14 نوفمبر 2024
جنون تقبيح وتنميط اسمه "عمليات تجميل"
تبدأ حفلة الجنون بحقنة بوتوكسْ "خفيفة" من هنا، أو "تجليس" أنفٍ من هناك، أو أي تفصيلٍ آخر ينحس أيام امرأة شابة، أو غير شابة... ثم ينتهي بأتونٍ من الجنون المتسارع، يفضي إلى ما تشاهده اليوم على وجوهٍ لا تنتهي... الشابات من بين المنجرفات إلى عمليات التقبيح هذه، يصبحن "أكثر جمالاً"، على ما يتصوّرْن؛ إذ بلغن المنتهى بتحولهن إلى النسخة المطلوبة في سوق التنميط الجمالي. الأكبر عمراً مزهوّات طبعاً، فقد "تصلّحت" عيوب الأيام. ولكنهن لا "صغرن" سناً، ولا كثرن جمالاً: فقط تلوح على وجوههن سمات نساءٍ هرِمات، خضعن لعمليات تقبيح.
هذا الوباء ينتشر في كل الفئات اللبنانية: الطبقات، الطوائف، الثقافات. يفتك بالمخيّلة الأنثوية، ويفرض عليها، حماية لنفسها من شرّه، أن تهمّ وتقتصد، أو تستلف، لتنقذ نفسها منه وتشتريه، فتدفع الغالي والنفيس من أجل أن تكون شبيهة الموديل السائد: أنف دقيق، شفاه مكتنزة، جفون واسعة، حواجب مرسومة، أسنان مصفوفةٌ ناصعة، خدودٌ مرفوعة إلى فوق، (اسمها "كراسي")، تجاعيد مختفية، متجمِّدة، ثم صدر ومؤخرة عارمان، وخصر رفيع وأفخاذ دقيقة، من دون قطعة دهن واحدة على الجسد .. إلخ. ناهيك عن "الأكسسْوار"، مثل العدسات اللاصقة في العين، الملوَّنة، غالباً بالأزرق أو الأخضر، ثم الخُصلات والرموش المستعارة...
هذا هو مقياس الجمال الواحد، العالمي. أما المقياس الثاني فهو الشباب: عليكِ أن تبقي شابة دائماً. أن لا تكبري. أن لا تظهر ذاكرتك على وجهك. فتعدو الأجيال المتقدمة من النساء مسرعةً، مضحّية بكل شيء، حتى الجمال، من أجل توحيد وجوههن مع بقية الوجوه؛ فلا يختلفن إلا بدرجة "التوفيق بالطبيب الشاطر"، وربما بالحظ أيضاً...
فالطبيب الشاطر مشهورٌ لأنه هو الذي "عالج" جمال ملكة الإغراء اللبناني، وحوّلها إلى نموذج "يُقتضى به". غيره أيضاً، لا تنقصه الشهرة والسطوة على عواطف "مريضاته"، وعلى
نفوسهن. العيادات التقبيحية مزدهرةٌ في لبنان، وهي تحمي الاقتصاد الوطني المنهار، تفتح الباب عريضاً أمام "السياحة التجميلية". و"السوق" الذي يعتمده أولئك "الأطباء" لعرض "بضاعتهم" واسع رحب: بعد ملكات الإغراء، المغنيات، الممثلات، الإعلاميات، سيدات المجتمع المخملي... كل هذه الكائنات الحاضرة دوماً، المرئية على الشاشات ومواقع التواصل ومجلات "المجتمع"، كل هذه الكائنات تعطيك الفكرة عن "أنجح الأطباء". يوجد طبعاً زملاء لهم، مجهولون تماماً، لا يشاركون في حفلات التكريم والمقابلات التلفزيونية، لا يعلّقون يافطات دعائية على جوانب الطرقات، وهم "أرخص سعراً" من أطباء النجوم الكبار والمتوسطين.
وأطرف ما يخرج عن هذه الكائنات جهودها الإعلامية الشاقة، الرامية إلى نفي قيامهن بعمليات تقبيح؛ مثل تلك الإعلامية التي تنشر لنفسها صورة منذ "سنوات"، "من دون ماكياج"، تأكيداً على أنها "لم تفعلها"... أمرٌ آخر أقل طرافةً: ممثلة تنسى، أو لا تلحق "شدّ" رقبتها. هي "مهتمة" بوجهها أكثر. وعندما تظهر في المسلسل الرمضاني، لا تستطيع أن تعرفها إلا من صوتها ورقبتها. واحدة أخرى، بلغ وجهها من التشمُّع حدّاً، أنه، في مسلسل رمضاني آخر، تتربع على بطولته، لا ينتبه المشاهد أنها "تكلمت"، إلا عندما يردّ عليها البطل. إنها لا تستطيع أن تحرِّك ولو قدراً قليلاً من شفاهها أو حَنَكها... فيخالها المشاهد صامتة.
