وهذا نص المقابلة:
ما زلنا في مرحلة التفاوض، ومن المقرر أن نلتقي مع رئيس الحكومة، حبيب الصيد، بداية هذا الأسبوع، لاستئناف المفاوضات، خاصة بعدما اقترحت الحكومة زيادة الأجور بقيمة 40 ديناراً، وهذا وفق تقديرنا إهانة للموظفين ولطبقة الشغيلة. ومن هنا أريد ان أؤكد أنه من المستحيل القبول بهذه الزيادة، خاصة وأننا لم ننه مفاوضات الزيادة في الأجور لسنة 2014 بعد، والتي كان من المقرر البت فيها من خلال اتفاق كان يجب أن يتم إبرامه في شهر مارس/آذار الماضي.
*في ظل رفضكم حجم الزيادة على الأجور المقترح من قبل الحكومة، ما هو سقف الزيادة الذي تطالبون بالوصول إليه؟
أؤكد أننا نرفض وبشكل قاطع الزيادة المقترحة من الحكومة، كونها لن تغطي حاجيات العمال ولن تغطي عجز قدرتهم الشرائية، في ظل التضخم الحاصل والمتراكم. أما في ما يتعلق بسقف الزيادة فلم نحدده، ولكن الاتحاد سيناضل من أجل زيادة إجمالية تقدر بـ 35% لمدة 3 سنوات، بحيث يمكن أن تخلق التوازن بين الراتب والقدرة الشرائية.
وحالما ينتهي الاتفاق على مفاوضات 2014، سنصدر بياناً مشتركاً مع الحكومة لإعلان الانطلاق في المفاوضات الاجتماعية لسنتي 2015 - 2016 وعلى أساس كل اتفاق سنقترح زيادة معينة، بحيث لا توجد أرقام ونسب نهائية.
*هل ترون أن الزيادة في أجور موظفي القطاع العام بنسبة 35% كافية وتلبي طموحات هؤلاء الموظفين؟
لا ليس كافياً مع تدهور الوضع الاقتصادي الراهن وارتفاع الأسعار غير المبرر، والتضخم وازدياد معدلات الفقر، ولكن هذه الزيادة إن تم إقرارها تبقى أفضل من لا شيء.
*بالتوازي مع الزيادة في الأجور، ما هي الإجراءات الأخرى التي ستطالبون بها لحماية طبقة الشغيلة؟
طبعاً سيكون مع الاتفاق النهائي حول الزيادة في الأجور مطلب نقابي مشدد على تجميد الأسعار ومراجعة أغلبها، خاصة في المواد الأساسية، وإلا فإن الوضع الاقتصادي الراهن يؤشر إلى انفجار اجتماعي وشيك وفوضى اجتماعية لن نستطيع كبح جماحها في حال انفلتت. فالجوع كافر ولا يمكن أن نمنع أحداً من الإضراب في حال استمرت مأساته الاقتصادية والاجتماعية.
*ما الذي يعيق تحقق الاتفاقيات التي تقومون بها مع الحكومات؟
منذ انتخابات 2011 دخلنا مرحلة التفاوض دون انقطاع مع الحكومة، لتحقيق مبدأ من مبادئ الثورة، أي العدالة الاجتماعية. ومع كل حكومة نتوصل إلى حزمة اتفاقات ولكن لا تنفذ، ثم تأتي حكومة أخرى وتضع تلك الاتفاقات في أدراجها وتتجاهلها وهكذا دواليك... ولو أن الحكومة الحالية تنفذ وتفعل حزمة الاتفاقات فإن 80% من مشاكل طبقة الشغيلة في تونس ستحل دون اللجوء إلى أي إضراب أو تعطيل للمسار الاقتصادي.
*بالوقوف على معطى الإضراب، يقول بعضهم إن الاتحاد العام التونسي للشغل يعطل النمو الاقتصادي ويتساهل في زيادة حدة الإضرابات، التي باتت تحصى بالآلاف وخسائرها بمئات المليارات؟
طبعاً لا أحد يمكن أن يشكك في دورنا الوطني ونحن من أنقذ تونس في 2013 من انزلاق نحو االسيناريو المصري والليبي وحتى السوري. وبالتالي نحن نحل الأزمات ولا نختلقها، وهذه الاتهامات مردودة إلى أصحابها. أما في ما يتعلق بالإضرابات فـ 90 % منها قانوني وتحركها مطالب مهنية قبل أن تكون مادية. أما في ما يتعلق ببعض الإضرابات الأخرى فهي لا تعنينا بل تهم الحكومة التي تتجاهل مطالب القائمين بها.
