جيش "زاباد" يوسع القلق من روسيا: مناورة تشبه حرباً

16 سبتمبر 2017
من مناورات عسكرية روسية (Getty)
+ الخط -
يشعر جيران روسيا، وحلف شمال الأطلسي، بقلق وتوجس كبيرين من انطلاق أضخم مناورة روسية، يصفها الخبراء بـ"الكبرى منذ الحرب الباردة غرباً". وليزداد القلق الغربي، فقد أطلق الروس على مناوراتهم السنوية هذا العام عنوان "زاباد (غرب) 2017"، في القطاع الغربي العسكري لروسيا. قلق الجيران، في البلطيق وبولندا والدول الإسكندنافية، يستند إلى أن روسيا، التي بدأت مناوراتها العسكرية يوم الخميس، وتستمر حتى 20 سبتمبر/أيلول الحالي، "حشدت أكثر بكثير مما تعلن"، وفقاً للخبراء العسكريين المراقبين عن كثب في كوبنهاغن لمجريات الحدث القريب من حدودهم البحرية.

وعلى الرغم من أن هذه المناورات العسكرية هي حدث سنوي، وتجري للسنة الرابعة على التوالي منذ أزمة أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم، إلا أن أعين الغرب هذه المرة تختلف عن مراقبتها لمناورات سابقة في شرق ووسط روسيا. هذا إلى جانب شمولية المناورات الضخمة التي جعلت الطرف المقابل يرسل الكثير من رسائل التطمين إلى استونيا وليتوانيا ولاتفيا وبولندا وأوكرانيا. فإلى جانب روسيا يقف جيش روسيا البيضاء، بحدودها مع دول قلقة من أهداف "زاباد 2017"، والمحاذية للجيب الروسي "كالينينغراد" والقاعدة البحرية الروسية الضخمة بين بولندا وليتوانيا.

تجنّب المراقبين

ما يزيد شكوك الغربيين هو أن روسيا، وروسيا البيضاء، اختارتا إشراك 12700 جندي غرباً، بما يقل عن رقم 13 ألفاً الذي يُلزم روسيا دعوة مراقبين عسكريين من 56 دولة في منظمة الأمن والتعاون الأوروبي، بحسب وثيقة فيينا حول الثقة والأمن في أوروبا. أعلنت روسيا أن المناورات التي سيجري قسم كبير منها على الحدود الغربية لروسيا البيضاء، سيشارك فيها إضافة إلى جنود البلدين، سبعون طائرة و250 دبابة و200 نظام مدفعية و10 قطع بحرية، ذلك بحسب المعلومات الروسية التي نشرها موقع "جينز" المتخصص بالشؤون العسكرية. بيد أن خبراء من الغرب، والدول المجاورة لروسيا، يعتقدون أن هذه المناورات أشمل وأوسع مما يشيعه الروس. فهي تمتد حتى أقصى الشرق الروسي على شواطئ الهادئ. ويذهب محللون عسكريون إلى تقدير أعداد المشاركين في "زاباد" بما بين 60 و100 ألف جندي.

قلق من غزو روسي
التوتر في علاقات دول حلف الأطلسي مع روسيا، والاستعراض المتبادل والمستمر منذ أعوام في البلطيق وغيرها من مناطق التماس، يراه محللون الأكثر حدة خلال العقود الثلاثة الماضية، ولم يخفف من حالة التوجس والخوف من كل تحرك روسي في مناطق يعتبرها الغرب مناطق نفوذه. صدى القلق امتد ليصل إلى أوكرانيا التي عبّر رئيسها بيترو بروشينكو بعبارات صريحة بأن "أهدافاً خفية وراء المعلن من مناورات زاباد، ومنها اجتياح أوكرانيا"، مما نقلت عنه قناة "بي بي سي" قبل أيام.

ولم يقتصر الخوف على أوكرانيا، فقد عبّرت دول أعضاء في حلف الأطلسي في البلطيق وبولندا عن تشككها في الإعلان الروسي بأن هدف المناورة "دفاعي بحت"، بحسب ما حاول نائب وزير الدفاع الروسي ألكسندر فومين طمأنة هذه الدول نهاية الشهر الماضي، واعتبر أن الأمر يأتي في سياق "الدفاع عن روسيا بوجه عدوان خارجي يدعم المجموعات المتطرفة".

الخوف في استحضار التاريخ
اختار الروس قوات النخبة من جيش المدرعات الأول، وهو مؤشر يرى فيه محللون رسائل ضمنية. فالجيش الأول هو المسؤول تاريخياً عن رد الجيوش النازية عن غرب روسيا وأوكرانيا وروسيا البيضاء في الحرب العالمية الثانية، وهو أيضاً المشارك في اقتحام برلين عام 1945.
بالإضافة إلى هذه الرمزية التاريخية من الحرب العالمية الثانية، فإن هذا الجيش أيضاً بمدرعاته التي تنتشر صورها في متاحف عدة، كان المسؤول عن قمع ربيع براغ في عام 1968، وبالتالي قمع الحركة الديمقراطية في تشيكوسلوفاكيا آنذاك. ويملك هذا الجيش قوة هجومية هائلة، وأعيد تشكيله في 2014، بعد أن جرى حله في 1998، وهو أمر يقلق المراقبين باعتباره الذراع الهجومي الروسي.

