صقر الجمهوريين المتحمس لكل الحروب... جون ماكين يخسر الرهان ضد ترامب والسرطان

27 اغسطس 2018
224AE8C7-DFF1-4382-882A-B47378AD67EF
+ الخط -
بعد عام من الصراع مع مرض السرطان، توفي مَن كان يوصف بـ"ثعلب السياسة" الأميركية، السناتور جون ماكين، صقر الحزب الجمهوري وأحد أبرز وأعرق قادته، الذي انخرط سياسياً في جميع الأحداث التي كان لبلاده دور فيها، خلال تدرّجه على سلّم السياسة الأميركية، ولا سيما في ما يخصّ الشرق الأوسط. وعلى مدى 60 عاماً من "خدمته لبلاده" عسكرياً وسياسياً، بنى جون ماكين شخصية خاصة غير تقليدية ومستقلة في أوساط السياسة الأميركية، إذ لم يكن يتردد في مخالفة حزبه والتفرّد بقراراته، حتى وصفه البعض بـ"المتمرّد"، خصوصاً أنه لم يكن يؤمن بالانضباط الحزبي. كما أنه لم يتوان يوماً عن انتقاد الرئيس الجمهوري الحالي دونالد ترامب، بأشدّ العبارات، وهو ما دفع الأخير إلى الاكتفاء بالتعزية فيه عبر تغريدة مقتضبة.
وتوفي ماكين، الطيار السابق والأسير الذي عانى التعذيب خلال حرب فيتنام، السبت، عن عمر 81 عاماً، إثر إصابته بسرطان في الدماغ. وأعلن مكتب السناتور الجمهوري، مساء السبت، في بيان، أنه توفي بعد الظهر "محاطاً بزوجته سيندي وعائلتهما". وأضاف البيان أن "بطل الحرب السابق خدم الولايات المتحدة الأميركية بإخلاص لمدة 60 عاماً". وتوفي عضو مجلس الشيوخ عن ولاية أريزونا غداة إعلان عائلته أنه قرّر التوقّف عن تلقّي العلاج.

وبدأ ماكين الآتي من عائلة من العسكريين، إذ كان والده وجده أميرالين في البحرية الأميركية، حياته العسكرية كطيار حربي شارك في حرب فيتنام، حيث أصيب ووقع في الأسر لأكثر من خمس سنوات. وتعرّض ماكين للتعذيب في فيتنام، وأصبح لاحقاً طوال حياته السياسية من أشدّ معارضي التعذيب.
وبعد عودته إلى الولايات المتحدة عند انتهاء حرب فيتنام، انتُخب في مجلس النواب، ثمّ عام 1986 في مجلس الشيوخ، حيث احتفظ بمقعده منذ ذلك الحين. وواجه أصعب انتخابات تشريعية في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، إذ لم يغفر له قسم من الناخبين المحافظين انتقاداته لدونالد ترامب. وخسر ماكين في الانتخابات التمهيدية لحزبه عام 2000 أمام جورج بوش، ثمّ عاد وفاز بالترشيح الجمهوري للانتخابات الرئاسية عام 2008، لكنه هُزم أمام باراك أوباما.
وكان ماكين يعتبر من أنصار نهج التدخّل في السياسة الخارجية، مقتنعاً بأنّ "من واجب أميركا الدفاع عن قيمها في العالم"، وكان من الدعاة لدور عسكري أميركي قوي في الخارج. وأدّت هذه المواقف إلى تهميشه عاماً بعد عام، في حزب جمهوري بات يرغب في إعادة تركيز عمله على الأولويات الداخلية. وكان يدعو باستمرار إلى زيادة الميزانية العسكرية، وترأّس حتى وفاته لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ.
وفي هذا الإطار، كان لماكين بصمة بارزة في ما يتعلّق بآرائه حول مختلف قضايا العالم، ولا سيما قضايا الشرق الأوسط، إذ لم يكتف بالتعبير عن مواقفه، بل كان يُرى أيضاً على الأرض في ميدان الدول التي تشهد صراعات؛ من بغداد إلى سورية وكابول وتايبيه وكييف. وكان ماكين من أشدّ أنصار الحرب على العراق، وأيّد زيادة عدد القوات الأميركية هناك. ومنذ اندلاع الثورات العربية، أعرب عن دعمه لـ"المنتفضين في وجه الديكتاتوريات"، وكان من أقوى المؤيدين للتدخل العسكري الغربي في ليبيا عام 2011، كما قام بزيارة القوات المعارضة للعقيد الليبي الراحل معمر القذافي، في بنغازي، في إبريل/نيسان من ذلك العام، ليكون أرفع مسؤول أميركي يزور "الثوار"، وقتها.

