25 أكتوبر 2024
جنوب اليمن.. الضحايا لا يكذبون
يشكل مقتل قائد قوات الدعم والإسناد في مدينة عدن، العميد منير اليافعي، المكنى "أبو اليمامة"، تطوراً لافتاً في سياق الحرب الحالية في اليمن، إذ إن طي صفحة قيادي عسكري مثير للجدل، كان له ثقله الأمني في عدن، بما في ذلك ارتباطه المباشر بالاستخبارات الإماراتية، قد ينعكس على موازين القوى المحلية المتصارعة على السلطة، وتحديداً بين السلطة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من الإمارات. فعلى الرغم من تبنّي جماعة الحوثي قصف معسكر الجلاء بصاروخ باليستي وطائرة مسيرة، وهو ما أدى إلى مقتل عشرات من الجنود والضباط، بمن فيهم أبو اليمامة، فإن توقيت العملية والأطراف المستفيدة منها يلقيان الضوء على ما يبدو أشبه بتقاطع مصالح بين الأطراف المتصارعة، المحلية والإقليمية منها، فضلاً عن تزامن استهداف معسكر الجلاء مع هجوم ارهابي آخر على مركز شرطة الشيخ عثمان في عدن، إذ يرى محللون دلائل تشير إلى تورّط تنظيم القاعدة في هذه العملية، كما أعقب ذلك، في اليوم التالي، هجوم على معسكر في منطقة المحفد في مدينة أبين، تبنّاه تنظيم القاعدة، ما يعني عودة تنظيم القاعدة إلى الواجهة في جنوب اليمن، أو وجود مستوى ما من التنسيق بين أطراف متعددة، مستفيدة من تفخيخ الأوضاع الأمنية في المناطق الجنوبية.
تتعدّد السيناريوهات حيال الطرف أو الأطراف المشتركة في تنفيذ الهجوم الإرهابي على معسكر الجلاء، والذي ترتب عليه مقتل أبو اليمامة. وفي كل الحالات، لا يمكن استبعاد جماعة الحوثي التي تبنّت العملية، إذ حقق لها ذلك انتصاراً عسكرياً وأمنياً وإعلامياً مزدوجا على السلطة الشرعية، وقيادة التحالف العربي، بما في ذلك تقديم نفسها، قوة عسكرية قادرة على استهداف عمق مدينة عدن، إلا أن ما أثبتته التحليلات العسكرية اللاحقة حيال تورّط ايران بشكل مباشر في عملية إرهابية استهدفت معسكر العند في مدينة لحج، في مطلع يناير/كانون الثاني الماضي، على الرغم من تبنّي جماعة الحوثي العملية حينها، تجعلنا أكثر تحفظاً في تقبل قدرتها على استهداف معسكر الجلاء بمفردها، إذ قد تكون جماعة الحوثي مجرد شريك محلي منفذ في هذه العملية، لأجندات طرف إقليمي أو أكثر من طرف.
مع تحرير مدينة عدن، قبل أربع سنوات، وبهدف تشديد قبضتها الأمنية والعسكرية على
المدينة، شكلت الإمارات، الدولة الثانية في التحالف العربي، تشكيلاتٍ عسكريةً وأمنيةً خارج إطار السلطة الشرعية، استمدت سلطتها الفعلية على الأرض من الحماية الإماراتية، ودعمها العسكري واللوجستي. وفي هذا السياق، يعد اللواء الأول للدعم والإسناد في الحزام الأمني أهم تشكيلاتها الأمنية في مدينة عدن، إذ أسندت قيادة اللواء للعميد منير اليافعي، وهو ينتمي للسلفية الجنوبية التي انخرط بعض قاداتها في المقاومة الجنوبية، واعتنقت أيديولوجية مركبة ومتناقضة، ما بين الولاء للإمارات واستقلال الجنوب، إذ أحدثت الإمارات توليفة سياسية للسلطة الموالية لها في جنوب اليمن، جمعت بين السلفية الجنوبية الانتهازية والقيادات العسكرية والسياسية الطامحة للسلطة. وعلى امتداد سنوات الحرب، عمل أبو اليمامة، من خلال الجهاز الأمني الذي يقوده، على تنفيذ الأجندات الإماراتية في مدينة عدن، وتمظهر ذلك في تنفيذ حملاتٍ أمنيةٍ متعدّدةٍ ذات أهدافٍ مشبوهة، ترتب عليها اعتقال مئات من المواطنين الأبرياء في عدن، بما في ذلك مداهمات لمنازل قيادات ونشطاء مناوئين للوجود الإماراتي في جنوب اليمن، فضلاً عن تقييد السلطة الشرعية في مدينة عدن، حيث قاد أبو اليمامة مواجهات عسكرية مما شهدته المدينة في السنوات الماضية، ومن ثم تحول من قائد عسكري صغير طامح للسلطة إلى رئيس أحد أهم المليشيات الجنوبية المنظمة، وأهم رجالات الإمارات في عدن، ويدها الباطشة، إذ أدار ملفات أمنية لصالح الإمارات، ولذلك ارتبطت مسيرة الرجل بأسوأ مرحلة أمنية مظلمة شهدتها المدينة.
