01 نوفمبر 2024
حزب الله والانعطافة نحو إسرائيل
بعد أن ضَعُف "الخطر التكفيري"، وتراجع، هل يتقدَّم الاهتمام عمليا وفعليا، عند حزب الله إلى الخطر الإسرائيلي؟
لم تكفّ إسرائيل عن ملاحقة نشاط حزب الله، بالمتابعة المعلوماتية، والضربات العسكرية، حتى وهو في حمأة تورُّطه في الاقتتال المُتعدِّد الأطراف في سورية، في خروجٍ واضح عن حدود مهمّته الأساسية، فيما يُفترَض، وهي لبنان: تحرير ما تبقّى من أرضه المحتلَّة، وحمايته من التعدِّيات والانتهاكات الإسرائيلية. وإن كان الحزب الذي أصبح أكثرَ إعلانا لولائه لإيران، جادَل في أن هذا الانخراط في الحرب الدائرة في سورية، وعليها، كان أيضا لسببٍ يعود إلى لبنان وأمنه، ولكن المرَّة أمام ما سمّاه "الخطر التكفيري" الذي لن ينحصر نطاقُه وأثره (بحسب تقديره) في سورية، أو العراق؛ فكان لا بدّ من الاستباق.
والسؤال: هل بعد التطوُّرات التي أضعفت تنظيم داعش، وتكاد تُبدِّد خطرَه الكياني، بعد هزيمته في الموصل، وتضييق الخناق عليه في معقله الثاني في الرقّة السورية، وبعد الضعف النسبي للجماعات الأخرى، من جبهة فتح الشام (جبهة النصرة)، وسواها ممّا يقاربها؛ بسبب مآلات التدخُّل الروسي الواسع النطاق، بالتوافق مع الولايات المتحدة، ودول إقليمية مهمّة، وهي تركيا وإيران، وبعد الأزمة الخليجية التي يُفضي استمرارُها إلى تنحية الموضوع السوري، عن سابق مكانته، هل بعد ذلك كله يتَّجه الحزبُ أكثر إلى الخطر الإسرائيلي؟
ما تدلُّ عليه المؤشِّرات أنّ استئناف التصعيد، أو المواجهة بين حزب الله وإسرائيل، مُسبَّب بأسبابٍ ودوافع إسرائيلية أكثر ممّا هو عائد إلى حزب الله، على الأقل في المرحلة الراهنة، مع أن تلك الأسباب والدوافع الإسرائيلية ليست مطلقة الفاعلية، إذ ثمّة أثمان ليست هيِّنة، تجعل صانع القرار في إسرائيل لا يندفع إلى تلك المنطقة البالغة الكُلَف.
وفي هذا الإطار، جاءت تأكيدات المشاركين في مؤتمر هرتسيليا السابع عشر، "التوازن
الاستراتيجي الفرص والمخاطر" أنَّ الخطر الأكبر على إسرائيل يتمثَّل في التهديد المحتمَل الذي يشكِّله حزبُ الله على حدودها الشمالية. وفي هذا الصدد، صرَّح رئيس المعهد الإسرائيلي للسياسة والإستراتيجية، والمسؤول الأمني السابق الرفيع المستوى، عاموس جلعاد، إنه "في وقتٍ يتراجع فيه نفوذُ تنظيم الدولة الإسلامية، أخذ تحالفٌ جديد عوضا عنه يبرز تدريجيا، تحت مرمى أنظارنا الذي يتمثل في التفاف كلٍّ مِن حزب الله والأسد وإيران على بعضهم بعضا. وحذَّر جلعاد بأن الإيرانيين معنيُّون بجبهة جديدة في الجولان، ويعزِّزون حزب الله ستان". وكذلك لا يعدَم أن يكون لحزب الله أسباب ودوافع محتملة، لعلَّ أهمها متطلَّبات إيرانية تبادر إلى ذلك.
