24 سبتمبر 2020
حرب أكتوبر.. أسئلة مشروعة وإجابات غائبة
تستحقّ حرب أكتوبر 1973، والتي تحل ذكراها الثالثة والأربعون في السادس من أكتوبر/ تشرين الأول بعد أيام، وقفة جادة في ظل ما يشهده العالم العربي من تصدّعات شديدة الخطورة، بينما يكرّس العدو الإسرائيلى وجوده، ويكتسب مزيداً من القبول، بل والتهافت من بعض النظم العربية. ليست هذه الوقفة فقط لنحتفي بذكرى أشرف وأنبل حرب خاضها الإنسان العربي، في سلسلة الحروب والجولات العسكرية العربية – الإسرائيلية. ولكن، أيضاً لإعادة القراءة، والتفكير، وتقييم دروس تلك الحرب التي أثارت، ولا تزال، قدراً هائلاً من الجدل والخلاف والاختلاف، وصل إلى حد الصدام العنيف في أحيان كثيرة. ويتركز الجدل حول مجموعة من الأسئلة التي تبدو مشروعة، وهي كذلك بالفعل، تدور حول ثلاثة محاور.
الأول، طبيعة الحرب، وهل تم الإعداد والتخطيط لها لتكون حرب تحريك أم حرب تحرير؟ وهل كان هناك اتفاق واضح ومحدّد بشأن هذا الأمر بين شريكي الحرب في القاهرة ودمشق، جرى على أساسه التنسيق العسكري بينهما، خصوصاً في ظل التباين الكبير بين طبيعة الجبهتين المصرية والسورية، وعدم وجود اتصال جغرافي بين مسرحي العمليات، يسمح بالتعاون العملياتي والدعم المتبادل؟
لا توجد إجابات قاطعة، من مصادر موثوقة، لأي من تلك الأسئلة. فقط نجد أنفسنا أمام تبريراتٍ، واجتهاداتٍ، وأحياناً اتهامات متبادلة بين شريكي الحرب، مصر وسورية، ولا يجد الباحث أمامه سوى محاولة استخلاص الإجابات من بعض الوقائع. بالنسبة لطبيعة الحرب، من حيث محدوديتها أو شموليتها، يتم الرجوع دائماً إلى رسالة حافظ إسماعيل، مستشار الرئيس أنور السادات للأمن القومي، إلى وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر، يوم 7 أكتوبر، بتكليف من السادات، وتم الكشف عنها بعد الحرب، وتتضمن إبلاغ كيسنجر "إننا لا نعتزم تعميق مدى الاشتباكات، أو توسيع مدى المواجهة"، ما يعنى أن القرار، من البداية، كان شن حرب محدودة لتحريك الجمود الذي أصاب الموقف، وإتاحة الظروف الملائمة للقيام بتحرّك سياسي تحت غطاء إنجاز عسكري. وبالطبع، لم يكن ذلك معلناً على كل المستويات، وربما كان محصوراً في دائرة ضيقة للغاية في قمة السلطة في مصر. وفي غالب الأمر، لم يكن الأمر مطروحاً على القيادة السورية. وهكذا سيبقى الجدل حول هذا المحور قائماً، من دون إجابات قاطعة، حتى يتم الكشف عن الوثائق الرسمية، من كل الأطراف، والمتعلقة بذلك الجانب المهم من الحرب.
والمحور الثاني للجدل، والذي ما يزال يستحوذ على قدر كبير من الاهتمام، يتضمن الأسئلة التي تدور حول النتائج العسكرية للحرب، وما إذا كانت تمثل انتصاراً عسكرياً، أم هزيمة، أم إنها انتهت بلا نصر، ولا هزيمة.
لعل ذلك المحور هو الأكثر قابليةً لحسم الجدل المثار حوله، على الرغم من ادعاء كل طرف إحراز النصر، لأننا سنتعامل مع الأسئلة المطروحة على مستويين. الأول، هو المتعلق بالأداء القتالي على مسارح العمليات، في أثناء المواجهات والمعارك المختلفة، أي الحرب بمعناها المباشر التى يخوض غمارها المقاتلون، قادة ميدانيون، وضباط، وجنود، كلهم قادمون من صفوف الشعب. والمستوى الثاني هو الإستراتيجي والسياسي، المتعلق بإدارة الصراع واستخدام كل الأدوات المتاحة، بالإضافة إلى الأداة العسكرية.
