01 نوفمبر 2024
حقوق الإنسان بين الاستخفاف والتواطؤ والتزوير
رأى المقال السابق لصاحب هذه السطور، في "العربي الجديد" (25/8/2017) أن الاستخفاف بإنساننا قد يؤدي إلى الاستخفاف بإنسانهم، وأكد أن اعتبار الإنسان وحرمة نفسه إنما يستند إلى قاعدة أساسية في المساواة بين بني الإنسان كلهم سواء بسواء، لا يفرق بين إنسان وإنسان، مهما اختلف لونه أو جنسه أو دينه أو تمايزت هويته. وبناءً على ذلك، أكد أن بعض دول الغرب قد تسهم في قتل إنسان الشرق الأوسط في بلادنا من دون أدنى رادع، وافترست النظم الاستبدادية المواطنين من غير تعقيب، وحصدت أمراض، مثل الكوليرا، بعض النفوس، تخطت الآلاف. ومن كثرة الضحايا، صرنا لا نحصى الأعداد، وصار القتل طقسا يوميا. هنا استكمال لهذه الرؤية بمشاهد ثلاثة.
الأول، في دولة ميانمار التي كان يحكمها العسكر، كانت هناك معارِضة صارت الآن رئيسة للوزراء بعد التخلص من انقلاب العسكر، كان ذلك بمساعدة الغرب، ومساندة الدول التي تدّعي حماية حقوق الإنسان، ولكن في عهد رئيسة الوزراء تلك تكرّرت أحداث أدت إلى القتل على الهوية، ويعد الضحايا المسلمون ربما بالآلاف، مذابح جماعية للنساء والأطفال والرجال، تهجير قسري لقرى بكاملها، حرق مساجد، إجهاض حوامل، تكسير عظام، معتقلين قبل قتلهم. وقد حصلت تلك المرأة على جائزة نوبل للسلام، وهي ترتكب هذا القتل والجرائم ضد الإنسانية ضمن حالة نفاق دولي، فقط في الآونة الأخيرة بدأت الدول الغربية تهتم بما يحدث في ميانمار. ماذا يمكن أن يؤشر هذا المشهد بشأن حقوق الإنسان؟ إنه يوضح ذلك التواطؤ والنفاق الدولي
في ذلك البلد الذي تكرّر فيه الاستخفاف والقتل على الهويةـ، فهل تعطى "نوبل للسلام" لمن يقتلون النفوس بلا أدنى رحمة وبكل قسوة، من دون أي اعتبار لكرامة الإنسان وحرمة كيانه.
المشهد الثاني في مصر، ذلك أن حادثا مروعا وقع، وكان حادث طريق أدى إلى مقتل خمسة عشر نفسا وأكثر من أربعين مصابا على طريق محافظة تسمى بني سويف، وخرجت علينا وزيرة التضامن الاجتماعي لتتحدث عن مساعدة لكل من لقي حتفه قدرها خمسمئة جنيه، ولكل من أصيب مئتي جنيه. ولتقريب الأمور، ما يحصل عليه من تعويض من الدولة لا يتعدى العشرين دولارا. مرة أخرى، نحن أمام بورصة الإنسان، إنسان لا ثمن له، ولا قيمة تعوض نفسه بالملاليم، فحينما يحدث ذلك فتعوض النفوس في الغرب، فإن الأمر يتخطى الملايين. يشير هذا المشهد إلى أمر أخطر ما يكون، أن الانسان في بلدنا ليس له من ثمن، وأن الدولة المسؤولة عنه، وعن أمنه وأمانه، لا تقيم له وزنا، نقول ذلك، وقد تأكد أن المستبد حينما يستخف بحرمة النفوس لا يمكنه أن يقدّر قيمة أي نفس. ومن هنا، سنرى من سيقتل بالمئات ببراميل متفجرة، ويقتل المستبد من شعبه بلا عدد من دون محاسبة أو مساءلة ، بل هو الذي يقلب المعادلة ويعاقب الضحايا ومن كان معهم، يطاردهم ويقدّمهم لمحاكماتٍ وفق اتهامات ملفقة.
