حبيب يوسفي: حان وقت تنويع الاقتصاد الجزائري ‏

29 ابريل 2015
الكونفدرالية العامة للمؤسسات ‏الاقتصادية حبيب يوسفي (العربي الجديد)
+ الخط -
أعلن رئيس الكونفدرالية العامة للمؤسسات ‏الاقتصادية، التي تمثل أكثر من 1500 مؤسسة جزائرية، حبيب يوسفي، أنه حان موعد الحد من الاستيراد المفرط، ودعا في مقابلة مع "العربي الجديد"، ‏إلى دعم المؤسسات المحلية وعدم الدخول في اتفاقات إغراقية.

وهذا نص المقالبة:

*ما هي أبرز المشكلات التي يعاني منها الاقتصاد الجزائري حالياً؟
يمكن القول إن الاقتصاد الوطني بحاجة إلى دعم من خارج قطاع المحروقات، من أجل تحقيق النمو الشامل، كما أن ‏مطلب تنويع مصادر العملة الصعبة بالنسبة للجزائر، ‏كان ولا يزال مطلباً ملحّاً من طرف ‏الكونفيدرالية، لأن اعتماد البلاد على البترول فقط ‏كمصدر للعملة الصعبة يجعل اقتصادنا رهينة ‏تقلّبات السوق العالمية.

*تواجه الجزائر حالياً أزمة ‏تراجع أسعار النفط، كيف يمكن الفكاك من هذه المشكلة؟
الجزائر ماضية الآن في مسار بناء ‏اقتصاد وطني متنوّع خارج قطاع المحروقات، ‏بدليل الكم الهائل من المؤسسات الصغيرة ‏والمتوسطة الناشطة حالياً والبالغ عددها أكثر من ‏‏600 ألف مؤسسة. لكن الطريق ما زال طويلاً ‏بالنظر إلى الإمكانات الاستثمارية الهائلة التي ‏تتوفر في الجزائر، خاصة في قطاع الفلاحة، ‏من حيث الصناعات التحويلية الغذائية، وكذا ‏الصناعة والسياحة، بالإضافة إلى الإمكانات ‏الجامعية التي يحب استغلالها وإشراكها بقوة في ‏العملية الاقتصادية. ومن بين الاقتراحات التي ‏قدمناها ووافقت عليها الحكومة مشروع تعزيز ‏الصناعات الميكانيكية في الجزائر بإقامة مصنع ‏لصناعة قطع غيار المركبات المُنتَجَة محلياً.‏

*ولكن، هل ترون أن المؤسسات الجزائرية ‏الخاصة قادرة فعلاً على تخليص ‏الاقتصاد من التبعية لقطاع ‏المحروقات؟
نعم، ولكن لا بد من توفر شروط، أهمها أن ‏تكتسب الخبرة الكافية من الشركات الأجنبية ‏العاملة في الجزائر، والاستفادة من أحدث ‏تكنولوجياتها المستخدمة في الإنتاج. ونحن ‏نطالب بإشراك المؤسسة الاقتصادية الخاصة ‏بنسبة 25‏‎ %‎على الأقل، في جميع المشاريع ‏الاقتصادية الموكلة بالجزائر إلى شركات أجنبية. ‏فالشركات الوطنية اليوم دون المستوى المطلوب ‏من حيث التنافسية العالمية، نظراً لاعتماد الدولة ‏على مداخيل المحروقات واستغلالها في ‏الاستيراد.

الدولة الآن مطالبة بأن تستغل كل إمكاناتها الاقتصادية، من فلاحة وسياحة وصناعة، ‏بالنظر إلى ما تزخر به من طاقات في هذه ‏المجالات. فكما هو معلوم، إن الجزائر قبل ‏الاستعمار الفرنسي، كانت تنتج القمح بالاعتماد ‏على المحراث الخشبي التقليدي، ومع ذلك ‏كانت من أهم مصدّري القمح في العالم. وبالمقابل ‏الآن تتوفر فيها كل وسائل التكنولوجيا الحديثة، ‏ومع ذلك تبقى من أكبر مستوردي القمح في ‏العالم. ولذلك، أرى أنه من الضروري أن نشمّر ‏عن سواعدنا ونستعين بالجامعات لدعم ‏المؤسسات الاقتصادية بالتكنولوجيات والأفكار ‏الجديدة، لتحسين نوعية وكمية الإنتاج. كما يجب ‏الحد من سياسة الاستيراد المتوحش، بالإضافة إلى تغيير بعض القوانين الاقتصادية التي ما زالت ‏تنتمي إلى عهد الاقتصاد الموجّه، وتطوير النظام ‏المصرفي الوطني. فالجزائر قادرة على أن تكون ‏دولة رائدة اقتصادياً وفي الطليعة بالنظر إلى ما ‏يتوفر فيها من مقومات اقتصادية، لو تم ‏استغلالها على أحسن وجه.‏