بالنسبة للمستوى الأول، المتعلق بالأداء القتالي للآلة العسكرية لكلا الطرفين، لدينا النتائج الملموسة على مسارح العمليات المختلفة، والحديث هنا على الجبهة المصرية نموذجاً، والتي جرت على مرأى ومسمع من العالم كله، فإنه، ومنذ الساعة الثانية وخمس دقائق من نهار السادس من أكتوبر1973، عندما أنطلقت 220 طائرة قتال، أعقبها بدقائق هدير أكثر من ألفي مدفع ميدان على امتداد جبهة قناة السويس، وذلك، فيما يُعرف عسكرياً، بالتمهيد النيراني من الجو والبر، للتهيئة لاندفاع قوات الهجوم البري.. منذ تلك اللحظة، وعلى مدى ثمانية أيام متواصلة، ليلا ونهاراً، دارت أشرس معارك القتال التصادمي بين الآلتين، العسكرية المصرية والعسكرية للعدو الإسرائيلي، معارك توحد فيها المقاتل المصري مع السلاح، والهدف والأرض. اقتحم قناة السويس، أكبر مانع مائي في تاريخ الحروب التقليدية، اقتحم واستولى على حصون خط بارليف المنيع، على امتداد ضفة القناة الشرقية، وفي العمق لأكثر من 15 كم، أسقط عشرات المقاتلات، دمر مئات الدبابات والمدرعات، أسر مئات الجنود والضباط من أفضل مقاتلي العدو.
وفي نهاية اليوم الثامن للحرب، يوم الثالث عشر من أكتوبر، كانت الهزيمة قد وقعت بالآلة العسكرية للعدو الإسرائيلي التي كان قد زجّها إلى ساحة القتال، وكان المشهد مهيباً، على مرأى ومسمع من العالم كله، مشهد سجله المواطن المصري الذي حمل السلاح، ساعياً إلى تحرير أرضه، واستحقت التشكيلات التى خاضت تلك المعارك الاسم الذي أطلقه عليها كبار المراقبين والمحللين العسكريين فى العالم (The Great ,Famous ,five Infantry Devisions)، أي فرق المشاة الخمسة العظيمة الشهيرة، وهي التي اقتحمت القناة يوم السادس من أكتوبر. عند هذا الحد، كانت نداءات الاستغاثة قد خرجت من تل أبيب باسم رئيسة وزراء العدو الإسرائيلي في ذلك الوقت، غولدا مائير، موجهة إلى أميركا تحمل عبارة "أنقذوا إسرائيل". وكان كيسنجر قد أبلغ مائير رسالة الرئيس نيكسون أن على إسرائيل أن تدرك أنها هُزمت في سيناء، كما ذكر في كتابه "الأزمة".
عند هذا الحد، انتقلت الحرب إلى مستوى آخر، هو الاستراتيجي السياسي، حيث كان السادات قد رفض، يوم 12 أكتوبر، قبول وقف إطلاق النار، ما ترتب عليه قرار نيكسون بدء جسر جوي هائل لدعم إسرائيل بالسلاح والعتاد الأكثر تطوراً إلى ميدان المعركة مباشرة. وعلى الرغم من ذلك، اتخذ السادات قرار التطوير ودفع الفرقة المدرّعة يوم 14 أكتوبر، والذي انتهى بالفشل. وبدأت عملية ثغرة الدفرسوار المعروفة، وتطورت بعدها عملية إدارة الصراع على المستوى الاستراتيجى السياسي، بدءاً من صدور قرار وقف إطلاق النار 22 أكتوبر، وكسر العدو القرار، ثم تثبيته، ومباحثات كم 101، وبدء مسيرة ما تعرف بعملية السلام، برعاية أميركية، وهي المسيرة التي انتهت بمعاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية في مارس/ آذار 1979.
