حكايتان: موت صديقة... وحياة داخل أنف

20 يوليو 2014
"الحياة في أنف أفضل من أماكن أخرى"(الصورة لمايك كامبGetty)
+ الخط -
موت صديقة

 يومياً في الصباح كنتُ أخرج لأجدها واقفةً أمام بيتنا.
هي نظرتها ذاتها لم تتغير منذ عرفتها صغيراً وهي صغيرة.

من شدّة طيبتها كانت تخجل أن تطرد العصافير التي تقف على رأسها وتدخل بين خصلات شعرها.

لذا كنت أسرع وألقي نحوها بحجر صغير، لتبعد عنها وتطير.
وأخلّصها من ذلك الضجيج الذي تصنعه زقزقة العصافير في رأسها.

كثيراً ما قصصتُ لها ما شاب من شعرها.
وعلى كتفها كانت قد وشمتْ قلباً وحرفاً.

لم أجرؤ على سؤالها، مرّةً، إن كانت قد أحبّت صاحب الحرف أم لا.
كنت أخشى أن تجيب بـ"نعم"، فيضيع حبي لها هباءً.

كنت أخشى أن تجيب بـ"لا" فأشفق عليها.
كنت أخشى أن تكون خرساء.

البارحة، وعلى غير عادة، لم تكن واقفة أمام البيت.
كانت أشلاؤها متناثرة في الشارع. كان هناك طفل يجرّ شعرها على الأرض.

وفي منتصف القلب الذي رسمته على كتفها، انغرزت شظيّة.
ماتت صديقتي الشجرة.                    

******                            

الأنوف 

عائلتنا مميزة بالأنوف الكبيرة. جميع أفراد عائلتنا يمتلكون أنفاً كبيراً. أتذكّر حين كنتُ طفلاً، جاء رجال الأمن ليلقوا القبض على أبي. فاختبأ داخل أنف جدي.

اختبأ داخل أنفه لمدّة ثلاثة أيام، وكانت أمي تدخل له طعامه وشرابه إلى داخل مخبئه.
جدّتي مثلاً كنت دائماً أراها تدخل القشّ في أنفها، وعندما كبرتُ عرفت أنّ ذلك كان بسبب تربيتها بعض العصافير داخل أنفها.

أخي الصغير هو الوحيد الذي يمتلك أنفاً صغيراً مقارنة بأنوفنا، رغم ذلك لم يتمكّن من المشي إلى اليوم، رغم تجاوز عمره العشرة أعوام.

المسكين يعاني من مشكلة في التوازن. كلما حاول الوقوف يسقط على وجهه بسبب الثقل الذي يحمله تحت عينيه.
وها أنا... أكتب لكم من داخل أنف أمي. قمت بتجهيزه ببعض الأثاث منذ فترة وأقضي معظم وقتي داخله.

المشكلة الوحيدة التي أعاني منها أنّه كلّما عطست أمي يتوجب علي إعادة ترتيب الأثاث من جديد.
لكنّها ليست بالمشكلة الكبيرة... تبقى الحياة في أنف أفضل من أماكن أخرى... حيث يحيا البعض.

دلالات
المساهمون