*420 ألف دينار خسائر إضرابات أعوان النقل ومليارا دولار خسائر فسفاط قفصة و680 ألف دينار خسائر إضرابات قطاع الصحة والقائمة تطول، فهل هذه الأرقام خاطئة؟
بالنسبة لشركة فسفاط قفصة، فلم يقم عمالنا بالإضرابات فيها، إذ إن العاطلين عن الشغل يغلقون مسالك التوزيع وطرق تنقل شاحنات الشركة. وبالنسبة لإضراب النقل فهو نتيجة رفض الحكومة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في سنوات سابقة، وبالنسبة للصحة وغيرها فهي مطالب مهنية على الحكومة أن تتحرك لحلها. وبالتالي يمكن أن تقوم الحكومة بوقف هذه الإضرابات عبر تحقيق المطالب، ولا يلام العمال على أية خسائر، كونهم يطالبون بحقوقهم.
*كيف ترى معادلة تقسيم الثروة في تونس اليوم؟
يجب القول إن تقسيم الثورة في تونس اليوم قائم على المعادلة التالية: 20% من ثروة البلاد توزع على 80% من أبنائها المفقرين وضعاف المقدرة الشرائية، و 80% من ثروة البلاد يستحوذ عليها 20% من المتمولين ورجال الأعمال الذين يتمتعون بامتيازات الاستثمار، ولكنهم لا ينفذون المشاريع بحجة الوضع الأمني وخطر الإرهاب.
*هل وصلت رياح الثورة إلى الهيكلية التشغيلية في تونس وقوانينها؟
للأسف لم تصل رياح الثورة بعد إلى المنظومة التشغيلية، بل ظلت كما كانت، أي قائمة على استغلال الأجير وانتهاك حقوقه وتحرمه من التغطية الاجتماعية، وتمتص دمه بقانون الجباية المجحف، الذي يفرض على الأجير دفع الضريبة في حين أن صاحب العمل يتهرب منها من خلال الامتيازات. وهذا ما سنعمل على تغييره وتنقيحه وسنراجع مجلة الشغل وفق ما يقتضيه الدستور.
*ماهو موقفكم من مشروع الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص في تونس؟
لا مجال للشراكة بين القطاعين العام والخاص، ولا مجال للمزيد من بيع مؤسساتنا الحكومية للقطاع الخاص ولو على جثثنا ولن نمنحهم فرصة كسب الامتيازات على حساب أُجرائنا ولن نرضخ لشروطهم المجحفة لاستثمار أموالهم في تونس، واستغلال عرق الأُجراء وإضعاف الدولة وإنهاك مؤسساتها وتعميق أزمة الشغل في تونس، وإضعاف الميزان التجاري والمقدرة الشرائية. إنهم يحتمون بقانون جبائي من "أفسد" القوانين في تونس اليوم. طبعا دائماً أستثني بعضهم القليلين من القائمين على القطاع الخاص، الذي يراهن على الاستثمار ويشغل آلاف العاطلين عن العمل. نحن لدينا رؤيتنا في صيغة معينة للشراكة، وليست كتلك التي يتم التداول بها ويعمل على تكريسها أصحاب المال والأعمال.
*ماذا عن مستقبل العاملين في المؤسسات المصادرة، التي تعيش عجزاً مالياً اليوم مثل بريكوراما؟
قدمنا دراسة بشأن كل هذه المؤسسات للحكومات المتعاقبة، ومنها بريكوراما، وطالبنا إما ببيعها بكل شفافية في عرض بيع قانوني، وإما إحالتها للمُلك العام وتسوية وضعية إجرائها. ولن نقبل بأي خيار آخر ولن نقبل بأية إجراءات تعسفية حكومية على العاملين فيها.
*ماذا عن الدراسة الأخيرة التي أثبتت أن الموظف التونسي يعمل فقط 8 دقائق، هل يستحق الدفاع عنه لزيادة أجره؟
طبعاً هذا هراء هدفه ضرب الاتحاد العام التونسي للشغل، إذ لا يوجد ما يثبت أن الموظف التونسي يعمل 8 ساعات لا بل يقتطع من راتبه في حال الغياب... هذه دراسات لتشويه الموظف التونسي سواء في القطاع العام أو الخاص.
*ما هي محاور مفاوضاتكم الاجتماعية في المرحلة المقبلة؟
التنمية العادلة والعدالة الجبائية، ولن نقبل بخصخصة مؤسسات الدولة مطلقاً، نحن ندافع عن الأجراء واتحاد الارعاف يدافع عن المؤجرين وكل وفق آلياته النقابية.