يدور المحور الثالث للجدل حول ما إذا كانت حرب أكتوبر، باعتبارها الأهم في جولات الصراع مع العدو الإسرائيلي، قد أدت إلى تحقيق سلام حقيقي مع العدو أم أنها انتهت إلى حلول انفرادية فيما يتعلق بمصر ثم الأردن، واختزال الصراع "العربي - الإسرائيلي" إلى مجرد مشكلة "فلسطينية - إسرائيلية"، مع تنامي التوجهات نحو التطبيع مع العدو الإسرائيلي، باعتباره جاراً وعلى الجميع القبول به، بل والدعوة إلى السلام الدافئ والوئام معه؟
يبقى هذا المحور محل جدل واسع ومستمر، يعلو تارة، ويخبو أخرى. وعلى الرغم من أن كل أرض فلسطين التاريخية، وهضبة الجولان السورية، ومزارع شبعا اللبنانية، ما زالت تحت احتلال العدو الإسرائيلي، إلا أن حكام العرب المشغولين بالسلطة شغلوا شعوبهم، بحروبهم الداخلية وصراعاتهم الطائفية وخلافاتهم المذهبية وإراقة الدم العربي بأيد عربية، وغير عربية، في سورية والعراق واليمن وليبيا وغيرها.
وعلى الرغم من كل شيء، تبقى حرب أكتوبر 1973، نموذجاً نادراً لشجاعة الشعوب وبطولاتها، واستعدادها للتضحية، وقدرتها على المواجهة والإنجاز، تحت أصعب الظروف، من أجل تحقيق الهدف الأسمى، وهو تحرير الأرض واستعادة الكرامة، وهي المعانى التي علينا أن نستعيدها. وكانت نموذجاً صارخا لتخاذل النظم والحكام، وافتقادهم الكفاءة والقدرة على إدارة المواقف الصعبة، والارتفاع إلى مستوى شعوبهم.
يجب أن تبقى تجربة حرب أكتوبر، بكل إيجابياتها وسلبياتها، حيةً في وجدان الأجيال، لتدرك أنها إذا امتلكت إرادتها حقاً ستكون قادرةً على مواجهة العدو الإسرائيلي، وأي عدو يتهدّدها، وقادرة على تحقيق النصر الذي لا يكتمل في جلاله، وبهائه، إلا بتحرير كل الأرض، واستعادة كل حقوق الشعب الفلسطيني. ساعتها فقط، سيتحقق السلام الحقيقي الشامل، والعادل، وليس السلام المخادع والمراوغ، سلام ممزوج بالعزة والكرامة، وليس سلاماً بطعم الاستسلام.
الأول، طبيعة الحرب، وهل تم الإعداد والتخطيط لها لتكون حرب تحريك أم حرب تحرير؟ وهل كان هناك اتفاق واضح ومحدّد بشأن هذا الأمر بين شريكي الحرب في القاهرة ودمشق، جرى على أساسه التنسيق العسكري بينهما، خصوصاً في ظل التباين الكبير بين طبيعة الجبهتين المصرية والسورية، وعدم وجود اتصال جغرافي بين مسرحي العمليات، يسمح بالتعاون العملياتي والدعم المتبادل؟
لا توجد إجابات قاطعة، من مصادر موثوقة، لأي من تلك الأسئلة. فقط نجد أنفسنا أمام تبريراتٍ، واجتهاداتٍ، وأحياناً اتهامات متبادلة بين شريكي الحرب، مصر وسورية، ولا يجد الباحث أمامه سوى محاولة استخلاص الإجابات من بعض الوقائع. بالنسبة لطبيعة الحرب، من حيث محدوديتها أو شموليتها، يتم الرجوع دائماً إلى رسالة حافظ إسماعيل، مستشار الرئيس أنور السادات للأمن القومي، إلى وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر، يوم 7 أكتوبر، بتكليف من السادات، وتم الكشف عنها بعد الحرب، وتتضمن إبلاغ كيسنجر "إننا لا نعتزم تعميق مدى الاشتباكات، أو توسيع مدى المواجهة"، ما يعنى أن القرار، من البداية، كان شن حرب محدودة لتحريك الجمود الذي أصاب الموقف، وإتاحة الظروف الملائمة للقيام بتحرّك سياسي تحت غطاء إنجاز عسكري. وبالطبع، لم يكن ذلك معلناً على كل المستويات، وربما كان محصوراً في دائرة ضيقة للغاية في قمة السلطة في مصر. وفي غالب الأمر، لم يكن الأمر مطروحاً على القيادة السورية. وهكذا سيبقى الجدل حول هذا المحور قائماً، من دون إجابات قاطعة، حتى يتم الكشف عن الوثائق الرسمية، من كل الأطراف، والمتعلقة بذلك الجانب المهم من الحرب.
