلية والمضحكة. ولم تغب النكتة عن لسان خالي ولا الضحكة عن وجه السائق طوال الرحلة.
وصل البيك آب بالمولّد إلى خلدة بصعوبة، والمسافة التي ينبغي أن يقطعها في ربع ساعة استغرقت ساعة. شعر خالي بتململ السائق، ورغبته بالعزوف عن استكمال المسير خوفاً على الشاحنة مصدر رزقه الوحيد، فكرّر: "ما بتكون إلا مبسوط". وطلب منه التوقف أمام محل واشترى مناقيش وزجاجات بيرة. انطلق الرجل من جديد بصحبة صديقه الجديد يحتسي البيرة، ويخرج ضحكاته من أعماق قلبه لقصص وطرائف ما اعتاد أن يسمعها من قبل.
اقرأ أيضاً: حكواتي: لا مكان لفيلٍ أبيضٍ هنا بعد
كانت الصدمة كبيرة حين وصلا إلى بلدة مغدوشة، وهي بلدة شرق مدينة صيدا الجنوبية. بدأ الصعود من الساحل نحو الجبل. فبلدتنا جرجوع تعلو 850 متراً عن سطح البحر. وما إن حاولت البيك آب الصعود مستنفدة كلّ جهد لقدرتها، توقّف المحرك. فرمى السائق زجاجة البيرة من يده وصرخ "اخترب بيتي".
نزلا من الشاحنة، والسائق بين الحياة والموت، بحسب وصف خالي. اقترب الحاج حسن منه محاولاً تهدئته، وقال له: "هذا نصيبنا لا تحزن، "ما بتكون إلا مبسوط، سآتي بميكانيكي، انتظرني". واستقلّ الحاج حسن سيّارة أجرة وعاد بعد نصف ساعة برفقة ميكانيكي. عاين المحرّك وقال إنّ العطل يستوجب فكّاً لتصليحه وإعادة تركيبه خلال ساعات. فلم يترك خالي المجال للسائق للتفاوض، بل سارع إلى اتّخاذ قرار المباشرة بالعمل.
بدأ الميكانيكي بالتصليح، وأكمل خالي تخفيف المصاب عن أبو كامل. مضى بعض الوقت وقبل العشاء بقليل سارا معا إلى محل قريب فاشترى خالي بعض المأكولات والأشياء المسلية لتمضية الليل، وزجاجة نبيذ.
اقرأ أيضاً: 5 أشخاص ماتوا وهم يضحكون
أنهى الميكانيكي تصليح المحرك ظهر اليوم التالي، وطلب سبعين ليرة أجرة تصليحه، وقبل أن يطلب السائق من الحاج حسن أن يدفع فاتورة التصليح، بادره بأن دفعها بنفسه وقال له: "بعد قليل نصل جرجوع ونتحاسب وما بتكون إلا مبسوط".
أكمل السائق الرحلة الطويلة، بين العذاب والتعب، برفقة صديق لن يريحه من الأكل والشرب، والضحك. ولم تنتهِ الرحلة إلا بغناء وعتابا علا فوق صوت الشاحنة.
وصل المولد إلى جرجوع. طلب خالي من زوجته تحضير القهوة لصديقهم الجديد. وفي لحظة هدوء بعد عناء طويل، أحضر خالي الخمسين ليرة وأعطاها للسائق بحسب الاتفاق. نظر السائق إلى الخمسين ثمّ إلى خالي، غير مصدّق: "ع أساس ما بكون إلا مبسوط؟".
هنا استحضر خالي كلّ لحظات الرحلة من نكات وضحك وغناء وأكل وشرب وسأله بدوره: "ما كنت مبسوط؟ كنت رح تموت من البسط والضحك".
اقرأ أيضاً: كم ينقصنا الضحك نحن العرب
يضحك من أعماق قلبه، وسرعة بديهته سلاحه الفتّاك. يحمل بجعبته موسوعة أحداث وطرائف امتاز بطريقة سردها. ومحبّوه يطلبون منه أن يعيد على مسامعهم رواياته دئماً.
في لقائنا الأخير طلبت منه أن يخبرني كيف أوصل مولّد الكهرباء من بيروت إلى بلدتنا جرجوع جنوب لبنان مطلع الثمانينيات. وأزعم أنّه سبق وروى لي هذه القصة عشرات المرّات، وكلّما طلبتها يبتسم ويقول: لن أخبرك كيف حصلت عليه، هذه قصّة أخرى، سأخبرك كيف نقلته إلى جرجوع:
اقرأ أيضاً: جرائم منزلية طريفة
"كان المولّد موجوداً في موقف للسيارات بمنطقة الغبيري في ضاحية بيروت الجنوبية. أردت نقله إلى منزلي الجديد بجرجوع. وهو كبير يكفي لإنارة حيّ كامل. طوله متران ووزنه أطنان. قصدت جارنا أبو كامل الذي يملك شاحنة نقل صغيرة (بيك آب). شرحت له حاجتي، فرفض. إذ إنّ المسافة طويلة وشاحنته محرّكها شبه معطّل وقدرتها ضعيفة".
حاول خالي أن يبسّط الأمر بأن أوهم السائق بصغر حجم المولد وبأنّ البلدة قريبة. وبعد أخذ وردّ وإلحاح شديد اتّفقا على نقله مقابل خمسين ليرة. كلّ هذا قبل أن يرى الرجل حجم المولّد. واتّجها نحوه.