ما أهمُّ الدواعي الإسرائيلية؟ أكثرُ ما يشغل إسرائيل قوَّةُ الردع، وألا تتعاظم قوة حزب الله العسكرية، بامتلاكه أسلحة إستراتيجية نوعية تخلّ بقوة الردع تلك. ولذلك ظلّت تتعقَّب نشاطّه، عبر الأراضي السورية، كما في أيِّ منطقة أخرى، كما في سفن السلاح التي قبضت إسرائيلُ عليها في سواحل السودان، بحسب ما نشر "الشاباك". ولذلك، من شأن المعلومات التي تؤكِّد مصادرُ إسرائيلية صحَّتها عن إنشاء إيران مصنعين لإنتاج صواريخ فاتح 110 لحزب الله في لبنان أنْ تزيد، ولو نظريا، احتمالات توجيه ضربة، ولو محدودة (إذا أمكن) لإجهاض هذا المسعى النوعي، كما في ظروفٍ مختلفة سابقة، أجهضت البرنامج النووي العراقي، عام 1981، بتدميرها مفاعل "تموز1" تدميرا كاملا.
ففي مؤتمر هرتسيليا، أكَّد رئيس شعبة الاستخبارات (أمان)، اللواء هيرتسي هليفي، ذلك رسميًّا، فقد قال إنه "في السنة الأخيرة تعمل إيران على إقامة بنيةٍ تحتيةٍ لإنتاج ذاتيّ للسلاح الدقيق في لبنان، وفي اليمن أيضا". وأوضح "لا يمكننا أن نبقى لامبالين تجاه هذا، ولن نبقى".
ووَفْق تقرير نُقِل عن مجلة Intelligence Online الاستخباراتية الفرنسية، فإن الحرس الثوري الإيراني يبني مصنعين للأسلحة في منطقة الهرمل، وعلى الساحل بين صور وصيدا، ويُرجِّح أنَّ مصنع الهرمل ينتج صواريخ "الفاتح 110" الذي يبلغ مداه 300 كيلو متر، وقادر على حمل رؤوس متفجِّرة زنة 400 كيلوغلرام، كما سيتم بناء طبقاتٍ من التحصينات فوق الموقعين، علما أن المصنعين ليسا بذاتيهما السبب، وإنما يندرجان في السبب العام، وهو تعاظم قوة حزب الله. ولذلك، يتحدث خبراء ومتابعون إسرائيليون عن صيرورة حزب الله "جيشا حقيقيًّا مع تجربة قتالية غنيّة من سبع سنوات قتال على الأراضي السورية، مع قدراتٍ متطوِّرة في المجالين العملياتي والاستخباري، ومع ترسانةٍ هائلة من نحو 150 ألف صاروخ".
وإذا كان مجرَّد تعاظم قوة حزب الله العسكرية تعزِّز احتمالات حربٍ إسرائيلية عدوانية عليه، وعلى لبنان، فإن فتح جبهة جديدةٍ في الجولان، يشترك فيها حزب الله، سيكون دافعا أكثر إلحاحا لنقل المعركة إلى لبنان.
مع أن هذا الاحتمال له ما يحُدّ منه، إذ ليست إيران وحدها في سورية، فروسيا التي بينها وبين إسرائيل تنسيقٌ لا ينقطع هي الحاضر الأوضح على الساحة السورية، وإليها مع الولايات
المتحدة، يعود رسْمُ المناطق الآمنة، ولا سيما في المناطق القريبة من الجولان المحتلّ، تلك المناطق الآمنة التي تريدها إسرائيل درعًا لها من المَمرِّ البرِّي التي تعمل إيران على تكريسه إلى لبنان، مرورا بالعراق وسورية.
وهذا لا يغيب عن بال صُنَّاع القرار في إسرائيل؛ إذ يُقرّ وزير الحرب، أفيغدور ليبرمان، بحدود قدرة اسرائيل. يقول: "ممنوع أن نطوِّر جنون العظمة. اللعبة هي الآن بين روسيا والولايات المتحدة"، وقال: "هناك مصالح دولية، لا يمكننا التأثير فيها". موضّحا أنه بدون مشاركة إسرائيل في المحادثات: "لدينا القدرة على إيصال رسائلنا ومواقفنا، ونحن نتحدث مع جميع الأطراف".
وفيما يتعلق بإيران ودَفْعها، أو توظيفيها حزب الله أداةً في حربها، قد يكون مستبعدا حدوثُ ذلك، ما دام الاتفاق النووي مع أميركا والدول الغربية نافذا، وما دامت إيران تأمل في احتفاظها بدور يرضيها في سورية.