*تعكف وزارة التجارة ‏على إعداد مشروع قانون تجارة جديد من شأنه ‏الحد من الاستيراد، هل ترون فيه مصلحة ‏للمؤسسة الاقتصادية الوطنية؟
بالفعل القانون حالياً هو في طور الصياغة، ‏وأرى أنه في صالح المؤسسات الاقتصادية ‏الوطنية، إذ توجد العديد من المؤسسات الوطنية ‏لا شغل لها سوى الاستيراد، وبالأخص من ‏تركيا، وهذا ما أسهم في "تكسير" الإنتاج ‏الوطني، وإغراق سوقنا بسلع تنافسية قضت على ‏العديد من المؤسسات الاقتصادية الوطنية. وفكرة ‏الوزير الحالي، من خلال مشروع القانون هذا، هي ‏إنقاذ المؤسسات الاقتصادية الوطنية والحد من ‏نزيف العملة الصعبة إلى الخارج. ‏

*تسارعت التصريحات الحكومية ‏الداعية إلى دعم ‏المؤسسات لتطوير الإنتاج ‏الوطني خارج قطاع المحروقات. هل ترون أن ‏الحكومة جادة في هذا الأمر، أم هي فقط ‏تصريحات ظرفية تنتهي بعودة ارتفاع أسعار ‏النفط؟
لا أعتقد أنها تصريحات ظرفية، بل هو توجّه ‏محتّم على الحكومة أن تخوضه الآن، بل قد ‏تأخرت في ذلك، لأنه كان من الأجدر أن تتخذ مثل ‏هكذا قرار قبل وقوع الأزمة الحالية، نظراً لتوفر ‏السيولة المالية لديها، وقد شرعت في هذا التوجه ‏حقيقة قبل الأزمة بقليل، لكنه كان متأخراً، ما جعله ‏في الوقت الراهن غير مكتمل، سواء على مستوى ‏البنية التحتية والهياكل القاعدية أو على المستوى ا‏لاجتماعي.‏

*وقّعت الجزائر منذ 2002 اتفاق شراكة مع ‏الاتحاد الأوروبي، وبموجبه تم رفع الحواجز ‏الجمركية جزئياً، في انتظار رفعها نهائياً في 2020. ‏كيف تقيّمون ذلك من ناحية التأثير على ‏الاقتصاد الوطني؟
أولاً دعني أقول إننا في بداية الأمر كمنظمة ‏أرباب عمل، قدمنا احتجاجاً رسمياً للحكومة على ‏هذا الاتفاق الذي شرعت في المفاوضات حوله ‏دون إشراكنا أو استشارتنا بشأنه، لأن اقتصادنا ‏لم يكن جاهزاً لخوض هذه المغامرة، كوننا ‏خرجنا لتونا من اقتصاد موجّه إلى اقتصاد ‏السوق. ولذلك ضغطنا على الحكومة، وكان ‏التوقيع على الاتفاق يؤجل في كل مرة.

ولذلك ‏أدعو إلى مراجعة هذا الاتفاق، لأنه في غير صالح ‏المؤسسة والاقتصاد الوطنيين، فمؤسساتنا ‏الاقتصادية ما زالت لم تصل إلى مستوى ‏التنافسية المطلوبة. فبرأيي هذا اتفاق بلا فائدة، ‏حتى أن بنوده لم تطبّق بشأن مساعدة الاتحاد ‏الأوروبي للمؤسسات الاقتصادية الوطنية على ‏تطويرها وتحسين أدائها الاقتصادي.‏

*أيضاً تسعى الحكومة إلى انضمام الجزائر ‏لمنظمة التجارة العالمية، فهل تدعمون توجّه ‏الحكومة بهذا الشأن؟
أنا لست موافقاً إطلاقاً على هذا الانضمام في ‏الوقت الحالي، لأن هذا سيقضي على المؤسسات ‏الاقتصادية الوطنية التي لم تصل بعد إلى مستوى ‏التنافسية العالمية. وأرى أن على الحكومة ‏التريّث في هذا الصدد، حفاظاً على المصلحة ‏الاقتصادية للبلاد.‏

*ترأس حالياً كونفدرالية ‏أرباب العمل الأفارقة للعهدة الثانية على ‏التوالي، وبما أن الجزائر حالياً تسعى إلى الوجود في السوق الأفريقية بقوة، هل ترون أن ‏من السهل اختراق هذه السوق من طرف السلع ‏والمنتجات الجزائرية؟
لقد سعيت مع العديد من منظمات أرباب ‏العمل الأفارقة إلى تعزيز الشراكة والتعاون، لكن للأسف اصطدمنا بغياب الإرادة ‏السياسية الأفريقية في إرساء هذه الشراكة، لعدة أسباب، منها الصراع الثلاثي في أفريقيا بين النفوذ الفرنسي ‏والانكليزي والعربي. ومع ذلك أقول إن هناك آفاق تعاون ‏كبيرة بالنظر إلى استفاقة أفريقيا وبالنظر إلى الموارد ‏الأولية والثروات الطبيعية التي تتوفر في ‏القارة، ولو تحقق هذا التعاون سنتمكن من ‏الضغط على الدول الكبرى التي تتصارع ‏للسيطرة على مقدّرات أفريقيا الاقتصادية.‏

إقرأ أيضا: تكنولوجيا إدارة المشاريع
المساهمون