كان هذا سوق العرض. أما سوق الطلب، فهم الرجال بالدرجة الأولى، الزائغ نظرهم على طول الخط؛ هم المستهلكون الأكبر لتلك الصور. هم لا يقولونها صراحةً، بل أحياناً "يستنكرون"؛ لكن نظرهم يسبق لسانهم. حسناً: من هم أولئك الرجال؟ هل هم، أيضاً، الثمار المرّة لتوحيد الجمال وتحويله إلى بضاعة؟ هل هم جهلةٌ مثلاً؟ أو سطحيون؟ أو متعامون؟ أو فاقدون للحسّ الجمالي الخاص؟ أشبه بالبراغي في ماكينة توحيد الأذواق؟ أم أنهم مثل جماهير الطوائف، يولّون نظرهم حيث تولي الغالبية؟ ما الذي ينعش حياتهم الإيروتيكية؟ وعندما تصيبهم أسهم إيروس، هل ينشغلون بـ"حبيبتهم"، أو حتى بأنفسهم، قدر ما ينشغلون برغبات ربّتها وغذّتها أسواق التقبيح المحلية، بعد العالمية؟
كل هذا الكلام، بعد حادثةٍ أليمةٍ أودت بحياة فرح قصاب، شابة عراقية أردنية، كانت تحاول شفط الدهون في أشهر عيادة تقبيحية في لبنان. نادر صعب، الطبيب صاحب العيادة، جنى الملايين، بعدما "عالج" أشهر نجوم الغناء والتمثيل. وهو الصديق المحبوب لزوجات كبار المتنفِّذين، نساء المجتمع المخملي. خالف القانون عدة مرات. ولكنه "مغطّى"، ربما من أزواج "صديقاته" المخمليات. مثله مثل المخالفين الكبار والصغار الموالين، أو المقاولين، المتقرِّبين من هذا أو ذاك من السياسيين. لا يختلف عن غيره من الفالتين من العقاب، إلا بالمال والشهرة. وهو أيضاً، من زاويةٍ أخرى، لا يختلف عن الغالبية العظمى من الأطباء، أكانوا يتاجرون بالجمال أو الصحة. قطاع فار من القوانين والأخلاقيات، تنْهكه أشكالٌ مبتكرة من الفساد. المنتسبون إليه ينتهكون قَسَم هيبوقراط، من دون رفّة جفن. كل يوم تطلع منه فضيحة جديدة. وما يزيد من تحكّمه بمصير العباد أن الدولة التي يفترض أن تسهر على القوانين حفاظاً منها على "السياحة الطبية" أو "التجميلية"، وهذا أضعف إيمانها... هي دولة واقعة في "الكوما"، غائبة عن الوعي وعن السمع.
هذا الوباء ينتشر في كل الفئات اللبنانية: الطبقات، الطوائف، الثقافات. يفتك بالمخيّلة الأنثوية، ويفرض عليها، حماية لنفسها من شرّه، أن تهمّ وتقتصد، أو تستلف، لتنقذ نفسها منه وتشتريه، فتدفع الغالي والنفيس من أجل أن تكون شبيهة الموديل السائد: أنف دقيق، شفاه مكتنزة، جفون واسعة، حواجب مرسومة، أسنان مصفوفةٌ ناصعة، خدودٌ مرفوعة إلى فوق، (اسمها "كراسي")، تجاعيد مختفية، متجمِّدة، ثم صدر ومؤخرة عارمان، وخصر رفيع وأفخاذ دقيقة، من دون قطعة دهن واحدة على الجسد .. إلخ. ناهيك عن "الأكسسْوار"، مثل العدسات اللاصقة في العين، الملوَّنة، غالباً بالأزرق أو الأخضر، ثم الخُصلات والرموش المستعارة...
