21 فبراير 2018
حروب بلا خرائط
الرصاصات التي استقرت في قلب السفير الروسي في أنقرة أمام الكاميرات جريمة، لكنها جريمةٌ تلخص المشهد العسكري والسياسي في منطقةٍ تعج بالصراعات السائلة، في العراق وسورية وتركيا واليمن ومصر والأردن وليبيا وأفغانستان… المنطقة كلها تغلي، وتجرّ العالم بأسره إلى أتون حروبٍ جديدة، وبؤر توتر جديدة.
تقصف فرنسا الموصل، فيرد أبو بكر البغدادي في نيس بشاحنة تدهس مئات المدنيين على شاطئ البحر، ويحاصر أردوغان الأكراد في الجبال، فيضربون في وسط إسطنبول. يترك الغرب الجرح السوري يتعفّن، فينقل "داعش" معركته إلى ألمانيا وأميركا وإنكلترا… يهين الغرب بوتين، فيرد عليهم في حلب. يرفع باراك أوباما الحصار الاقتصادي عن إيران، فتدفع السعودية السلاح للمقاتلين في سورية لإسقاط الأسد حليف طهران الأول في المنطقة. تشن الرياض حرباً على الحوثيين في اليمن، فتحول إيران مليشيات الحشد الشعبي في العراق إلى جيشٍ شيعيٍّ، يطالب بدم الحسين في الموصل وحلب، وغداً في الرياض والكويت والمنامة… إنها حربٌ بلا حدود، ولا خرائط، ولا أسلحة تقليدية، ولا قواعد، ولا أعراف،.. فوضى غير خلاقة تدمّر الإنسان، وتحول المدنيين إلى أعواد ثقابٍ، تشتعل لتضيء للقوى الإقليمية طريقها إلى الهيمنة.
هذا الوضع المأساوي الذي نراه عبر شاشات التلفزة وأعين الكاميرا لملايين المهجرين واللاجئين والضحايا والمعطوبين واليتامى والمفقودين في العراق وسورية واليمن وليبيا، هو الدليل على إفلاس الدبلوماسية الغربية، وتغليبها المصالح على المبادئ، في عالم صغير لا يعترف بالحدود ولا بالجغرافيا.
عرس الدم هذا الذي لم يتوقف منذ سنوات في الشرق الأوسط هو الدليل على غياب تام لشيء اسمه العالم العربي، أو جامعة الدول العربية، أو النظام الإقليمي العربي، أو الأمن القومي العربي. لا شيء من هذا موجودٌ إطلاقا. يحاول كل بلد عربي أن ينجو بنفسه، وكل نظام غربي يحاول أن يبتعد عن فوهة البركان، متناسياً واجباته في مجتمع الدول، ومتجاهلاً ميثاق الأمم المتحدة التي لم تعد صالحةً سوى لإحصاء الضحايا، وتسجيل أسماء اللاجئين، وإطلاق صفارات الإنذار التي لا يسمعها أحد.
صار الدم العربي رخيصاً، من كثرة تدفقه في الحروب الإقليمية والأهلية والنزاعات الطائفية والصراعات الدولية. صار العالم يستهين بمشاهد القتل المروعة، حتى ما عاد أحد يتألم لمشاهد الأطفال، وهم يخرجون من تحت الأنقاض، قتلى وجرحى ويتامى. لم تعد للدم العربي القيمة نفسها التي يحوزها الدم الغربي. ترى القوى الكبرى في العالم أن منطقة الشرق الأوسط، وعموم العالم العربي، قطعة خارج التاريخ المعاصر، ومشاهدها المرعبة تبدو كأنها لقطات من فيلم تاريخي عن العصور الوسطى والحروب الدينية. لا يتعب قادة العالم أنفسهم بالبحث عن حلولٍ للحروب المنتشرة في المنطقة. كلهم يديرون هذه الأزمات ويوظّفونها، ولا أحد يتطوع لحلها، على الرغم من أنهم يتقاسمون جزءاً من المسؤولية عن مآسي هذه المنطقة مع أهل الدار الذين لم يعرفوا كيف يحافظون على بلدانهم وشعوبهم ومستقبلهم.
يؤدي العالم العربي فاتورة الاختيار المدمر الذي انحاز إليه الغرب والشرق بين نظام ديكتاتوري، أو جماعات إرهابية، بين حاكمٍ يقتل شعبه باسم العلمانية وجماعاتٍ بربريةٍ تقتل باسم الدين وشريعة الموت… النتيجة أمامنا.. الديكتاتورية في العالم العربي تولد الكبت والإحباط والغضب، وتقود إلى الإرهاب وانتعاش الإيديولوجيات الجهادية، والأخيرة تنشر التوحش والانتقام والحرب الأهلية، فيتدخل الغرب حاملا وصفة "وداوني بالتي كانت هي الداء".
تخبرنا الفوضى غير الخلاقة حول العالم بحقيقة واحدة: لا توجد قيادةٌ في العالم تحرس السلم والأمن الدوليين، ولا توجد حتى غرفة لهذه القيادة، ما سمح لبؤر التوتر بالانتشار، حيث صار السلاح بيد الدول والجماعات الإرهابية والأفراد وسيلةً سهلةً لرسم خرائط جديدة، ومناطق نفوذ جديدة في شرق أوسط رخو، ضائع، وعالم عربي خرج من العصر وقيمه ومنطقه، وارتمى في قلب صراعات إقليمية ودولية مغلفة بطابع ديني ومذهبي وطائفي. ترى، هل دار هذا كله في خلد السفير الروسي، وهو يصارع الموت في معرض فني وسط أنقرة.
