هذا هو العنوان الفرعي لكتاب الإيطالي فيتوريو أريغوني الذي صدر عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" بعنوان "غزّة. حافظوا على إنسانيتكم" (ترجمة مالك ونوس). وهو يختتم كل فصل من فصول كتابه، الذي يسجّل فيه وقائع الحرب التي شنّتها إسرائيل على غزّة، عام 2009، بعبارته هذه أيضاً. ذلك أن عمله هناك، كان، كما يقول "دعوة لنا جميعاً كي نتذكّر انتماءنا إلى جماعة فريدة من الكائنات الحية ألا وهي العائلة الإنسانية".
يعتقد أريغوني أن بوسع أوراقه أن تُسهم، ولو بشكل متواضع، في "منع مجازر مماثلة من الوقوع في المستقبل"، و"كذلك منح الموتى بعض العدالة"، حتى لو كانت تلك الأوراق "ملوّثة بالدماء" و"مشبعة بالفوسفور الأبيض"، بل حتى لو كان صمت العالم (المتحضّر) ـ القوسان من عند أريغوني ـ "يصمّ الآذان أكثر من أصوات الانفجارات التي تغطّي المدينة ككفن من الموت".
يتابع أريغوني مسيرة النار التي تحاصر الفلسطينيين طوال الأسابيع الثلاثة التي استمرت فيها حرب إسرائيل على قطاع غزّة. وفي هذه المتابعة لا يعاين الموت الذي يلحق بهم فقط، بل أشكال الحياة التي يقاومونه بها. ثمّة مجموعة من الأطفال يقذفون الحجارة بواسطة مقاليعهم نحو السماء على عدو لا يمكن الوصول إليه ويلهو بحياتهم. وثمّة نساء يلدن من أجل ألا يظن العدو أنه قادر على إفناء البشر.
غير أن الوقائع التي يسردها في الكتاب، وكذلك الوقائع التي نشهدها اليوم، لا تشير البتّة إلى أن هذا الجنس من الكائنات يميل بأي شكل إلى تدبّر هذه الميزة التي يعتبرها أريغوني "فريدة". ويرى أن على البشر أن يتذكّروها، كي يكفّوا عن القيام بأعمال إجرامية مثل تلك التي قامت بها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزّة.
واللافت، أكثر من ذلك، أن المرء يستطيع أن يستقي من الكتاب أن جماعات من "العائلة الإنسانية" لم تقرأ كتابه، بل سلوك الطائرات والقنابل، وأنه بقدر ما يمكن للرسالات الأخلاقية الشجاعة، على غرار رسائل أريغوني، وحياته القصيرة، أن يكون لها، أو تأمل أن يكون لها أثر في تعاضد البشر، أو توقّفهم عن القتل، أو قدرتهم على منع المجازر، فإن لدى القتلة والمجرمين من ساسة العالم القدرة على نقل تجارب الحرب أيضاً.
ثمة استنساخ تقوم به أميركا وروسيا وأتباعهما في سورية والعراق اليوم لطرائق التدمير الإسرائيلية: محو الأمكنة المأهولة بالمدنيين، وتدمير المشافي والمدارس، واستخدام الفوسفور الأبيض على نطاق واسع، بحيث يتساءل القارئ: أين رأيت هذا؟ وثمّة استنساخ للتصريحات الصحافية. فمن "يعتبر نفسه المحتكر الوحيد للأرقام، هو القادر على إنكار المذابح".
اقرأ ما يقوله، أو يكتبه اليوم صحافيون سوريون ولبنانيون، وقارن هذا بما ينقله أريغوني عن ساسة إسرائيل، ترَ أن إنكار المذبحة، أو تأويلها، أو تبرئة الجناة، يتطلّب لغة موحّدة، ومتشابهة.
أما حين يُقتل الرجل على يد جماعة سلفية من داخل القطاع، فإن "الفرادة" في الكائنات تصبح عطباً مريعاً يطاول الضحايا (إن كان أولئك القتلة منهم) أيضاً.