يذهب اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر بعيداً صوب الجنوب تاركاً ممثليه يشاركون في حملة ضد رئيس حكومة الوفاق، فائز السراج، ومديراً ظهره لجهود الأمم المتحدة، التي تطمح قريباً إلى جمع الأطراف الليبية في ملتقى وطني لتقرير مصير الانتخابات والدستور، بل لم يلق بالاً حتى لنتائج زيارة المبعوث الأممي، غسان سلامة، أخيراً إلى سبها (جنوب شرق)، واستمر مرور أرتال عساكره صوب الحدود الليبية-التشادية لملاحقة مقاتلي المعارضة التشادية الذين أصبحوا يتحصنون داخل مناطق ليبية في استضافة حلفائهم من قبيلة التبو، وصولاً إلى مناطق في العمق التشادي، بالتوازي مع قرب قيام رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بزيارة
وذكر موقع "إنفو نيوز إسرائيل" الناطق باللغة الفرنسية، أمس الإثنين، أن بنيامين نتنياهو سيزور تشاد لمدة ساعات للقاء الرئيس إدريس ديبي إتنو، وذلك بعد شهرين من زيارة تاريخية قام بها الأخير إلى إسرائيل في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لاستكمال مناقشة ملفات التعاون بين البلدين، مبيناً أن من بين تلك القضايا قضية الحدود مع ليبيا.
ولا يبدو أن حفتر هذه المرة يتحرك بمفرده، فالغارة التي شنتها طائراته على تمركز للمعارضة التشادية في منطقة كوري بوكدي، التي تبعد عن الحدود الليبية داخل الأراضي التشادية بـ100 كيلومتر تقريباً تشير إلى تنسيق مع النظام التشادي. كما أكد المتحدث باسم قوات المعارضة التشادية، محمد الطاهر ارديمي، أن طيران حفتر شن غارة على موقع تابع للمعارضة التشادية لتقديم الدعم لحلفائه من قوات "العدل والمساواة" السودانية، لافتاً إلى وقوع اشتباكات، بين تلك القوات، وذلك يومي الأحد والإثنين الماضيين.
وتدعم تصريحات ارديمي الدعوة التي وجهها المجلس العسكري، على صفحته الرسمية، لكل فصائل المعارضة التشادية، إلى سرعة التوجه إلى منطقة كوري بوكدي، لإنقاذ الجمهورية المعارضة، مؤكداً وجود مواجهات مسلحة هناك.
لكن أسباباً أخرى، بحسب ارديمي، قد تكون دفعت حفتر للتوجه إلى الجنوب، فخلال الأسبوع الماضي وقعت قوات مني اركو مناوي رئيس حركة "جيش تحرير السودان" (أبرز فصائل حركة العدل والمساواة السودانية)، الموالية لحفتر، في كمين نصبته لها قوات المعارضة التشادية، يقول ارديمي إنها "كانت تتحرك في الطريق الرابط بين قاعدة الجفرة وسط ليبيا باتجاه القطرون جنوباً قريباً من الحدود التشادية". ولفت إلى "فقدها الكثير من عتادها"، مضيفاً: "نستطيع القول إن مشروع حفتر في الجنوب أصبح على المحك بعدما خسر أحد أهم ألويته التي يعول عليها في حرب الصحراء".
ولعل اللافت أيضاً إعلان "الكتيبة 166" وكتيبة "خالد بن الوليد"، أبرز كتائب حفتر، السبت الماضي، عن توجههما بكامل عتادهما إلى الجنوب الليبي، تطبيقاً لأوامر مباشرة من حفتر، ضمن "عملية عسكرية جديدة"، دون توضيح مزيد من التفاصيل، بينما أفادت وسائل إعلام مقربة من اللواء المتقاعد، بتكليف اللواء ونيس بوخمادة قائد القوات الخاصة، بقيادة عمليات الجنوب الجديدة، لافتةً إلى توجه طلائع عدّة وإمدادات عسكرية قبل أيام إلى الجنوب، دون تحديد أماكن تمركز تلك القوات وقواعدها.
