حصاد الانتخابات التركية: فوز لأردوغان ودروس لحزبه... وصعود لليمين

25 يونيو 2018
كان واضحاً تجديد الثقة بأردوغان (عيسى تيرلي/الأناضول)
+ الخط -


اجتازت تركيا، الأحد، محطة الانتخابات، بعد شهرين ونصف من الاستعدادات، بنتائج غير متوقعة، أسفرت عن فوز الرئيس رجب طيب أردوغان بالرئاسة من المرحلة الأولى، وتحقيق حلفه النجاح في البرلمان، إلا أنّه فوز يُعتبر باهتاً، لا سيما مع الرسائل العديدة التي كشفتها النتائج.

وبحسب نتائج نهائية غير رسمية، فقد تمكّن أردوغان من تحقيق أكثر من 52% من أصوات الناخبين، ليحسم الانتخابات من الجولة الأولى، دون الحاجة لجولة انتخابات رئاسية ثانية.

وتمكّن "الحلف الجمهوري" ("العدالة والتنمية" مع "الحركة القومية" اليميني القومي المتشدد) من تحقيق 53٪ من الأصوات في البرلمان، محققاً أكثر من 340 مقعداً في البرلمان الجديد من أصل 600، فيما حقق "حلف الشعب" ("الشعب الجمهوري" و"الحزب الجيد" المنشق عن الحركة القومية)، 34٪ من الأصوات، وقارب "حزب الشعوب الديمقراطي" الكردي الـ11٪ من الأصوات، واجتاز بذلك العتبة الانتخابية، ليدخل البرلمان بـ66 نائباً.

وبقراءة معمّقة للنتائج، وفوز أردوغان، تكشف حقيقة توزّع الأصوات، تغيّر المزاج العام للشارع التركي، وظهور خارطة سياسية جديدة في البلاد، منها ارتفاع أصوات اليمين مقابل تراجع لـ"حزب العدالة والتنمية" الحاكم منذ 16 عاماً، في حين تمكّن "حزب الشعوب الديمقراطي" الكردي من دخول البرلمان، الأمر الذي أراح الوضع الداخلي من اضطرابات منتظرة، في حال بقي الحزب الكردي خارج قبته.

النتيجة التي حققها أردوغان بالفوز على منافسه محرم إنجه مرشح حزب "الشعب الجمهوري" المعارض، ضربت نتائج معظم استطلاعات الرأي التي كانت تتوقع جولة ثانية من الانتخابات، ولكن كان واضحاً تجديد الثقة بأردوغان، بحصوله على نسبة أصوات أكثر بقليل من التي حصل عليها في الانتخابات الرئاسية السابقة في العام 2014، وخاصة في ظل الظروف الراهنة، وهو ما لم يحققه أي زعيم سياسي تركي.

ومقابل هذا النجاح الكبير في انتخابات الرئاسة، فشل أردوغان في الحصول على الأصوات نفسها في البرلمان عبر حزبه "العدالة والتنمية"، الذي حصل على نسبة أقل من الأصوات في الانتخابات الأخيرة التي شارك بها الحزب، ولم يتجاوز الحزب هذه المرة عتبة الـ300 نائب، بتحقيقه نحو 42% من الأصوات، في مقابل 49% في آخر انتخابات تشريعية جرت في 2015.

ولولا تحالف "العدالة والتنمية"، مع "الحركة القومية" في "الحلف الجمهوري"، لكان تعرّض الحزب الحاكم لانتكاسة كبيرة في البرلمان، وخاصة أنّ حزب "الشعوب الديمقراطي" تمكّن من دخول البرلمان، وحصل على نحو 66 نائباً في البرلمان، كانوا ليكونوا من حصة "العدالة والتنمية".


هذا الوضع يشير وبشكل مباشر، إلى أنّ الناخب التركي الذي جدّد الثقة بأردوغان، وجّه له إنذاراً عبر حزب "العدالة والتنمية"، خاصة أنّ الجو العام كان يشير إلى أنّ هذه الانتخابات تسبق أزمة اقتصادية متوقعة، فضلاً عن أنّ تراجع "العدالة والتنمية" يُعتبر نزيفاً أصاب الحزب، لصالح حزب "الجيد"، وفق مراقبين.