حين شاهد أبو كامل المولّد صرخ رافضاً نقله ولاغياً الاتفاق. فهو أكبر ممّا وصفه خالي بكثير. تدخّل خالي ليقنعه بأنّ الموضوع أبسط مما يعتقد، فإذا سار على مهل لا خوف على البيك آب. عندها أضاف الرجل: "ناهيك عن قدرة البيك آب يستحيل نقله بالمبلغ المتفق عليه"، قاطعه خالي: "لا داعي لنقاش المبلغ، ما بتكون إلا مبسوط". فوافق أبو كامل على مضض بعدما شعر بارتياح لوعد خالي بأنّه لن يكون نادماً وأنّ نهاره سيكون مربحاً. فبدأ صاحب الونش بحمل المولّد ووضعه بصندوق الشاحنة الصغيرة.
اقرأ أيضاً: حكواتي: قصّة السنّ الأوّل
يقول خالي كاد أن يغمى على صاحب البيك آب حين وضع المولد عليها، إذ انخفض مستوى الشاحنة حتى كادت تلامس الأرض. فوراً ربّت خالي على كتفه وكرّر: "ما بتكون إلا مبسوط". وانطلق البيك آب بالمولّد وخالي جلس إلى جانب السائق. وقبل أن يشكو الرجل من صعوبة سير الشاحنة الواضح وارتفاع صوت محرّكها بدأ خالي بالتودّد والتحبّب منه، وراح يسترسل برواياته المسلية والمضحكة. ولم تغب النكتة عن لسان خالي ولا الضحكة عن وجه السائق طوال الرحلة.
وصل البيك آب بالمولّد إلى خلدة بصعوبة، والمسافة التي ينبغي أن يقطعها في ربع ساعة استغرقت ساعة. شعر خالي بتململ السائق، ورغبته بالعزوف عن استكمال المسير خوفاً على الشاحنة مصدر رزقه الوحيد، فكرّر: "ما بتكون إلا مبسوط". وطلب منه التوقف أمام محل واشترى مناقيش وزجاجات بيرة. انطلق الرجل من جديد بصحبة صديقه الجديد يحتسي البيرة، ويخرج ضحكاته من أعماق قلبه لقصص وطرائف ما اعتاد أن يسمعها من قبل.
اقرأ أيضاً: حكواتي: لا مكان لفيلٍ أبيضٍ هنا بعد
كانت الصدمة كبيرة حين وصلا إلى بلدة مغدوشة، وهي بلدة شرق مدينة صيدا الجنوبية. بدأ الصعود من الساحل نحو الجبل. فبلدتنا جرجوع تعلو 850 متراً عن سطح البحر. وما إن حاولت البيك آب الصعود مستنفدة كلّ جهد لقدرتها، توقّف المحرك. فرمى السائق زجاجة البيرة من يده وصرخ "اخترب بيتي".
نزلا من الشاحنة، والسائق بين الحياة والموت، بحسب وصف خالي. اقترب الحاج حسن منه محاولاً تهدئته، وقال له: "هذا نصيبنا لا تحزن، "ما بتكون إلا مبسوط، سآتي بميكانيكي، انتظرني". واستقلّ الحاج حسن سيّارة أجرة وعاد بعد نصف ساعة برفقة ميكانيكي. عاين المحرّك وقال إنّ العطل يستوجب فكّاً لتصليحه وإعادة تركيبه خلال ساعات. فلم يترك خالي المجال للسائق للتفاوض، بل سارع إلى اتّخاذ قرار المباشرة بالعمل.
بدأ الميكانيكي بالتصليح، وأكمل خالي تخفيف المصاب عن أبو كامل. مضى بعض الوقت وقبل العشاء بقليل سارا معا إلى محل قريب فاشترى خالي بعض المأكولات والأشياء المسلية لتمضية الليل، وزجاجة نبيذ.
اقرأ أيضاً: 5 أشخاص ماتوا وهم يضحكون
أنهى الميكانيكي تصليح المحرك ظهر اليوم التالي، وطلب سبعين ليرة أجرة تصليحه، وقبل أن يطلب السائق من الحاج حسن أن يدفع فاتورة التصليح، بادره بأن دفعها بنفسه وقال له: "بعد قليل نصل جرجوع ونتحاسب وما بتكون إلا مبسوط".
أكمل السائق الرحلة الطويلة، بين العذاب والتعب، برفقة صديق لن يريحه من الأكل والشرب، والضحك. ولم تنتهِ الرحلة إلا بغناء وعتابا علا فوق صوت الشاحنة.
وصل المولد إلى جرجوع. طلب خالي من زوجته تحضير القهوة لصديقهم الجديد. وفي لحظة هدوء بعد عناء طويل، أحضر خالي الخمسين ليرة وأعطاها للسائق بحسب الاتفاق. نظر السائق إلى الخمسين ثمّ إلى خالي، غير مصدّق: "ع أساس ما بكون إلا مبسوط؟".
هنا استحضر خالي كلّ لحظات الرحلة من نكات وضحك وغناء وأكل وشرب وسأله بدوره: "ما كنت مبسوط؟ كنت رح تموت من البسط والضحك".
اقرأ أيضاً: كم ينقصنا الضحك نحن العرب