وعلى الصعيد الإستراتيجي إقليميا، تحاول إسرائيل تفعيل مساحات الاتفاق في المصالح المشتركة مع ما تسمِّيها دولَا عربية سنية معتدلة تتخوَّف من الخطر الإيراني المتوسِّع، كما في العراق وسورية، والأكثر إمعانا واقترابا، اليمن، أكثر مما تتخوّف من إسرائيل، بل يبلغ بها، أو ببعض التوجهات غير الهامشية فيها، إلى حصر العداء في إيران. وعموما، لا تزال المنطقة والإقليم منهمكين في صراعات، جديدة، أو في ترسيم حظوظ كلّ طرفٍ من حصاد الصراعات الأقدم، ولا يزال حزب الله، على الأرجح؛ بحكم انخراطه في الحسابات الإقليمية الأوسع، مضطرا إلى مواصلة جُلّ انهماكه الفعلي في تلك المناطق غير الناجزة، وحتى إشعار آخر.
لم تكفّ إسرائيل عن ملاحقة نشاط حزب الله، بالمتابعة المعلوماتية، والضربات العسكرية، حتى وهو في حمأة تورُّطه في الاقتتال المُتعدِّد الأطراف في سورية، في خروجٍ واضح عن حدود مهمّته الأساسية، فيما يُفترَض، وهي لبنان: تحرير ما تبقّى من أرضه المحتلَّة، وحمايته من التعدِّيات والانتهاكات الإسرائيلية. وإن كان الحزب الذي أصبح أكثرَ إعلانا لولائه لإيران، جادَل في أن هذا الانخراط في الحرب الدائرة في سورية، وعليها، كان أيضا لسببٍ يعود إلى لبنان وأمنه، ولكن المرَّة أمام ما سمّاه "الخطر التكفيري" الذي لن ينحصر نطاقُه وأثره (بحسب تقديره) في سورية، أو العراق؛ فكان لا بدّ من الاستباق.
والسؤال: هل بعد التطوُّرات التي أضعفت تنظيم داعش، وتكاد تُبدِّد خطرَه الكياني، بعد هزيمته في الموصل، وتضييق الخناق عليه في معقله الثاني في الرقّة السورية، وبعد الضعف النسبي للجماعات الأخرى، من جبهة فتح الشام (جبهة النصرة)، وسواها ممّا يقاربها؛ بسبب مآلات التدخُّل الروسي الواسع النطاق، بالتوافق مع الولايات المتحدة، ودول إقليمية مهمّة، وهي تركيا وإيران، وبعد الأزمة الخليجية التي يُفضي استمرارُها إلى تنحية الموضوع السوري، عن سابق مكانته، هل بعد ذلك كله يتَّجه الحزبُ أكثر إلى الخطر الإسرائيلي؟
ما تدلُّ عليه المؤشِّرات أنّ استئناف التصعيد، أو المواجهة بين حزب الله وإسرائيل، مُسبَّب بأسبابٍ ودوافع إسرائيلية أكثر ممّا هو عائد إلى حزب الله، على الأقل في المرحلة الراهنة، مع أن تلك الأسباب والدوافع الإسرائيلية ليست مطلقة الفاعلية، إذ ثمّة أثمان ليست هيِّنة، تجعل صانع القرار في إسرائيل لا يندفع إلى تلك المنطقة البالغة الكُلَف.
وفي هذا الإطار، جاءت تأكيدات المشاركين في مؤتمر هرتسيليا السابع عشر، "التوازن
ما أهمُّ الدواعي الإسرائيلية؟ أكثرُ ما يشغل إسرائيل قوَّةُ الردع، وألا تتعاظم قوة حزب الله العسكرية، بامتلاكه أسلحة إستراتيجية نوعية تخلّ بقوة الردع تلك. ولذلك ظلّت تتعقَّب نشاطّه، عبر الأراضي السورية، كما في أيِّ منطقة أخرى، كما في سفن السلاح التي قبضت إسرائيلُ عليها في سواحل السودان، بحسب ما نشر "الشاباك". ولذلك، من شأن المعلومات التي تؤكِّد مصادرُ إسرائيلية صحَّتها عن إنشاء إيران مصنعين لإنتاج صواريخ فاتح 110 لحزب الله في لبنان أنْ تزيد، ولو نظريا، احتمالات توجيه ضربة، ولو محدودة (إذا أمكن) لإجهاض هذا المسعى النوعي، كما في ظروفٍ مختلفة سابقة، أجهضت البرنامج النووي العراقي، عام 1981، بتدميرها مفاعل "تموز1" تدميرا كاملا.