ومن النجاحات التي حقّقها أردوغان، تمكّنه من العودة لنغمة الفوز بأكبر الولايات التركية؛ وهي إسطنبول وأنقرة، والمحافظة على عمق الأناضول والبحر الأسود، حيث كان حزب "العدالة والتنمية"، قد خسر دعم الولايتين في استفتاء التعديلات الدستورية الأخيرة التي جرت العام الماضي، وهو يدل على أنّ الولايتين لقنتا أردوغان درساً في الاستفتاء، وأعادتا له الثقة في هذا الانتخابات، بانتظار المرحلة المقبلة.

وسجّلت الانتخابات البرلمانية، مفاجأة أخرى، تمثلّت بتحقيق حزب "الحركة القومية" بقيادة دولت باهتشلي أكثر من 11% من الأصوات، رغم أنّ استطلاعات الرأي كانت تشير إلى أنّه سيحصل على 5% من الأصوات، لانشقاق حزب "الجيد" عنه، فضلاً عن هجرة أعضائه بسبب حلفه مع أردوغان، ولكن هذه النتائج تشير إلى تصاعد لليمين القومي المتشدد، وتظهر أيضاً أنّ صوت اليمين المحافظ الذي كان يجذبه أردوغان قد انتقل لحزب "الجيد".

ورغم أنّ أردوغان اعتبر أنّ النجاح جيد مع "الحركة القومية" في البرلمان، إلا أنّ باهتشلي معروف عنه تشدّده في العمل التشاركي مع حزبه، ما حدا بأوساط متابعة إلى طرح تساؤلات عن مدى إمكانية أن ينجح التعاون بين الحليفين، في ظل معطيات عن وجود مطالب لـ"الحركة القومية" لم يوافق عليها أردوغان سابقاً، وسيضطر حالياً للموافقة عليها تحت تأثير الواقع الجديد، منها منح الحزب القومي وزارات ومؤسسات حكومية يديرها، وهو ما يعني خارطة إدارية جديدة في البلاد.


ولعل تمكّن حزب "الجيد" من تحقيق نتيجة تجاوزت العتبة الانتخابية، هو نجاح آخر يُضاف للحزب، حيث تمكّن من أول انتخابات وبفترة قصيرة، من دخول البرلمان، وبات الحزب الخامس فيه، ولكنّه يعاني على ما يبدو من عدم وجود قيادات بديلة عن ميرال أكشنر، وفي حال تمكّن من إيجاد ذلك، لربما سيكون له مستقبل في جبهة المعارضة في الانتخابات المقبلة، مع الأصوات التي حصل عليها في الانتخابات البرلمانية، رغم أنّ أكشنر حصلت على نتيجة ضعيفة في انتخابات الرئاسة بلغت 7% من الأصوات.

أما حزب "الشعب الجمهوري" ومرشحه محرم إنجه، فإنّه حصل على نتيجة يمكن قراءتها من أكثر من زاوية، أولها تمكّنه من الحصول على نسبة قاربت 31% من الانتخابات الرئاسية، وهي نسبة جيدة لحزب "الشعب الجمهوري"، ما يقربه من تولّي رئاسة الحزب بدلاً عن كمال كلجدار أوغلو، علماً أنّ القاعدة الانتخابية التقليدية للحزب في العقد الأخير، تبلغ 25% من إجمالي الناخبين تقريباً.

والنقطة الثانية المتعلّقة بالحزب المعارض، هي تحالفه مع حزب "الشعوب الديمقراطي" الكردي، بتصويت أنصاره لصالح الحزب الكردي وقيادته، للوصول إلى قبة البرلمان في المناطق ذات الغالبية الكردية.

وقدرت نسبة الأصوات التي انتقلت من قواعد "الشعب الجمهوري" إلى الحزب الكردي، بنحو 2-3%، وأكثر ما يوضح ذلك بحسب المراقبين، هو نسبة الأصوات التي حصل عليها مرشح "الشعوب الديمقراطي" صلاح الدين دميرطاش الذي وصل لحاجز 8% في الانتخابات الرئاسية، ووفق هذه النتجية فإنّ الحزب الكردي كان سيبقى خارج البرلمان، فجاءه المدد من "الشعب الجمهوري"، وعادة ما يلجأ هذا الحزب لهذه التكتيات مع حلفائه.

المساهمون