والمحور الثاني للجدل، والذي ما يزال يستحوذ على قدر كبير من الاهتمام، يتضمن الأسئلة التي تدور حول النتائج العسكرية للحرب، وما إذا كانت تمثل انتصاراً عسكرياً، أم هزيمة، أم إنها انتهت بلا نصر، ولا هزيمة.
لعل ذلك المحور هو الأكثر قابليةً لحسم الجدل المثار حوله، على الرغم من ادعاء كل طرف إحراز النصر، لأننا سنتعامل مع الأسئلة المطروحة على مستويين. الأول، هو المتعلق بالأداء القتالي على مسارح العمليات، في أثناء المواجهات والمعارك المختلفة، أي الحرب بمعناها المباشر التى يخوض غمارها المقاتلون، قادة ميدانيون، وضباط، وجنود، كلهم قادمون من صفوف الشعب. والمستوى الثاني هو الإستراتيجي والسياسي، المتعلق بإدارة الصراع واستخدام كل الأدوات المتاحة، بالإضافة إلى الأداة العسكرية.
بالنسبة للمستوى الأول، المتعلق بالأداء القتالي للآلة العسكرية لكلا الطرفين، لدينا النتائج الملموسة على مسارح العمليات المختلفة، والحديث هنا على الجبهة المصرية نموذجاً، والتي جرت على مرأى ومسمع من العالم كله، فإنه، ومنذ الساعة الثانية وخمس دقائق من نهار السادس من أكتوبر1973، عندما أنطلقت 220 طائرة قتال، أعقبها بدقائق هدير أكثر من ألفي مدفع ميدان على امتداد جبهة قناة السويس، وذلك، فيما يُعرف عسكرياً، بالتمهيد النيراني من الجو والبر، للتهيئة لاندفاع قوات الهجوم البري.. منذ تلك اللحظة، وعلى مدى ثمانية أيام متواصلة، ليلا ونهاراً، دارت أشرس معارك القتال التصادمي بين الآلتين، العسكرية المصرية والعسكرية للعدو الإسرائيلي، معارك توحد فيها المقاتل المصري مع السلاح، والهدف والأرض. اقتحم قناة السويس، أكبر مانع مائي في تاريخ الحروب التقليدية، اقتحم واستولى على حصون خط بارليف المنيع، على امتداد ضفة القناة الشرقية، وفي العمق لأكثر من 15 كم، أسقط عشرات المقاتلات، دمر مئات الدبابات والمدرعات، أسر مئات الجنود والضباط من أفضل مقاتلي العدو.
وفي نهاية اليوم الثامن للحرب، يوم الثالث عشر من أكتوبر، كانت الهزيمة قد وقعت بالآلة العسكرية للعدو الإسرائيلي التي كان قد زجّها إلى ساحة القتال، وكان المشهد مهيباً، على مرأى ومسمع من العالم كله، مشهد سجله المواطن المصري الذي حمل السلاح، ساعياً إلى تحرير أرضه، واستحقت التشكيلات التى خاضت تلك المعارك الاسم الذي أطلقه عليها كبار المراقبين والمحللين العسكريين فى العالم (The Great ,Famous ,five Infantry Devisions)، أي فرق المشاة الخمسة العظيمة الشهيرة، وهي التي اقتحمت القناة يوم السادس من أكتوبر. عند هذا الحد، كانت نداءات الاستغاثة قد خرجت من تل أبيب باسم رئيسة وزراء العدو الإسرائيلي في ذلك الوقت، غولدا مائير، موجهة إلى أميركا تحمل عبارة "أنقذوا إسرائيل". وكان كيسنجر قد أبلغ مائير رسالة الرئيس نيكسون أن على إسرائيل أن تدرك أنها هُزمت في سيناء، كما ذكر في كتابه "الأزمة".