كذلك، دأب ماكين على مطالبة بلاده بالتدخل عسكرياً إلى جانب قوات المعارضة في سورية، وزار البلاد في مايو/أيار عام 2013، حيث التقى هذه القوات، ودعا إلى تسليحها وإقامة منطقة حظر طيران تشمل الأراضي السورية كافة. كذلك، قام ماكين بزيارة سرية إلى شمالي سورية، العام الماضي، التقى خلالها بقوات بلاده العاملة في المنطقة، وكذلك "قوات سورية الديمقراطية" والمقاتلين الأكراد، الذين كان يصفهم دائماً بـ"الحلفاء"، والذين يتذكرونه بدورهم كمؤيّد دائم لهم في جميع أماكن وجودهم.
كما كان ماكين من أشدّ الداعين إلى اتخاذ موقف متشدد من إيران، وكان إرثه مليئاً بالمواقف المناهضة لطهران، إذ كان يعدد دائماً التهديدات التي تشكّلها، منتقداً عدم اتخاذ الولايات المتحدة خطوات فعلية تجاه ذلك، ولا سيما في ما يتعلّق بنشاط طهران في منطقة الشرق الأوسط. وتعبيراً عن موقفه الحاد من النظام الإيراني، قام ماكين في إحدى حملاته لانتخابات 2008 بغناء "اقصف إيران" على أنغام أغنية بيتش بويز "باربارة آن".
وفي خضمّ توالي ردود فعل الطبقة السياسية الأميركية تكريماً لذكرى ماكين الذي كان يحظى بتقدير كبير في بلاده، اكتفى الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالتعزية فيه بتغريدة مقتضبة قال فيها "أقدم تعازيّ وأصدق احترامي لعائلة السناتور جون ماكين. قلوبنا وصلواتنا معكم!". وذلك ليس غريباً، فماكين كان من أشدّ خصوم دونالد ترامب ومنتقديه، حتى إنه أوصى قبيل وفاته بعدم حضور ترامب جنازته.
ولم يحاول ماكين والرئيس الأميركي يوما التظاهر حتى بالودّ. ولم يكن الأمر يقتصر بينهما على تنافر شخصي، بل كانت هناك خلافات جوهرية حول القيم التي يؤمن بها كل منهما، وقد تبادلا الانتقادات علناً. فقد ندد ماكين مراراً بخطاب ترامب، معتبراً أنه "يؤجج المجانين"، فجاء رد ترامب بأن ماكين "أحمق" بالكاد تمكّن من التخرج من مدرسة البحرية الأميركية. ولم يتوقّف المرشح عند هذا الحدّ، بل هاجم طيار الحرب السابق في الشق الأبرز من حياته والذي يعتبر منزها عن الانتقاد: مساره العسكري. وقال الرئيس في مقابلة، إن ماكين الذي كان ترامب يستاء من تعاليه عليه "ليس بطل حرب، إنّه بطل حرب لمجرد أنه وقع في الأسر"، وأضاف "أنا أحب الذين لم يقعوا في الأسر"، مثيراً موجة عارمة من التنديد.
وبالرغم من علاجه الذي حتم عليه التغيّب عن واشنطن، منذ كانون الأول/ديسمبر الماضي، بقي ناشطاً سياسياً بشكل نسبي. وفي صيف 2017، تحدّى ترامب، إذ صوّت في موقف لافت ضدّ إصلاحه لنظام الضمان الصحي. وكان ينتقد علناً الرئيس من غير أن يخفي يوماً ازدراءه لسلوكه وأفكاره، فيصفه بأنه "نزق" و"غير مطلع". وفي مذكراته الصادرة في أيار/مايو 2018، ندّد مرة جديدة بتودّد ترامب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي وصفه ماكين بأنه "قاتل ومجرم". واستُهدف السناتور نفسه بالعقوبات التي فرضتها روسيا رداً على عقوبات واشنطن، وهو ما شكّل بالنسبة له مصدر اعتزاز غالباً ما كان يتباهى به ممازحاً.
(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)

ذات صلة

الصورة

سياسة

على الرغم من إعادة انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، إلا أنه ما زال يواجه تهماً عديدة في قضايا مختلفة، وذلك في سابقة من نوعها في البلاد.
الصورة
هاريس تتحدث أمام تجمع النتخابي في واشنطن / 29 أكتوبر 2024 (Getty)

سياسة

حذرت المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس في خطاب أمام تجمع انتخابي حضره أكثر من 70 ألفاً في واشنطن من مخاطر فترة رئاسية ثانية لمنافسها الجمهوري دونالد ترامب.
الصورة
بانون وترامب في البيت الأبيض، 31 يناير 2017 (تشيب سوموديفيا/Getty)

سياسة

يستعين المرشح الجمهوري للرئاسيات الأميركية دونالد ترامب بفريق من المساعدين، من شديدي الولاء له، فضلاً عن اعتماده على آخرين رغم خروجهم من الدائرة الضيقة.
الصورة

سياسة

أعرب المشتبه به في محاولة اغتيال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب رايان ويسلي روث عن رغبته في القتال والموت في أوكرانيا.
المساهمون