قبل أشهر، أخذت السياسة الإماراتية حيال تدخلها العسكري في اليمن منعطفا جديداً في سياق الحرب الحالية، إذ بدأت إعادة انتشار قواتها العسكرية، لمنح حلفائها المحليين في جنوب اليمن فرصةً للتحرّك وفرض أمر واقع، ومن ثم حرصت على أن يكون وجودها في هذه المرحلة مرتبطا بإدارة ملف الإرهاب في اليمن، لتحقيق غاية إقليمية، تتمثل بتأكيد شراكتها في مكافحة الإرهاب مع الولايات المتحدة الأميركية. وبالتالي، على الرغم من مأساويته، يُعد الحادث الإرهابي على معسكر الجلاء، بما في ذلك عودة نشاط تنظيم القاعدة في جنوب اليمن، مكسباً حقيقياً للإمارات، وذلك لشرعنة استمرار وجودها في جنوب اليمن، وتأكيد أن غيابها سوف يؤدي إلى فراغ أمني في الجنوب، كما أن مقتل أبو اليمامة يعني طي صفحة غامضة من ملفاتها السوداء في جنوب اليمن، أو على الأقل تنظيف ساحتها في الوقت الراهن. من جهة أخرى، وتزامناً مع سياستها الجديدة في اليمن، عمدت الإمارات أخيرا إلى تحسين علاقتها مع إيران، فعقدت اتفاقيات تنسيقٍ أمنيٍّ بين الطرفين. وفي حين من المبكر التكهن بتطورات العلاقة بينهما، فإن من البديهي أن اليمن التي ينشط بها وكلاؤهما المحليون في ظل حربٍ بلا نهاية، قد يكون ساحة للتقارب بينهما أو للصراع، في حال عادت التوترات بينهما.
في سياق إدارة الإمارات الملف الأمني والسياسي في جنوب اليمن، ربما من المفيد التطرّق إلى العلاقة التبادلية بين دول التحالف العربي، وتحديداً الإمارات، وتنظيم القاعدة، إذ انضوت عناصر من تنظيم القاعدة تحت قيادة التحالف العربي، لتحرير عدن من قبضة مليشيات الحوثي في بداية الحرب، وهو ما أكدته تقارير دولية. كما أن تداخل الاستراتيجية الإماراتية مع استراتيجية تنظيم القاعدة لا يمكن إغفالها، إذ ارتبط دخول الإمارات في معظم مدن الجنوب بذريعة محاربة القاعدة، وربما يمثل تحرير مدينة المكلا قبل أعوام، تأكيدا لهذه السياسة التبادلية. وفي هذا السياق، تشكل عودة تنظيم القاعدة في جنوب اليمن أخيرا، وتنفيذ هجمات إرهابية، مؤشراً لترابطية هذه العلاقة، إما بشكل مباشر أو غير مباشر، بشكل يرث أحدهما مناطق الآخر، أو أن أحدهما مسببٌ للآخر، فضلاً عن أن بعض التكوينات التابعة للتنظيمات الإرهابية، كتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية، تحولت إلى مقاول محلي ينفذ أجندات أطراف محلية وإقليمية.