عند هذا الحد، انتقلت الحرب إلى مستوى آخر، هو الاستراتيجي السياسي، حيث كان السادات قد رفض، يوم 12 أكتوبر، قبول وقف إطلاق النار، ما ترتب عليه قرار نيكسون بدء جسر جوي هائل لدعم إسرائيل بالسلاح والعتاد الأكثر تطوراً إلى ميدان المعركة مباشرة. وعلى الرغم من ذلك، اتخذ السادات قرار التطوير ودفع الفرقة المدرّعة يوم 14 أكتوبر، والذي انتهى بالفشل. وبدأت عملية ثغرة الدفرسوار المعروفة، وتطورت بعدها عملية إدارة الصراع على المستوى الاستراتيجى السياسي، بدءاً من صدور قرار وقف إطلاق النار 22 أكتوبر، وكسر العدو القرار، ثم تثبيته، ومباحثات كم 101، وبدء مسيرة ما تعرف بعملية السلام، برعاية أميركية، وهي المسيرة التي انتهت بمعاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية في مارس/ آذار 1979.
يدور المحور الثالث للجدل حول ما إذا كانت حرب أكتوبر، باعتبارها الأهم في جولات الصراع مع العدو الإسرائيلي، قد أدت إلى تحقيق سلام حقيقي مع العدو أم أنها انتهت إلى حلول انفرادية فيما يتعلق بمصر ثم الأردن، واختزال الصراع "العربي - الإسرائيلي" إلى مجرد مشكلة "فلسطينية - إسرائيلية"، مع تنامي التوجهات نحو التطبيع مع العدو الإسرائيلي، باعتباره جاراً وعلى الجميع القبول به، بل والدعوة إلى السلام الدافئ والوئام معه؟
يبقى هذا المحور محل جدل واسع ومستمر، يعلو تارة، ويخبو أخرى. وعلى الرغم من أن كل أرض فلسطين التاريخية، وهضبة الجولان السورية، ومزارع شبعا اللبنانية، ما زالت تحت احتلال العدو الإسرائيلي، إلا أن حكام العرب المشغولين بالسلطة شغلوا شعوبهم، بحروبهم الداخلية وصراعاتهم الطائفية وخلافاتهم المذهبية وإراقة الدم العربي بأيد عربية، وغير عربية، في سورية والعراق واليمن وليبيا وغيرها.
وعلى الرغم من كل شيء، تبقى حرب أكتوبر 1973، نموذجاً نادراً لشجاعة الشعوب وبطولاتها، واستعدادها للتضحية، وقدرتها على المواجهة والإنجاز، تحت أصعب الظروف، من أجل تحقيق الهدف الأسمى، وهو تحرير الأرض واستعادة الكرامة، وهي المعانى التي علينا أن نستعيدها. وكانت نموذجاً صارخا لتخاذل النظم والحكام، وافتقادهم الكفاءة والقدرة على إدارة المواقف الصعبة، والارتفاع إلى مستوى شعوبهم.
يجب أن تبقى تجربة حرب أكتوبر، بكل إيجابياتها وسلبياتها، حيةً في وجدان الأجيال، لتدرك أنها إذا امتلكت إرادتها حقاً ستكون قادرةً على مواجهة العدو الإسرائيلي، وأي عدو يتهدّدها، وقادرة على تحقيق النصر الذي لا يكتمل في جلاله، وبهائه، إلا بتحرير كل الأرض، واستعادة كل حقوق الشعب الفلسطيني. ساعتها فقط، سيتحقق السلام الحقيقي الشامل، والعادل، وليس السلام المخادع والمراوغ، سلام ممزوج بالعزة والكرامة، وليس سلاماً بطعم الاستسلام.