هل أتاك حديث مذبحة ميدان رابعة العدوية، والمذابح التي سبقتها وتلك التي لحقتها، وكيف قتل الضحايا في اعتصامهم، ومن تبقوا منهم طردوا، ولفقت لهم القضايا ونصبت لهم المحاكمات؟ هل أتاك حديث بشار الجزار، حينما أباد جزءا من شعبه، وهجّر أكثر من نصف الشعب السوري، ثم يقول أنه نتج عن العملية شعب متجانس. يستأصل ويهجر نصف شعبه، ويقول إن ذلك كان مدخلا للتجانس، بل إنه يعبر في بجاحة قائلا: ليس كل من عاش على أرض سورية يستحق مواطنيتها، وإن كل أجنبي على أرضها، وقد دعم سورية إنما هو جزء منها، أتصدّقون؟ قرّر المستبد أن يختار مواطنيه، ويحددهم وفق معاييره، وأن يضبط شعبه على مقاسه. هل أتاك حديث المنقلب، حينما أوعز إلى سدنة إعلامه وإفكه أن من لا يعجبه الوضع يجب أن "يغور". هكذا يتصوّر هؤلاء الإنسان، لا حق له، فإن اختلف معهم قتلوه أو طردوه أو هجّروه. والمؤسف حقا أن يمارس هؤلاء الجنسية عقوبة فيعاقبوا كل هؤلاء بجنسيتهم ومواطنيتهم.
يتعلق المشهد الثالث بقرار من الإدارة الأميركية بإيقاف قدر من المعونة العسكرية لمصر. قالوا مبررين ذلك إنه بسبب الملف المتعلق بحقوق الإنسان، وأحال بعضهم إلى أن هذا إنما يرتبط
بالقانون الذي يتعلق بالجمعيات والمجتمع المدني تحت دعوى مكافحة التمويل الأجنبي. وتمر الأيام لتخرج في الصحافة الأميركية تفسيرات مستأنفة، فيتحدث بعضهم أن الأمر لا يخص حقوق الإنسان من قريب أو بعيد، لكنه يتعلق بالكشف عن علاقات بالنظامين، المصري والكوري الشمالي. واجتهدت الآراء في ترجيح تفسيرٍ هنا أو هناك. والشاهد في الحدث إنما يتعلق بأن هؤلاء، حتى حينما يتحدثون عن حقوق الإنسان في وطننا، فإنهم لا يقصدونها في ذاتها، وإنما يجعلون في حقوق الإنسان غلافا لمصالح دفينة، وإلا فلماذا لا ينتفضون قبل ذلك، من أجل حقوق إنسان قتل وشرد وطورد واعتقل.
إنها الحقيقة والمأساة الكبرى، إنسان مستخف به في وطنه تقتله الأنظمة بلا رحمة أو هوادة. ليس له من ثمن. دماؤه أرخص شيء في المعادلة. القتل يتم على الهوية، أو يمارس من أقرب طريق عند معارضة طريق نظامه المستبد. العالم الغربي يتواطأ لتحقيق مصالحه. رحمة بإنساننا الذي اتفق على قتله القاصي والداني، ونقول بأعلى صوت أليست هذه نفسا.
هذه المشاهد الثلاثة إنما تشكل قيمة الإنسان في بورصة حقوق الإنسان، وتؤكد، ومن كل طريق، أن العنصرية لا تزال تلعب دورا فيما يتعلق بتطبيقات العهد الدولي لحقوق الإنسان، وأن حالة حقوق الإنسان في العالم لازالت الجغرافيا والحدود الحضارية تتحكم بها. إنسان يموت بلا حساب في أرضه، وآخر تنتفض له الدنيا، كيف يمكننا أن نتصرّف مثل هؤلاء الذين خرجوا في تظاهرة في إسبانيا، ينتفضون فيها من أجل حقوق الإنسان، ولا يتهمون الأديان، ويؤكدون أن الإنسان هو الإنسان في كل مكان. هل يمكن أن يتعلم الجميع درس الإنسان.