في كل الحالات، يصب مقتل قائد قوات الدعم والإسناد، العميد منير اليافعي، في هذا التوقيت، لصالح أطراف متعدّدة، بما في ذلك عودة الهجمات الإرهابية لتنظيم القاعدة في جنوب اليمن،
إذ يبدو أن المجلس الإنتقالي الجنوبي، المنادي باستقلال جنوب اليمن عن الشمال، والمدعوم من الإمارات، حصل على فرصة ثمينة، ذلك أن مقتل هذا الرجل في الحادث الإرهابي الذي تبنته جماعة الحوثي أدى إلى تنصيب قائد عسكري جنوبي في قيادة اللواء أول في قوات الحزام الأمني في مدينة عدن أكثر رايدكالية من السابق، وموال لها، وهو علي حيدرة عسكر. ومن جهة ثانية، استغلت قيادة المجلس الانتقالي الأحداث الإرهابية في مدينة عدن، لإحداث وضع أمني جديد، يتمثل بإغلاق المدينة أمام القادمين من المحافظات الشمالية، بهدف تكريس الاستقلال، وتضييق الخناق على السلطة الشرعية في معاشيق. ومن جهة ثالثة، فقد أطلق مقتل أبو اليمامة وعشرات من الجنود الجنوبين الأبرياء يد المجلس الانتقالي لاستهداف اليمنيين المنحدرين من مناطق الشمال، إذ تزعم بعض قياداتها السياسية، ومثقفين ونشطاء جنوبيين محسوبين عليها، حملة إعلامية تستهدف كل ما هو شمالي، وقد شهدت مدينة عدن، في الأيام الأخيرة، حملة ترحيل عمال بسطاء ينحدرون من مناطق الشمال، وإحراق لبسطاتهم، واعتقالات خارج إطار القانون، ومن ثم صبت مجمل الأحداث المأسوية التي شهدتها عدن لصالح أجندة المجلس الانتقالي، ومن ثم قد تؤدي إلى فراغ أمني خطير، يمكّنه من إسقاط المدينة.
ربما، كغالبية الأحداث الدرامية التي شهدها اليمن طوال تاريخه، من الصعب تقديم رواية ذات مصداقية، إذ قد نقع، من دون أن ندري، في شرك التأويلات التي قد تكون خاطئة، إذ إن تداخل الأحداث، وتقاطع مصالح الأطراف المحلية والإقليمية في صنع دراما موت اليمنيين في ظل الحرب، يجعلنا حذرين في الاعتقاد أن هناك مجرما واحدا. ومع فداحة الأحداث الإرهابية التي عصفت بمدينة عدن، وأدت إلى مقتل أكثر من خمسين جندياً وضابطاً يمنياً، وما ترتب عليه من تصاعد حدّة العنف، وتنامي الدعوات التحريضية المناطقية، إلا أن نسج تاريخ نزيه لليافعي يبدو محاولة يائسة لتزييف تاريخ عاشه اليمنيون، حتى وإن كان بذريعة "اذكروا محاسن موتاكم"، فصدقية الموت وقدسيته لا تعنيان تبيض صفحة المنتهكين، فما يعرفه معظم اليمنيين هو أن هذا الرجل، في مسيرته الأخيرة على الأرض، كان مجرد زعيم مليشياوي في سلسلة الترتيب الهرمي للمليشيات التي أنتجتها الحرب في اليمن، قفاز آخر للأيادي الإقليمية التي تتصارع على تقسيم اليمن ونهب ثرواته، ومنتهك محلي يضاف إلى آلاف المنتهكين المحليين والإقليميين الذين أجرموا بحق اليمنيين، وهو أيضاً، في ذاكرة ذوي المعتقلين والمخفيين قسراً، اسم لا يُنسى... والضحايا لا يكذبون.
تتعدّد السيناريوهات حيال الطرف أو الأطراف المشتركة في تنفيذ الهجوم الإرهابي على معسكر الجلاء، والذي ترتب عليه مقتل أبو اليمامة. وفي كل الحالات، لا يمكن استبعاد جماعة الحوثي التي تبنّت العملية، إذ حقق لها ذلك انتصاراً عسكرياً وأمنياً وإعلامياً مزدوجا على السلطة الشرعية، وقيادة التحالف العربي، بما في ذلك تقديم نفسها، قوة عسكرية قادرة على استهداف عمق مدينة عدن، إلا أن ما أثبتته التحليلات العسكرية اللاحقة حيال تورّط ايران بشكل مباشر في عملية إرهابية استهدفت معسكر العند في مدينة لحج، في مطلع يناير/كانون الثاني الماضي، على الرغم من تبنّي جماعة الحوثي العملية حينها، تجعلنا أكثر تحفظاً في تقبل قدرتها على استهداف معسكر الجلاء بمفردها، إذ قد تكون جماعة الحوثي مجرد شريك محلي منفذ في هذه العملية، لأجندات طرف إقليمي أو أكثر من طرف.
