يحمل حراك مسيرات العودة الكبرى وفعالياته، التي تنهي اليوم الجمعة أسبوعها الرابع، في طياته طاقة كامنة لمفاقمة واحدة من أخطر المشاكل التي يعاني منها جيش الاحتلال والمتمثلة بنقص القوى البشرية ويجعلها أكثر حدة. فقد دفع جيش الاحتلال، منذ انطلاق الحراك، بنصف الكتائب التي تنتظم في ألوية الصفوة التي تشكل سلاح المشاة لمواجهة المشاركين في الحراك ومنعهم من اختراق الجدار الحدودي مع قطاع غزة، إلى جانب تشكيل طبقات حماية شرق الحدود وفي محيط المستوطنات المنتشرة في غلاف غزة.
ومن الملاحظ أن جيش الاحتلال قد دفع بهذا العدد الكبير من قوات المشاة لمواجهة خمسة تجمعات للمشاركين في هذا الحراك، تتواجد في مخيمات في رفح، وخانيونس، والمنطقة الوسطى، وغزة، وشمال القطاع. وفي حال استجابت الجهات المسؤولة عن تنظيم حراك مسيرات العودة وقامت بزيادة عدد المخيمات، فإن هذا يعني أن جيش الاحتلال سيكون مطالباً بالدفع بقوات إضافية لتأمين الحدود ومنع اختراقها. وكلما اقترب الحراك من 15 مايو/ أيار المقبل، وهو اليوم الذي سيحاول فيه المشاركون في الحراك اختراق الحدود، فإن هذا سيضاعف الأعباء على القوى البشرية في جيش الاحتلال، ولا سيما أنه يتوقع على نطاق واسع أن يرتفع عدد المشاركين في الحراك في ذلك اليوم بشكل كبير. وما يزيد الأمور تعقيداً بالنسبة لقيادة جيش الاحتلال حقيقة أن الاستنفار لمواجهة نشاط حراك العودة يتزامن مع مخاوف من انفجار الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية، وإمكانية أن تتحول المواجهة المحدودة، التي حدثت بين إيران وإسرائيل أخيراً، إلى مواجهة شاملة.
فحسب تقديرات الجيش والاستخبارات الإسرائيلية، فإن فرص انفجار احتجاجات جماهيرية فلسطينية واسعة عشية نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، وما بعدها، كبيرة، إذ تفترض هذه التقديرات أن الاحتجاجات ستفضي إلى تدهور الأوضاع الأمنية في الضفة والقدس، ما يتطلب تكثيف الوجود العسكري الإسرائيلي. وتتخوف الأوساط العسكرية في تل أبيب من عودة قوية لعمليات المقاومة الفردية، ولا سيما أن عدداً من هذه العمليات قد حدثت قبيل انطلاق حراك مسيرات العودة. إلى جانب ذلك، فإن هناك مُركبات أخرى تسهم في تهيئة بيئة تصعيد في الضفة، على رأسها انسداد الأفق السياسي وتعاظم وتيرة تنفيذ المشاريع الاستيطانية في أرجاء الضفة والقدس، وحدوث زيادة كبيرة في عدد المستوطنين الذين يدنسون المسجد الأقصى، والاعتداءات التي ينفذها المستوطنون في قلب البلدات والقرى الفلسطينية. وفي حال تحقق هذا السيناريو، فإن المستوى السياسي والعسكري في تل أبيب قد يجد نفسه مضطراً لإصدار تعليمات لاستدعاء بعض فرق الاحتياط لمواجهة تبعات النقص في القوى البشرية.
من ناحية ثانية، فإن إصرار إسرائيل على تكريس الانطباع بأنها بصدد مواصلة عملياتها الهادفة للمس بالتواجد الإيراني في سورية يحمل في طياته إمكانية انفجار الأوضاع في الشمال. وقد أقدمت إسرائيل على خطوات تدلل على أنها تأخذ بعين الاعتبار إمكانية اندلاع مواجهة، خصوصاً قرارها بعدم مشاركة سلاح جوها في مناورات دولية. وعلى الرغم من أن إسرائيل تستبعد مبادرة "حزب الله" لشن أي هجوم كرد على العمليات التي تستهدف الوجود الإيراني، فإنه في حال تصاعدت وتيرة هذه الهجمات، كما تتوعد تل أبيب، فإن هذا الواقع قد يفرض اندلاع مواجهة بين الحزب وإسرائيل. وفي حال تحقق هذا السيناريو، سيكون جيش الاحتلال مطالباً بالدفع بالمزيد من القوات للشمال، وهذا ما يفاقم مشكلة نقص القوى البشرية.
ومن الأهمية التنويه إلى أنه حتى قبل انطلاق حراك العودة، وبمعزل عن مستقبل التصعيد في الضفة والشمال، فإن أزمة نقص القوى البشرية دفعت قيادة الجيش إلى اتخاذ خطوتين غير تقليديتين، وهما، أولاً إجبار المجندين الجدد على الالتحاق بوحدات قتالية بعينها لمواجهة النقص في عدد الجنود الذين يخدمون فيها، مع العلم أن جيش الاحتلال كان يترك لجنوده فرصة اختيار الوحدة والسلاح الذي يرغبون بالالتحاق به، وثانياً استيعاب النساء في وحدات لم يسبق لهن الانضمام إليها، مثل سلاح المدرعات والمدفعية، ناهيك عن الاستعانة بخدمات النساء في تأمين الحدود، خصوصاً مع الأردن. وقد أدت الخطوة الأخيرة تحديداً إلى ردة فعل غاضبة من قبل المرجعيات الدينية اليهودية، والتي حذرت من أن الخطوة تهدد وحدة صف الجيش، على اعتبار أن ظروف خدمة الضباط والجنود المتدينين ستتأثر سلباً بسبب استيعاب المجندات على هذا النحو.