الأول، في دولة ميانمار التي كان يحكمها العسكر، كانت هناك معارِضة صارت الآن رئيسة للوزراء بعد التخلص من انقلاب العسكر، كان ذلك بمساعدة الغرب، ومساندة الدول التي تدّعي حماية حقوق الإنسان، ولكن في عهد رئيسة الوزراء تلك تكرّرت أحداث أدت إلى القتل على الهوية، ويعد الضحايا المسلمون ربما بالآلاف، مذابح جماعية للنساء والأطفال والرجال، تهجير قسري لقرى بكاملها، حرق مساجد، إجهاض حوامل، تكسير عظام، معتقلين قبل قتلهم. وقد حصلت تلك المرأة على جائزة نوبل للسلام، وهي ترتكب هذا القتل والجرائم ضد الإنسانية ضمن حالة نفاق دولي، فقط في الآونة الأخيرة بدأت الدول الغربية تهتم بما يحدث في ميانمار. ماذا يمكن أن يؤشر هذا المشهد بشأن حقوق الإنسان؟ إنه يوضح ذلك التواطؤ والنفاق الدولي
المشهد الثاني في مصر، ذلك أن حادثا مروعا وقع، وكان حادث طريق أدى إلى مقتل خمسة عشر نفسا وأكثر من أربعين مصابا على طريق محافظة تسمى بني سويف، وخرجت علينا وزيرة التضامن الاجتماعي لتتحدث عن مساعدة لكل من لقي حتفه قدرها خمسمئة جنيه، ولكل من أصيب مئتي جنيه. ولتقريب الأمور، ما يحصل عليه من تعويض من الدولة لا يتعدى العشرين دولارا. مرة أخرى، نحن أمام بورصة الإنسان، إنسان لا ثمن له، ولا قيمة تعوض نفسه بالملاليم، فحينما يحدث ذلك فتعوض النفوس في الغرب، فإن الأمر يتخطى الملايين. يشير هذا المشهد إلى أمر أخطر ما يكون، أن الانسان في بلدنا ليس له من ثمن، وأن الدولة المسؤولة عنه، وعن أمنه وأمانه، لا تقيم له وزنا، نقول ذلك، وقد تأكد أن المستبد حينما يستخف بحرمة النفوس لا يمكنه أن يقدّر قيمة أي نفس. ومن هنا، سنرى من سيقتل بالمئات ببراميل متفجرة، ويقتل المستبد من شعبه بلا عدد من دون محاسبة أو مساءلة ، بل هو الذي يقلب المعادلة ويعاقب الضحايا ومن كان معهم، يطاردهم ويقدّمهم لمحاكماتٍ وفق اتهامات ملفقة.
هل أتاك حديث مذبحة ميدان رابعة العدوية، والمذابح التي سبقتها وتلك التي لحقتها، وكيف قتل الضحايا في اعتصامهم، ومن تبقوا منهم طردوا، ولفقت لهم القضايا ونصبت لهم المحاكمات؟ هل أتاك حديث بشار الجزار، حينما أباد جزءا من شعبه، وهجّر أكثر من نصف الشعب السوري، ثم يقول أنه نتج عن العملية شعب متجانس. يستأصل ويهجر نصف شعبه، ويقول إن ذلك كان مدخلا للتجانس، بل إنه يعبر في بجاحة قائلا: ليس كل من عاش على أرض سورية يستحق مواطنيتها، وإن كل أجنبي على أرضها، وقد دعم سورية إنما هو جزء منها، أتصدّقون؟ قرّر المستبد أن يختار مواطنيه، ويحددهم وفق معاييره، وأن يضبط شعبه على مقاسه. هل أتاك حديث المنقلب، حينما أوعز إلى سدنة إعلامه وإفكه أن من لا يعجبه الوضع يجب أن "يغور". هكذا يتصوّر هؤلاء الإنسان، لا حق له، فإن اختلف معهم قتلوه أو طردوه أو هجّروه. والمؤسف حقا أن يمارس هؤلاء الجنسية عقوبة فيعاقبوا كل هؤلاء بجنسيتهم ومواطنيتهم.
يتعلق المشهد الثالث بقرار من الإدارة الأميركية بإيقاف قدر من المعونة العسكرية لمصر. قالوا مبررين ذلك إنه بسبب الملف المتعلق بحقوق الإنسان، وأحال بعضهم إلى أن هذا إنما يرتبط
إنها الحقيقة والمأساة الكبرى، إنسان مستخف به في وطنه تقتله الأنظمة بلا رحمة أو هوادة. ليس له من ثمن. دماؤه أرخص شيء في المعادلة. القتل يتم على الهوية، أو يمارس من أقرب طريق عند معارضة طريق نظامه المستبد. العالم الغربي يتواطأ لتحقيق مصالحه. رحمة بإنساننا الذي اتفق على قتله القاصي والداني، ونقول بأعلى صوت أليست هذه نفسا.
هذه المشاهد الثلاثة إنما تشكل قيمة الإنسان في بورصة حقوق الإنسان، وتؤكد، ومن كل طريق، أن العنصرية لا تزال تلعب دورا فيما يتعلق بتطبيقات العهد الدولي لحقوق الإنسان، وأن حالة حقوق الإنسان في العالم لازالت الجغرافيا والحدود الحضارية تتحكم بها. إنسان يموت بلا حساب في أرضه، وآخر تنتفض له الدنيا، كيف يمكننا أن نتصرّف مثل هؤلاء الذين خرجوا في تظاهرة في إسبانيا، ينتفضون فيها من أجل حقوق الإنسان، ولا يتهمون الأديان، ويؤكدون أن الإنسان هو الإنسان في كل مكان. هل يمكن أن يتعلم الجميع درس الإنسان.