ربيع بلا أزهار

21 فبراير 2018

تظاهرة لحركة 20 فبراير في الرباط (27/11/2011/فرانس برس)

+ الخط -
حلت أمس الذكرى السابعة لانطلاق حركة 20 فبراير، وهي النسخة المغربية من الربيع  العربي الذي ولد من رحمين: "الربيع العربي" الذي أطل من تونس، وانتشر في الخريطة العربية كالنار في الهشيم، متخذا من الفساد والاستبداد والبطالة والفقر وقودا لناره. ومشروع قتل السياسة في المغرب، وإعطاء الأولوية للاقتصادي على السياسي، وللتكنوقراط على الأحزاب. هذه أسباب نزول هذه الحركة إلى الشوارع في أكثر من 54 مدينة وإقليما في يوم واحد. أما طبيعة الحركة: حراك شبابي، عفوي، احتجاجي، من دون هوية إيديولوجية واضحة. حركة كانت تنزل إلى الشارع كل يوم أحد، مردّدة برنامجا إصلاحيا عميقا، يبدأ من المطالبة بملكية برلمانية يسود فيها الملك ولا يحكم، ويمر عبر مناهضة الفساد والاستبداد، وينتهي بالمطالبة بالخبز والكرامة والعدالة الاجتماعية.
كانت "20 فبراير" أهم حدث سياسي في عهد حكم الملك محمد السادس، صدمت الطبقة السياسية التقليدية في اليسار واليمين، وحققت ستة أهداف، معظمها اندثر، تاركا مكانه لمشاريع أخرى:
أولا، أسهم ضغط الشارع في ميلاد دستور جديد متقدم عن الدساتير التي وضعها الحسن الثاني، لتخدم سلطاته غير المحدودة.. فتح دستور 2011 اللعبة السياسية على أفق ودينامية جديدتين، وأحدث نوعا من التوازن في السلطات بين الجالس على العرش والجالس على صندوق الاقتراع، ممثل التاج وممثل الإرادة الشعبية.
ثانيا، ربح المغرب بفضل الحركة ثلاثة انتخابات مفتوحة 2011 و2015 و2016، ولا أقول شفافة.. فتحت المجال للتنافس النسبي بين الأحزاب، وساعدت في بروز "التصويت السياسي" الذي اندثر منذ زمن طويل، ولم تعد الانتخابات صنيعة وزارة الداخلية، وإن بقيت الأخيرة تؤثر فيها، لكنها لا تقول كلمتها الأخيرة في الانتخابات.
ثالثا، عرف المغرب، بعد حركة 20 فبراير، عملية إدماج مهم للإسلاميين المعتدلين في لعبة الحكم، وجرى الاعتراف بهم سياسيا، بعدما حصلوا على الاعتراف القانوني، وصار حزب العدالة والتنمية حكوميا، بعدما كان معارضا، ولم يعد يخيف الكثيرين، كما جرى تشذيب نزعاته الدينية والشعبوية، مثلما شذبت لحى زعمائه، وفي مقدمتهم عبد الإله بنكيران.
رابعا، جرى إعطاب مركبة حزب الدولة (الأصالة والمعاصرة)، وإفشال مشروعه للاستيلاء على الحكومة في 2012، بفضل حركة 20 فبراير، ومدافع "آية الله بنكيران" الذي اتخذ من هذا الحزب هدفا لتقليص نفوذ التحكم، أو ما تعرف بالدولة العميقة.
خامسا، أسهمت "20 فبراير" في إدخال أفواج كثيرة من الشباب إلى الحقل السياسي، وإلى الحراك الاجتماعي، وأنعش هذا الحراك ثقافة الاحتجاج، وجرى رد الاعتبار إلى الشارع، الذي كان قد مات قبل إطلالة الربيع، وأصبحت مساحات التعبير السياسي والاجتماعي أوسع داخل المؤسسات وخارجها. وهذا جعل المجتمع والنظام يتنفسان. ومن المكتسبات التي خرجت من رحم 20 فبراير كسر الخوف من السلطة في نفوس الناس. نقل الربيع المغربي الخوف إلى الدولة من الشعب، وقبله كان الشعب يخاف الدولة.
تحققت كل هذه المكاسب، لكنها اليوم اندثرت في الهواء. صار الدستور الجديد عبئا على الدولة والحكومة والأحزاب، لأن الدينامية السياسية أصبحت أقلّ من سقف الدستور، والنتيجة ما نراه أمامنا اليوم، حيث لم يعد أحد يراعي الدستور، ولا أحد يحتكم إليه في توزيع السلطات. أما الانتخابات التي تقدمت خطوة، فقد رجعت خطوتين، وأصبحت نتائجها أصفارا على الشمال، حيث تشكلت الحكومة الأخيرة في غياب تام لنتائج الاقتراع. و"العدالة والتنمية" الذي دعي إلى المشاركة في الحكومة ترك مشروعه الإصلاحي عند الباب، ودخل إلى قاعة الحكم، وأصبح جزءا من الغطاء السياسي لعودة السلطوية الناعمة. و"الأصالة والمعاصرة"، الذي ذاب مشروعه تحت شمس الاحتجاج سنة 2011، بعث من جديد في قالب "التجمع الوطني للأحرار"، الذي يستعد لأخذ مكانة حزب الدولة، والشباب الذين دخلوا إلى السياسة من باب حركة 20 فبراير، وجد قادتهم أنفسهم أمام المحاكم. ومن دخل إلى الانتخابات بأمل الحلم بمغرب آخر خرج السنة الماضية بقفّة فارغة.
وحدها ثقافة الاحتجاج السياسي والاجتماعي ما زالت تظهر وتختفي هنا وهناك، بفعل اشتداد الأزمة الاقتصادية والتوترات الاجتماعية في هوامش المملكة وحواضر المغرب غير النافع. إنها فرصة أخرى ضائعة لتحول ديمقراطي هادئ، أضاعته المملكة التي يتغير فيها كل شيء من أجل أن لا يتغير شيء.
A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.