هذا هو مقياس الجمال الواحد، العالمي. أما المقياس الثاني فهو الشباب: عليكِ أن تبقي شابة دائماً. أن لا تكبري. أن لا تظهر ذاكرتك على وجهك. فتعدو الأجيال المتقدمة من النساء مسرعةً، مضحّية بكل شيء، حتى الجمال، من أجل توحيد وجوههن مع بقية الوجوه؛ فلا يختلفن إلا بدرجة "التوفيق بالطبيب الشاطر"، وربما بالحظ أيضاً...
فالطبيب الشاطر مشهورٌ لأنه هو الذي "عالج" جمال ملكة الإغراء اللبناني، وحوّلها إلى نموذج "يُقتضى به". غيره أيضاً، لا تنقصه الشهرة والسطوة على عواطف "مريضاته"، وعلى
وأطرف ما يخرج عن هذه الكائنات جهودها الإعلامية الشاقة، الرامية إلى نفي قيامهن بعمليات تقبيح؛ مثل تلك الإعلامية التي تنشر لنفسها صورة منذ "سنوات"، "من دون ماكياج"، تأكيداً على أنها "لم تفعلها"... أمرٌ آخر أقل طرافةً: ممثلة تنسى، أو لا تلحق "شدّ" رقبتها. هي "مهتمة" بوجهها أكثر. وعندما تظهر في المسلسل الرمضاني، لا تستطيع أن تعرفها إلا من صوتها ورقبتها. واحدة أخرى، بلغ وجهها من التشمُّع حدّاً، أنه، في مسلسل رمضاني آخر، تتربع على بطولته، لا ينتبه المشاهد أنها "تكلمت"، إلا عندما يردّ عليها البطل. إنها لا تستطيع أن تحرِّك ولو قدراً قليلاً من شفاهها أو حَنَكها... فيخالها المشاهد صامتة.
كان هذا سوق العرض. أما سوق الطلب، فهم الرجال بالدرجة الأولى، الزائغ نظرهم على طول الخط؛ هم المستهلكون الأكبر لتلك الصور. هم لا يقولونها صراحةً، بل أحياناً "يستنكرون"؛ لكن نظرهم يسبق لسانهم. حسناً: من هم أولئك الرجال؟ هل هم، أيضاً، الثمار المرّة لتوحيد الجمال وتحويله إلى بضاعة؟ هل هم جهلةٌ مثلاً؟ أو سطحيون؟ أو متعامون؟ أو فاقدون للحسّ الجمالي الخاص؟ أشبه بالبراغي في ماكينة توحيد الأذواق؟ أم أنهم مثل جماهير الطوائف، يولّون نظرهم حيث تولي الغالبية؟ ما الذي ينعش حياتهم الإيروتيكية؟ وعندما تصيبهم أسهم إيروس، هل ينشغلون بـ"حبيبتهم"، أو حتى بأنفسهم، قدر ما ينشغلون برغبات ربّتها وغذّتها أسواق التقبيح المحلية، بعد العالمية؟
كل هذا الكلام، بعد حادثةٍ أليمةٍ أودت بحياة فرح قصاب، شابة عراقية أردنية، كانت تحاول شفط الدهون في أشهر عيادة تقبيحية في لبنان. نادر صعب، الطبيب صاحب العيادة، جنى الملايين، بعدما "عالج" أشهر نجوم الغناء والتمثيل. وهو الصديق المحبوب لزوجات كبار المتنفِّذين، نساء المجتمع المخملي. خالف القانون عدة مرات. ولكنه "مغطّى"، ربما من أزواج "صديقاته" المخمليات. مثله مثل المخالفين الكبار والصغار الموالين، أو المقاولين، المتقرِّبين من هذا أو ذاك من السياسيين. لا يختلف عن غيره من الفالتين من العقاب، إلا بالمال والشهرة. وهو أيضاً، من زاويةٍ أخرى، لا يختلف عن الغالبية العظمى من الأطباء، أكانوا يتاجرون بالجمال أو الصحة. قطاع فار من القوانين والأخلاقيات، تنْهكه أشكالٌ مبتكرة من الفساد. المنتسبون إليه ينتهكون قَسَم هيبوقراط، من دون رفّة جفن. كل يوم تطلع منه فضيحة جديدة. وما يزيد من تحكّمه بمصير العباد أن الدولة التي يفترض أن تسهر على القوانين حفاظاً منها على "السياحة الطبية" أو "التجميلية"، وهذا أضعف إيمانها... هي دولة واقعة في "الكوما"، غائبة عن الوعي وعن السمع.