حركة مجتمع السلم تحت المجهر

11 فبراير 2018
+ الخط -
يخطو الإسلام السياسي في الأقطار المغاربية خطوات نوعية، من خلال اقتحامه المجال المؤسساتي والحكوماتي، انعكس على رفع مستوى أدائه وخطاباته.
هذ التحول جاء نتيجة مجموعة من المراجعات والمقاربات النقدية بعد مراحل من الانتكاسات والانهزامات، فيما كان معطى التحولات الإقليمية الأثر البالغ في ذلك، حيث استطاعت التنظيمات الإسلامية التأقلم والتعامل معه.

أما في الجزائر، يعرف الإسلام الحركي تراجعاً على مستوى التمثيل الاجتماعي والبنى القاعدية ويعيش حالة من الوهن والضعف على مستوى الأداء الفكري والسياسي، تاركاً مكانه لصالح التوجهات الإسلام الشعبوي والدراويش الإعلامية الجديدة.
ولعل أهم وأكبر فصيل في الحركة الإسلامية هو فرع جماعة الإخوان المسلمين بالجزائر، الممثل في حركة مجتمع السلم المعروف اختصاراً بـ"حمس"، كونه التيار الأكثر تنظيماً، وله تأثير شعبي مما يؤهله لأداء أدوار هامة في ما يسمى الإسلام السياسي.
ورغم كل هذه المؤهلات، تبقى الحركة تعاني جملة من اختلالات وفقدان المعيارية والإفلاس على مستوى الخطاب السياسي، فضلاً عن حالة الانغلاق والانطوائية على المستوى التنظيمي الهيكلي.

وبالتالي، فإن الخبراء يتساءلون عن عدم قدرة الحركة على احتلال مواقع هامة، تأسياً بنظيرتيها في المغرب وتونس "حزب العدالة والتنمية وحركة النهضة نموذجاً".

والملاحظ أن حركة "حمس" لم تحدث القطيعة، على مستوى أدائها الدعائي والخطابي، مع منطق المشيخة والتلقين في تناول المجالات السياسية والاقتصادية ورهانات العولمة.
ويبدو أن البنية الخطابية-الفكرية لدى القيادة الإخوانية باتت حبيسة التكوين الدعوي والديني، علماً أن كثيراً من قيادات الحركة يملكون تخصصّاً تقنيّاً.

بيد أن اقتصار قيادات على الاعتماد على المرجعيات المحصورة في التكوين الديني، انعكس على محدودية الأشكال التعبيرية والعجز في إثراء القاموس السياسي.
وعادة ما يركز قادة الحركة على كل قضايا الشؤون العامة بشكل سطحي وبتناول تبسيطي، ناهيك عن الاشتغال بالمسائل الهوياتية والصراعات الأيديولوجية كمحاور ذات الأهمية القصوى في الصراع السياسي والرهاناتي، بمبرر الشمولية الإسلامية.

ومثال ذلك، يأخذ الدفاع عن العربية طابعاً عروبياً قوميّاً، يعادي التفتح اللغوي والإقرار بالحضور الفرنكوفوني القوي.
فيما تغيب محاور أساسية أخرى عن خطاباتهم، كحقوق الإنسان وحقوق المرأة وحرية الصحافة والمواطنة والمساواة والديمقراطية، وإن حضرت فإنها لا تخرج عن قوالب مفهوم الأسلمة والأخلقة.
هذ العجز المسجل في عدم قدرة الحركة على الانتقال من الإسلام الحركي-التقليدي إلى الإسلام السياسي البراغماتي أو التحول من المواقع الدعوية المسجدية إلى الحقل السياسي ذات الفضاء المتنوع والمتعدد - المختلف، يعود أصلاً لحالة الجمود في التركيبة البشرية.
زيادة على ما سبق ذكره، أن الحركة لم تتخلص نهائياً من الطابع المشرقي الدعوي المستورد، من حيث الأسلوب والخطاب والجانب التنظيمي المرتبط بالعالمية الإخوانية.


لقد شكلت البنية الهيكلية لتنظيم الإخوان عائقاً في استقطاب الكفاءات خارج الأطر التنظيمية التقليدية المعتمدة بصورة غامضة وسرية، الموروثة وفق أدبيات العمل السري منذ نشأة الإخوان المسلمين كتنظيم عالمي يعتمد على الاختيار النخبوي والصفوي والمجند والمدقق ووفق ترتيبات دقيقة ومحكمة.
وأدت هذه الإدارة شبه الأمنية إلى تسجيل عقم في تركيبته البشرية وعلى أدائه السياسي في الاستقطاب الجماهيري النوعي خارج القواعد النضالية أو العناصر الإخوانية والصحوية.

وعادة ما تعتمد الحركة على العناصر التي تتقاسمها التصورات الفكرية والأيديولوجيا مع مراعاة الجوانب المرحلية في القدرة على الذوبان التام في التنظيم. ونتج عن ضعف الأداء السياسي، بقاء الحركة حبيسة الحقل الدعوي والعمل الجمعوي، بغية إيجاد حلقات التواصل مع باقي المكونات الاجتماعية.

وقد يبرر بعضهم أن هذا الأمر مرتبط بظروف تأسيس الحركة خلال الستينيات، كون العمل السري التنظيمي الدعوي كان من مستلزمات تلك المرحلة.
غير أن هذا الوضع ترك جوانب سلبية على الحركيّة السياسيّة هيكليّاً وبشريّاً في عهد الانفتاح والاعتراف الرسمي، وذلك لغياب التنوع الفكري والأيديولوجي داخل الحركة.
وبدل ذلك، رسخت الحركة مبدأ الانضباطية وأدبيات السمع والطاعة، مما أسس لأحادية الفكر والتوجه في ظل غياب التكوينات الاجتماعية والاتجاهات الفكرية.

وفي تقديري، أن الإسلام الحركي المنضوي تحت لواء الإخوان المسلمين والممثل في الجزائر بحركة مجتمع السلم له إرث تاريخي، يؤهله لأن يكون فاعلاً مهماً في المعادلة السياسية في حال تبنيه أفكار الاعتدال والوسطية في فهم الإسلام.
و في حال ما استغلت الحركة رصيدها التاريخي وخلفيتها الأيديولوجية، قد تكون البديل الداخلي إذا أحسنت التعامل مع المقاربة الأيديولوجية والتشاركية مع مختلف التيارات العلمانية و الحداثية.
كما يمكنها أيضاً أن تكون بديلاً خارجياً على الصعيد الدولي إذا ما تطابقت مواقفها مع مواقف الدول العظمى، وابتعدت في لغتها الدبلوماسية عن الخلافات والصدامات مع محاور إقليمية فاعلة.