*كيف ترون المستقبل الاقتصادي لتونس؟
مؤشرات الاقتصاد الوطني خطيرة والوضع الاقتصادي القادم مقلق في حال استمرت الحكومة باللامبالاة والتعامل مع الاقتصاد بطريقة رجعية، قائمة على منوال التنمية القديم واعتماد المديونية والاقتراض لحل مشاكل اقتصادية مزمنة. وبالتالي من الضروري إعادة بناء الاقتصاد وفق سياسة عملية تراهن على الاستثمار ومقاومة الفساد والتهريب خاصة.
*كيف تقيمون حضور رجال الأعمال التونسيين في المشهد الاقتصادي الوطني؟
طبعا أغلبيتهم يركض وراء الامتيازات ويتهرب من دفع الضرائب. وأغلبهم يدعم المركزية الاقتصادية ويرفض الاستثمار في المناطق الداخلية. عدد كبير من رجال الأعمال في تونس يسكنون برجهم العاجي في منظمة الارعاف ويسعون لخصخصة كل مؤسسات الدولة ليدعموا أكثر منطق استغلال العمال. اغلبهم يرى في تونس فقط مكان سكن ويشغل أمواله خارجها. وقد ساعدهم الكم الهائل من الامتيازات وخاصة فساد القوانين.
*وقفتم عند العديد من المشاكل والحقائق الخطيرة، ولكنكم لم تصارحوا بها الشعب التونسي حتى اللحظة، فماذا تنتظرون؟
لحظة المصارحة آتية، ولن يطول انتظارها فنحن بصدد التحضير لمجموعة من الندوات الصحافية، التي ستكون منبراً لكشف الحقيقة ومصارحة الشعب بالواقع الاقتصادي الصعب والخطير، وسنطالب الحكومة بمصارحة الشعب وكشف كل ملفات الفساد والتجاوزات في المجال الاقتصادي.
*كنتم قد أطلقتم مبادرة حوار وطني للحرب على الإرهاب؟ هل هي عودة للشأن السياسي أم ضرورة حتمتها الأحداث؟
طبعاً الشأن الأمني العام لتونس ليس حكراً على السياسيين، كلنا مسؤولون عنه ودعوتنا تندرج ضمن هذا الإطار، نحن لا نعمل لتسجيل بطولات نقابية أو سياسية معينة، ولكننا رأينا بعد أحداث باردو أن تونس تنحرف نحو منزلق خطير وهو الإرهاب في تمظهراته الخطيرة، مما حتم علينا إعلان هذه المبادرة والتي تسير بالتوازي مع مبادرة الحوار الوطني التي أنقذ بها الاتحاد تونس من أتون الحرب والتفكك. اليوم نطلق هذه المبادرة التي حقيقة لم تجد تجاوباً عملياً واضحاً من الأطراف السياسية الحاكمة وغيرها، ولكننا سنعمل على تفعيلها وتطبيقها لحماية الوطن.
اتحاد الشغيلة... من تاريخ تونس
تأسس الاتحاد العام التونسي للشغل في العام 1946، خلال المؤتمر الذي انعقد بالمدرسة الخلدونية. وقد ضم أول مكتب له الزعيم فرحات حشاد كاتباً عاماً، والشيخ محمد الفاضل بن عاشور رئيساً.
وجاء تأسيس الاتحاد بعد فشل محاولتين سابقتين لتأسيس منظمة نقابية وطنية؛ هما جامعة عموم العملة التونسية الأولى في العشرينيات ثم الثانية في الثلاثينيات. يعمل الاتحاد منذ نشأته كمنظمة نقابية وطنية ديمقراطية مستقلة عن كل التنظيمات السياسية، تستمد شرعيتها وقوتها وقراراتها من القواعد العمالية. مقرها المركزي تونس العاصمة، وتضمّ جميع الشغالين بالفكر والساعد والمتقاعدين منهم.
ومن أهم أهدافه توحيد وتنظيم جميع الشغالين بالفكر والساعد والمتقاعدين منهم على النطاق الوطني، والنهوض بأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، والارتقاء بوعيهم والدفاع عن مصالحهم المعنوية والمادية. كما يعمل الاتحاد على إنشاء اقتصاد وطني مستقل متحرر من كل تبعية، وتحقيق توزيع عادل للثروات الوطنية بما يضمن طموحات جميع الشغالين والفئات الشعبية. الدفاع عن الحريات العامة والفردية وترسيخ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. دعم الاتحاد النقابي لعمال المغرب العربي والاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب، من أجل الدفاع عن حقوق الطبقة العاملة العربية وبناء التكامل الاقتصادي.
بطاقة
حسين العباسي، يلقّبه التونسيون بـ"النقابي الحديدي". سنة 1973، تحمّل أول مسؤولية نقابية، ومن ثم انتخب عضواً في الاتحاد الجهوي في القيروان. وفي 2006، انتخب عضواً بالمركزية النقابية.