ففي مؤتمر هرتسيليا، أكَّد رئيس شعبة الاستخبارات (أمان)، اللواء هيرتسي هليفي، ذلك رسميًّا، فقد قال إنه "في السنة الأخيرة تعمل إيران على إقامة بنيةٍ تحتيةٍ لإنتاج ذاتيّ للسلاح الدقيق في لبنان، وفي اليمن أيضا". وأوضح "لا يمكننا أن نبقى لامبالين تجاه هذا، ولن نبقى".
ووَفْق تقرير نُقِل عن مجلة Intelligence Online الاستخباراتية الفرنسية، فإن الحرس الثوري الإيراني يبني مصنعين للأسلحة في منطقة الهرمل، وعلى الساحل بين صور وصيدا، ويُرجِّح أنَّ مصنع الهرمل ينتج صواريخ "الفاتح 110" الذي يبلغ مداه 300 كيلو متر، وقادر على حمل رؤوس متفجِّرة زنة 400 كيلوغلرام، كما سيتم بناء طبقاتٍ من التحصينات فوق الموقعين، علما أن المصنعين ليسا بذاتيهما السبب، وإنما يندرجان في السبب العام، وهو تعاظم قوة حزب الله. ولذلك، يتحدث خبراء ومتابعون إسرائيليون عن صيرورة حزب الله "جيشا حقيقيًّا مع تجربة قتالية غنيّة من سبع سنوات قتال على الأراضي السورية، مع قدراتٍ متطوِّرة في المجالين العملياتي والاستخباري، ومع ترسانةٍ هائلة من نحو 150 ألف صاروخ".
وإذا كان مجرَّد تعاظم قوة حزب الله العسكرية تعزِّز احتمالات حربٍ إسرائيلية عدوانية عليه، وعلى لبنان، فإن فتح جبهة جديدةٍ في الجولان، يشترك فيها حزب الله، سيكون دافعا أكثر إلحاحا لنقل المعركة إلى لبنان.
مع أن هذا الاحتمال له ما يحُدّ منه، إذ ليست إيران وحدها في سورية، فروسيا التي بينها وبين إسرائيل تنسيقٌ لا ينقطع هي الحاضر الأوضح على الساحة السورية، وإليها مع الولايات
وهذا لا يغيب عن بال صُنَّاع القرار في إسرائيل؛ إذ يُقرّ وزير الحرب، أفيغدور ليبرمان، بحدود قدرة اسرائيل. يقول: "ممنوع أن نطوِّر جنون العظمة. اللعبة هي الآن بين روسيا والولايات المتحدة"، وقال: "هناك مصالح دولية، لا يمكننا التأثير فيها". موضّحا أنه بدون مشاركة إسرائيل في المحادثات: "لدينا القدرة على إيصال رسائلنا ومواقفنا، ونحن نتحدث مع جميع الأطراف".
وفيما يتعلق بإيران ودَفْعها، أو توظيفيها حزب الله أداةً في حربها، قد يكون مستبعدا حدوثُ ذلك، ما دام الاتفاق النووي مع أميركا والدول الغربية نافذا، وما دامت إيران تأمل في احتفاظها بدور يرضيها في سورية.
وعلى الصعيد الإستراتيجي إقليميا، تحاول إسرائيل تفعيل مساحات الاتفاق في المصالح المشتركة مع ما تسمِّيها دولَا عربية سنية معتدلة تتخوَّف من الخطر الإيراني المتوسِّع، كما في العراق وسورية، والأكثر إمعانا واقترابا، اليمن، أكثر مما تتخوّف من إسرائيل، بل يبلغ بها، أو ببعض التوجهات غير الهامشية فيها، إلى حصر العداء في إيران. وعموما، لا تزال المنطقة والإقليم منهمكين في صراعات، جديدة، أو في ترسيم حظوظ كلّ طرفٍ من حصاد الصراعات الأقدم، ولا يزال حزب الله، على الأرجح؛ بحكم انخراطه في الحسابات الإقليمية الأوسع، مضطرا إلى مواصلة جُلّ انهماكه الفعلي في تلك المناطق غير الناجزة، وحتى إشعار آخر.
مقالات أخرى
01 أكتوبر 2024
15 سبتمبر 2024
27 اغسطس 2024