وجاء الإعلان بالتوازي مع اجتماع موسع عقده حفتر، أخيراً، في القاعدة العسكرية بالمرج، شرق البلاد، مع عدد من قادة قواته، لبحث خطط عسكرية للسيطرة على الجنوب الليبي.
وتشير المعطيات إلى خلطة جديدة من التحالفات الجديدة تضم رئيس التشاد إدريس ديبي إتنو ورئيس حركة تحرير السودان، مني اركو مناوي، الذي يتحدر من أصول قبلية ينتمي لها ديبي نفسه، ربما كانت سبباً في ربط التحالف بينهما، وحفتر من جانب آخر، إلى جانب علاقة في الظل مع إسرائيل.
وبالعودة إلى التطورات في الجنوب الليبي، فمن غير المستبعد أن تكون زيارة نتنياهو، لانجمينا على علاقة بالعملية العسكرية على الحدود الليبية.
وكانت صحف إسرائيلية ودولية، من بينها موقع "ديبكا" الاستخباراتي، قد أكدت أن رئيس تشاد ناقش خلال زيارته لإسرائيل نهاية نوفمبر الماضي ملف الحدود مع ليبيا وقضية الحركات المعارضة لنظامه التي تنتشر في مناطق الحدود حتى عمق الأراضي الليبية، بل أكد الموقع أن ديبي طلب مشاركة إسرائيل في مقاومة تلك الحركات التي وصفها بـ"الإرهابية"، أما القناة العاشرة العبرية فقد أكدت أن ديبي قدم طلبات عاجلة لنتنياهو من بينها دعم أمني وعسكري عاجل لنظامه.
ويعتقد مراقبون أن توجه حفتر صوب الجنوب جاء بعد زيارات قام بها إلى تشاد للقاء التشاد إدريس ديبي إتنو، لتنسيق الجهود بهدف تضييق الخناق على القوات التي تعارض النظام التشادي، ومحاولة إنهائها، في مقابل مصالح مشتركة تتيح لحفتر السيطرة على الجنوب بمساعدة تشادية، وربما فرنسية من وراء الستار.
ويتضمن إعلان كتائب حفتر عن توجهها إلى الجنوب إشارة لكونه ضمن "عملية جديدة"، ما يؤكد أن أهدافاً أخرى لحفتر وحلفائه الجدد في الجنوب قد يسعون لها، إذ لم يعد يعول حفتر على حلفائه السابقين من قبائل التبو، الذين اعتمد عليهم كلياً في الفترات السابقة، بل وجه كتائبه الأبرز للعملية الجديدة، كون مقاتلي المعارضة التشادية ينتمي بعضهم لهذه القبيلة، كما قد يعكس عدم ثقة قبائل الجنوب الأخرى فيه وعدم رغبتها في دعمه بمقاتلين من أبنائها.
ويبدو أن أهداف العملية الجديدة قد تتجاوز الجنوب الليبي المرتبط أساساً بدول جوار مثل الجزائر وتشاد والسودان، وفي كل هذه التفاصيل لا بد أن تكون فرنسا حاضرة، والتي ترى أن حفتر لديه القدرة على خوض حرب لها بالوكالة.
علاقة حفتر بإسرائيل
علاقة حفتر بإسرائيل لم تعد خافية، فالرجل نفسه صرح برغبته في التعامل مع إسرائيل في تصريحات علنية في ديسمبر/كانون الأول 2014، كما أن صحفاً عبرية مقربة من "الموساد" أكدت علاقته بجهاز المخابرات الإسرائيلي، ومشاركة طيران إسرائيلي بتقديم الدعم له في العمليات القتالية، بحسب مصادر مطلعة لصحيفة "ميدل إيست آي" البريطانية، وغير بعيد علاقته برجل المخابرات الإسرائيلي، آري بن مناشي، التي كشف تفاصيلها المستشار السياسي لحفتر، المنشق عنه، محمد بوصير، في ديسمبر 2017، مؤكداً أنه وفر له كافة الاتصالات مع إسرائيل وأبرم معه عقداً بقيمة 6 ملايين دولار للترويج له في أوساط غرف صناعة القرار الأميركي.