حكايات وأساطير شجرة السدرة في غزة

09 يونيو 2020
تقع الشجرة وسط منطقة أثرية (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -
يحتضن أحد أقدم الأحياء السكنية في مدينة غزة شجرة السدرة المعمرة، على مفترق لأربعة طرق رئيسية، لتصبح شاهدة على العديد من الحكايات والأساطير التي تُروى عنها بشكل متواصل ودون توقف.
وتلفت الشجرة المنتصبة، وهي من فصيلة شجر "السدر" (النبق)، إلى الشرق من مدينة غزة، وفي منطقة حي الدرج تحديدًا، أنظار المارة، وتتوسط ميداناً صغيراً، دون القدرة على إزالتها؛ إذ "يُصاب كل من يحاول إزالتها بأذى"، وفق جيرانها. ويثار حول الشجرة العديد من الحكايات، والتي لا تتوقف الأجيال المتعاقبة عن سردها، إلى أن باتت استحالة إزالتها وقطعها من المكان، قناعة راسخة لدى أهالي المنطقة، الذين باتوا يتباركون بها، ويستخدمون أوراقها للعلاج من بعض الأمراض. ويستذكر أهالي الحي الرواية الشهيرة التي تقول إن جهاتٍ حاولت قطع الشجرة، أكثر من مرة، إلا أن الجرافة، كانت تصاب بعطب فور بدء مهمتها. فيما يشكك البعض في صحة الروايات التي يتناقلها السكان، حول الشجرة "المُباركة"، والتي يتجاوز عمرها حاجز القرنين، وأنَّها محض روايات بعيدة عن الواقع وخيالية إلى حد كبير.
وتُعتبَر شجرة السدرة، والتي باتت معلمًا هامًا من معالم مدينة غزة وتاريخها، أقدم شجرةٍ في غزّة، وتقعُ على مفترق طرق، إذ لا تعيق حركة السير، وتعطي شكلًا هندسيًا يتناسب مع أية تحسينات في الشوارع المؤدية إليها أو المنطقة المحيطة بها.
وقد وزعت بلدية غزة نشرة عن آثار مدينة غزة، تضمنت الشجرة التي أطلق عليها اسم "سدرة الخروبي"، وذلك نسبة إلى عائلة الخروبي، حيث يقال إنَّ أحد أفرادها من قام بزراعة تلك الشجرة. وأحيطت الشجرة المعمرة بجدار إسمنتي لحمايتها من السيارات، فيما احتوى الدوار الصغير على قبر لولي صالح اسمه محمد الخروبي، فيما تمتد جذور الشجرة أسفل الأرض لعشرات الأمتار، الأمر الذي يجعل من إزالتها أمرًا صعبًا ومستحيلًا.

ويستذكر الستيني طلال زويد، ذكرياته مع الشجرة المُسنة، قائلًا: "كُنا نلعب بالقرب من الشجرة منذ نعومة أظافرنا، وكبرنا وكبرت معنا، ولا نتوقف عن سماع القصص والحكايات عنها، منها ما هي قصص حقيقية، وأخرى لا تتعدى كونها أساطير". ويضيف زويد لـ "العربي الجديد"، أن القوافل التي كانت تصل إلى مدينة غزة، كانت تستظل بظل الشجرة القديمة، قائلًا: "في إحدى المرات، اصطدمت مقطورة بالشجرة، ما أدى إلى كسر غصن من أغصانها ووفاة السائق بعد أن سقطت الكابينة عليه، كذلك تعطل الكثير من الآليات التي حاولت اقتلاعها".
من جانبه؛ يقول الثلاثيني محمد زويد إنّ "الشجرة تضم رفات وليٍّ من الأولياء. ويتبارك الناس من أوراق الشجرة بالعلاج، إذ يحضر للحصول على أوراقها أشخاص من شمال قطاع غزة حتى جنوبه، كما أن عدداً من الشيوخ يصف أوراقها كعلاجٍ للمَس". ويوضح لـ "العربي الجديد"، أن شبان الحي يقومون بالاعتناء بالشجرة، وبتنظيف محيطها. كما أنَّهم لا يقبلون أن يتم الاعتداء عليها، أو أن يتم قصها على اعتبار أنها ركن أصيل وأساسي، مضيفًا: "نغار على الشجرة، ونعتز بها". ولا يزال أطفال الحي يأكلون من ثمار "النبق" أو "التمور". ويقول الطفل رجب راشد (12 عامًا)، إنه يجتمع مع أصدقائه لالتقاط الثمار اللذيذة، فيما يساعدهم بعض كبار السن على الوصول إلى أغصان تلك الثمار العالية.
وتقع شجرة السدرة وسط منطقة أثرية، تُعرف بغزة القديمة، حيث عثر أصحاب المنازل القريبة من الشجرة على أعمدة وتيجان رخامية وجدران من الطوب اللبن، وهي جدران مدينة غزة في العصر البرونزي. كما أن منطقة السدرة موجودة أسفل تل يسمى "تل الخروبة"، وهي البلدة القديمة لمدينة غزة في ذلك العصر. ويحدُّ شجرة السدرة من الناحية الجنوبية، مسجد السيد هاشم، ويعتبر من أقدم مساجد غزة، ويقع في حي الدرج، في المنطقة الشمالية لمدينة غزة القديمة. فيما تحيط بها المباني والمتاجر العتيقة، وتوجد في مدينة غزة بالتحديد طبقات أثرية تعود إلى عصور قديمة جداً، أبرزها العصر البرونزي القديم، وهو عصر المدن الكنعانية.
دلالات
المساهمون