جوليا بطرس... لولا السياسة

27 يوليو 2018
جوليا في حفل عام 2008 في دمشق (فرانس برس)
+ الخط -
قبل أسبوع، أحيت المُغنية اللبنانية، جوليا بطرس، حفلتين في مدينة صور التاريخية- جنوب لبنان. الحدث أو المهرجان حقّق نسبة حضور تجاوزت عشرين ألف متفرج، في سابقة لمفهوم وتنظيم مثل هذا النوع من الحفلات في لبنان. استثمارٌ جيد في المغنية التي لم يعد الغناء بالنسبة لها مصدراً للرزق، بل تحول إلى فن المناسبات. وعادت صاحبة "غابت شمس الحق" هاوية تتلذذ في لقاء الناس والتواصل معهم في قالب لا يخلو من الفخامة والبهرجة والتماهي الذي اتسمت به أجواء المسرح الجنوبي، فضلاً عن حوالي مئة عازف، إضافة إلى التقنيات المكلفة.
دون شكّ، تدركُ جوليا بطرس، كيفيّة اللعب على عواطف الناس. المغنية التي أطلقت نهاية الثمانينيات "غابت شمس الحق" كإهداء منها لجنوب لبنان المحتل، وإيماناً منها بخط المقاومة، أصبحَت فيما بعد "أيقونة" الغناء المقاوم، بعدما أعادت تسجيل نشيد "وين الملايين" إلى جانب زميلتيها التونسية سوسن الحمامي، والسورية أمل عرفة.

لم تقدم جوليا للمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي سوى الأغاني، واتخاذها موقفاً واضحاً من القضية الفلسطينية. موقف كان حتى بداية الثورات العربية عام 2011 مُشرفاً ويمدها بالثقة، ويثني على مواقفها، التي طالما بثت الحماس في قلوب "الجماهير" لأكثر من عقدين، ورسخت في الأذهان، صورة جوليا كمناصرة للقضايا العربية، تحمل صوتًا مطواعاً، يسكنه الحماس.

بعد سنة 2011 تغيرت المفاهيم، وانقسم العالم العربي، بين مؤيد وحالم بالتغيير نحو الحرية (من تونس الى سورية) وبين آخر لا يريد الخروج من عباءة الأنظمة الرثة. انقسم الفنانون كما الشعوب، وما كان من جوليا إلا أن وضعت نفسها في الصف الممانع للتغيير.

لم يكن مستغربًا على جوليا بطرس، أن تحافظ على ما نشأت عليه، كابنة بيت يفاخر بانتمائه للحزب القومي السوري، ولو بعد سنوات، من زواجها من وزير التربية اللبناني السابق، الياس بو صعب، وإقامتها في الإمارات العربية المتحدة. زواج قلب حياتها الفنية ووضعها في مكان مختلف عن كل ما هو مستهلك في الشارع العربي ضمن منظومة المغنيات.

يحاول الياس بو صعب اليوم أن يحمل جوليا، إلى عوالم مشابهة لما هي عليه حالة المغنيات العالميات، لا حفلات كثيرة، لا مقابلات، ولا حوارات دون مناسبة، حتى حضور جوليا بطرس على مواقع التواصل الاجتماعي يعتبر خجولاً قياساً إلى زميلاتها.

تحاول جوليا أن تستمد اليوم سطوتها الفنية، من حالة النظام اللبناني، واستقواء القوى الحاكمة بعضها ببعض. ونعني التوافق بين التيار الوطني الحر، الذي يمثله رئيس الجمهورية اللبناني ميشال عون، ومجموعة حزب الله. ومن المعروف أن زوج الفنانة، جوليا، هو زير تربية سابق، ووصل إلى سدة الوزارة لانتمائه لفصيل التيار الوطني الحر.

هكذا تكتمل صورة "البازل" الفني لحضور أو وجود جوليا اليوم وسط انقسام بين جمهورها الذي أصبح من لون واحد، ليس ذلك فحسب. وجد المعارضون برأيهم سببًا آخر لمقاطعة "فن" أو حفلات جوليا، من خلال تناقض مفهوم ومعاني الثورات التي تميز أغانيها وأسعار بطاقات حفلاتها. إذْ وصل سعر البطاقة الواحدة إلى مئتي دولار أميركي، في حين نشر البعض أن كبرى الفرق العالمية وفي مثل هذه المهرجانات لا يتعدى سعر البطاقة للحفل خمسين دولاراً.

من هنا، تهتز صورة جوليا بطرس المطربة التي عرفت كيف تؤجج أو تبث الحماس غناءً في نظر المتابعين أو معجبيها. من المتوقع أن تُحاسب جوليا في المستقبل على مواقفها الداعمة للخط السياسي الممانع اليوم، خصوصاً لو سقطت هذه الأنظمة وشهدت الدول العربية تحولات، لا بدّ وأن تسهم قليلاً في منسوب الحرية التي تنادي بها جوليا في معظم أغنياتها.
المساهمون