تقصف فرنسا الموصل، فيرد أبو بكر البغدادي في نيس بشاحنة تدهس مئات المدنيين على شاطئ البحر، ويحاصر أردوغان الأكراد في الجبال، فيضربون في وسط إسطنبول. يترك الغرب الجرح السوري يتعفّن، فينقل "داعش" معركته إلى ألمانيا وأميركا وإنكلترا… يهين الغرب بوتين، فيرد عليهم في حلب. يرفع باراك أوباما الحصار الاقتصادي عن إيران، فتدفع السعودية السلاح للمقاتلين في سورية لإسقاط الأسد حليف طهران الأول في المنطقة. تشن الرياض حرباً على الحوثيين في اليمن، فتحول إيران مليشيات الحشد الشعبي في العراق إلى جيشٍ شيعيٍّ، يطالب بدم الحسين في الموصل وحلب، وغداً في الرياض والكويت والمنامة… إنها حربٌ بلا حدود، ولا خرائط، ولا أسلحة تقليدية، ولا قواعد، ولا أعراف،.. فوضى غير خلاقة تدمّر الإنسان، وتحول المدنيين إلى أعواد ثقابٍ، تشتعل لتضيء للقوى الإقليمية طريقها إلى الهيمنة.
هذا الوضع المأساوي الذي نراه عبر شاشات التلفزة وأعين الكاميرا لملايين المهجرين واللاجئين والضحايا والمعطوبين واليتامى والمفقودين في العراق وسورية واليمن وليبيا، هو الدليل على إفلاس الدبلوماسية الغربية، وتغليبها المصالح على المبادئ، في عالم صغير لا يعترف بالحدود ولا بالجغرافيا.
عرس الدم هذا الذي لم يتوقف منذ سنوات في الشرق الأوسط هو الدليل على غياب تام لشيء اسمه العالم العربي، أو جامعة الدول العربية، أو النظام الإقليمي العربي، أو الأمن القومي العربي. لا شيء من هذا موجودٌ إطلاقا. يحاول كل بلد عربي أن ينجو بنفسه، وكل نظام غربي يحاول أن يبتعد عن فوهة البركان، متناسياً واجباته في مجتمع الدول، ومتجاهلاً ميثاق الأمم المتحدة التي لم تعد صالحةً سوى لإحصاء الضحايا، وتسجيل أسماء اللاجئين، وإطلاق صفارات الإنذار التي لا يسمعها أحد.
صار الدم العربي رخيصاً، من كثرة تدفقه في الحروب الإقليمية والأهلية والنزاعات الطائفية والصراعات الدولية. صار العالم يستهين بمشاهد القتل المروعة، حتى ما عاد أحد يتألم لمشاهد الأطفال، وهم يخرجون من تحت الأنقاض، قتلى وجرحى ويتامى. لم تعد للدم العربي القيمة نفسها التي يحوزها الدم الغربي. ترى القوى الكبرى في العالم أن منطقة الشرق الأوسط، وعموم العالم العربي، قطعة خارج التاريخ المعاصر، ومشاهدها المرعبة تبدو كأنها لقطات من فيلم تاريخي عن العصور الوسطى والحروب الدينية. لا يتعب قادة العالم أنفسهم بالبحث عن حلولٍ للحروب المنتشرة في المنطقة. كلهم يديرون هذه الأزمات ويوظّفونها، ولا أحد يتطوع لحلها، على الرغم من أنهم يتقاسمون جزءاً من المسؤولية عن مآسي هذه المنطقة مع أهل الدار الذين لم يعرفوا كيف يحافظون على بلدانهم وشعوبهم ومستقبلهم.
يؤدي العالم العربي فاتورة الاختيار المدمر الذي انحاز إليه الغرب والشرق بين نظام ديكتاتوري، أو جماعات إرهابية، بين حاكمٍ يقتل شعبه باسم العلمانية وجماعاتٍ بربريةٍ تقتل باسم الدين وشريعة الموت… النتيجة أمامنا.. الديكتاتورية في العالم العربي تولد الكبت والإحباط والغضب، وتقود إلى الإرهاب وانتعاش الإيديولوجيات الجهادية، والأخيرة تنشر التوحش والانتقام والحرب الأهلية، فيتدخل الغرب حاملا وصفة "وداوني بالتي كانت هي الداء".
تخبرنا الفوضى غير الخلاقة حول العالم بحقيقة واحدة: لا توجد قيادةٌ في العالم تحرس السلم والأمن الدوليين، ولا توجد حتى غرفة لهذه القيادة، ما سمح لبؤر التوتر بالانتشار، حيث صار السلاح بيد الدول والجماعات الإرهابية والأفراد وسيلةً سهلةً لرسم خرائط جديدة، ومناطق نفوذ جديدة في شرق أوسط رخو، ضائع، وعالم عربي خرج من العصر وقيمه ومنطقه، وارتمى في قلب صراعات إقليمية ودولية مغلفة بطابع ديني ومذهبي وطائفي. ترى، هل دار هذا كله في خلد السفير الروسي، وهو يصارع الموت في معرض فني وسط أنقرة.