وحذر قائد القوات الأميركية في أوروبا، بن هودجيز، من أن "المناورات في روسيا البيضاء يمكن أن تُستخدم كأحصنة طروادة للدفع بجنود وعتاد عسكري روسي للبقاء هناك". ورأى خبراء من مركز تشاتام هاوس في لندن أن "بقاء الروس في روسيا البيضاء سيمنحهم قاعدة انطلاق عسكرية على حدود أوروبا ما يقلق دول البلطيق وبولندا وأوكرانيا".


والقلق من التحركات العسكرية الروسية، المتزايد في الفترة الأخيرة على لسان رسميين وسياسيين باتوا أكثر عدوانية في التصريحات، كرئيس وزراء الدنمارك لارس لوكا راسموسن، من يرتبط بما جرى سابقاً. فباتت وسائل الإعلام الغربية تتحدث عن إمكانية بقاء القوات الروسية في روسيا البيضاء، ما يُذكّر بما حدث في 2014 حين كان الروس يستأجرون قاعدة بحرية في القرم واستعملت مناوراتها العسكرية كمدخل لضم شبه الجزيرة.
وغير بعيد عن هذه القراءة الغربية، العسكرية والسياسية، يستذكر محللون عسكريون على القنوات الاسكندنافية المهتمة بما يجري، كيف أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استخدم مناورات "(قفقاز) القوقاز 2008" لاجتياح جورجيا.

مناورات الجيش الروسي المستمرة حتى الأسبوع المقبل، ليست أيضاً بمعزل عن تحركات حلف الأطلسي في دفعه سابقاً بقوات عسكرية، قوامها ما يقارب 4 آلاف جندي، في اتجاه دول البلطيق وبولندا، وتعزيزات الحلف المستمرة في المنطقة والتعاون الوثيق مع السويد. وتنتشر قطع بحرية ضخمة لقوات الأطلسي في جزر دنماركية وسويدية مطلة على البلطيق مع حركة طيران عسكري نشطة في المنطقة منذ فترة طويلة. ويرى خبراء أن تحركات روسيا هذا الأسبوع هي في سياق طبيعي لتوجيه رسائل واضحة للقوى الغربية "بأن روسيا لن تسمح بتهديد مصالحها الاستراتيجية وبتمدد الحلف على حدودها أكثر".

وبناء عليه يركز مراقبون غربيون عيونهم على ما بعد 20 سبتمبر/أيلول الحالي، موعد انتهاء مناورات "زاباد 2017". ومن بين هؤلاء قال المحلل العسكري الأميركي، مايكل كوفمان، لوسائل إعلام دنماركية: "علينا بعد العشرين من سبتمبر مراقبة كم سيبقى من الجنود والمعدات الروسية في روسيا البيضاء". ومن المقرر رسمياً أن تكون روسيا قد استكملت سحب قواتها المشاركة في المناورات من روسيا البيضاء في نهاية الشهر الحالي "وتبقى وسائل الإعلام العالمية تراقب ما يجري سحبه"، بحسب كوفمان.

الموقف السياسي القلق في الشمال اعتبر أن "مناورات زاباد 2017، تعبّر عن استعراض قوة روسية، وإحاطة التحركات بهذه السرية بعيداً عن الانفتاح المتفق عليه يؤشر إلى استعراض عضلات ومحاولة اختبارنا"، وفق رئيس الوزراء الدنماركي في تعليق له أمس الجمعة. ولم تكتف كوبنهاغن بتعقيب سياسي فقط، بل دفعت بطائرات حربية وقطع بحرية بالتعاون مع دول مجاورة ومن الحلف الأطلسي باتجاه أقرب المناطق إلى دول البلطيق. واعتبر راسموسن أن "التحركات هذه رسالة بأن حلف الأطلسي يقف سوية ويحمي ظهر دوله جيداً"، مضيفاً: "سنرسل 200 جندي و4 طائرات اف 16 إلى ليتوانيا لتباشر عملها فوق البلطيق".
الجانب الروسي رأى في ردود الفعل الغربية "هيستيريا". وذهب متحدث باسم الكرملين، وفق وكالة "رويترز"، إلى وصف ردود أفعال الدول الغربية على "زاباد 2017" بأنها "استفزازية بنشر أجواء من الذعر والخوف من هذه التدريبات. ونحن نرفض الاتهامات التي تقول بأنها ليست مناورات شفافة".