مع تحرير مدينة عدن، قبل أربع سنوات، وبهدف تشديد قبضتها الأمنية والعسكرية على
قبل أشهر، أخذت السياسة الإماراتية حيال تدخلها العسكري في اليمن منعطفا جديداً في سياق الحرب الحالية، إذ بدأت إعادة انتشار قواتها العسكرية، لمنح حلفائها المحليين في جنوب اليمن فرصةً للتحرّك وفرض أمر واقع، ومن ثم حرصت على أن يكون وجودها في هذه المرحلة مرتبطا بإدارة ملف الإرهاب في اليمن، لتحقيق غاية إقليمية، تتمثل بتأكيد شراكتها في مكافحة الإرهاب مع الولايات المتحدة الأميركية. وبالتالي، على الرغم من مأساويته، يُعد الحادث الإرهابي على معسكر الجلاء، بما في ذلك عودة نشاط تنظيم القاعدة في جنوب اليمن، مكسباً حقيقياً للإمارات، وذلك لشرعنة استمرار وجودها في جنوب اليمن، وتأكيد أن غيابها سوف يؤدي إلى فراغ أمني في الجنوب، كما أن مقتل أبو اليمامة يعني طي صفحة غامضة من ملفاتها السوداء في جنوب اليمن، أو على الأقل تنظيف ساحتها في الوقت الراهن. من جهة أخرى، وتزامناً مع سياستها الجديدة في اليمن، عمدت الإمارات أخيرا إلى تحسين علاقتها مع إيران، فعقدت اتفاقيات تنسيقٍ أمنيٍّ بين الطرفين. وفي حين من المبكر التكهن بتطورات العلاقة بينهما، فإن من البديهي أن اليمن التي ينشط بها وكلاؤهما المحليون في ظل حربٍ بلا نهاية، قد يكون ساحة للتقارب بينهما أو للصراع، في حال عادت التوترات بينهما.
في سياق إدارة الإمارات الملف الأمني والسياسي في جنوب اليمن، ربما من المفيد التطرّق إلى العلاقة التبادلية بين دول التحالف العربي، وتحديداً الإمارات، وتنظيم القاعدة، إذ انضوت عناصر من تنظيم القاعدة تحت قيادة التحالف العربي، لتحرير عدن من قبضة مليشيات الحوثي في بداية الحرب، وهو ما أكدته تقارير دولية. كما أن تداخل الاستراتيجية الإماراتية مع استراتيجية تنظيم القاعدة لا يمكن إغفالها، إذ ارتبط دخول الإمارات في معظم مدن الجنوب بذريعة محاربة القاعدة، وربما يمثل تحرير مدينة المكلا قبل أعوام، تأكيدا لهذه السياسة التبادلية. وفي هذا السياق، تشكل عودة تنظيم القاعدة في جنوب اليمن أخيرا، وتنفيذ هجمات إرهابية، مؤشراً لترابطية هذه العلاقة، إما بشكل مباشر أو غير مباشر، بشكل يرث أحدهما مناطق الآخر، أو أن أحدهما مسببٌ للآخر، فضلاً عن أن بعض التكوينات التابعة للتنظيمات الإرهابية، كتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية، تحولت إلى مقاول محلي ينفذ أجندات أطراف محلية وإقليمية.
في كل الحالات، يصب مقتل قائد قوات الدعم والإسناد، العميد منير اليافعي، في هذا التوقيت، لصالح أطراف متعدّدة، بما في ذلك عودة الهجمات الإرهابية لتنظيم القاعدة في جنوب اليمن،
ربما، كغالبية الأحداث الدرامية التي شهدها اليمن طوال تاريخه، من الصعب تقديم رواية ذات مصداقية، إذ قد نقع، من دون أن ندري، في شرك التأويلات التي قد تكون خاطئة، إذ إن تداخل الأحداث، وتقاطع مصالح الأطراف المحلية والإقليمية في صنع دراما موت اليمنيين في ظل الحرب، يجعلنا حذرين في الاعتقاد أن هناك مجرما واحدا. ومع فداحة الأحداث الإرهابية التي عصفت بمدينة عدن، وأدت إلى مقتل أكثر من خمسين جندياً وضابطاً يمنياً، وما ترتب عليه من تصاعد حدّة العنف، وتنامي الدعوات التحريضية المناطقية، إلا أن نسج تاريخ نزيه لليافعي يبدو محاولة يائسة لتزييف تاريخ عاشه اليمنيون، حتى وإن كان بذريعة "اذكروا محاسن موتاكم"، فصدقية الموت وقدسيته لا تعنيان تبيض صفحة المنتهكين، فما يعرفه معظم اليمنيين هو أن هذا الرجل، في مسيرته الأخيرة على الأرض، كان مجرد زعيم مليشياوي في سلسلة الترتيب الهرمي للمليشيات التي أنتجتها الحرب في اليمن، قفاز آخر للأيادي الإقليمية التي تتصارع على تقسيم اليمن ونهب ثرواته، ومنتهك محلي يضاف إلى آلاف المنتهكين المحليين والإقليميين الذين أجرموا بحق اليمنيين، وهو أيضاً، في ذاكرة ذوي المعتقلين والمخفيين قسراً، اسم لا يُنسى... والضحايا لا يكذبون.