تتعلق هذه الجرائم بالتورط في الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين غير الشرعيين، وانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، وإنشاء سجون سرية، بالإضافة للتورط في السطو على بنوك وسرقة أموالها.
التعدي على النفط
أكد تقرير الخبراء أن قوات حفتر تدخلت في شؤون إنتاج النفط، بعد سيطرتها على مواقعه وموانئه شرق وجنوب البلاد، وفرضت على الشركات تعليق عملها ووقف إنتاج النفط من خلال حصار حقول نفطية.
وأشار تقرير الخبراء إلى أن شركة Walter Scheel الألمانية، التي تشغل موقعين نفطيين شرق سرت أجبرت على تعليق عملها من نوفمبر/تشرين الثاني 2017 وحتى يناير/كانون الثاني 2018 من قبل كتيبة يقودها ضابط يدعى، فتحي أرحيم، تابع لقوات حفتر.
وأكد التقرير أن أرحيم، رافق في يناير الماضي رئيس مؤسسة النفط الموازية في بنغازي لزيارة مقر الشركة الألمانية لإصدار أمر للشركة باستمرار تعليق عملها، رغم معارضة الشركة ومعارضة المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس.
لكن الأكثر إثارة ولفتا للأنظار حديث التقرير عن تورط ضباط تابعين لقوات حفتر في جلب مرتزقة من المعارضة التشادية للقتال إلى جانب إبراهيم الجضران، قائد حرس المنشآت النفطية السابق، في هجومه الأخير على منطقة الهلال النفطي في يونيو/حزيران الماضي.
وكشف التقرير أن ناصر بن جريد جلب مرتزقة تشاديين بقيادة حسن موسى للقتال إلى جانب، الجضران.
من هو بن جريد؟
وينتمي بن جريد إلى قبيلة القذاذفة، وهو ضابط سابق في قوات الرئيس السابق معمر القذافي، لكنه انخرط ضمن العمليات العسكرية كأحد قادتها منذ عام 2015، وتولى إمرة قوة مساندة لكتيبة زلة التابعة لحفتر، والتي تسيطر على حوض زلة النفطي، شرقي سرت، وعرف في تلك المناطق بعلاقاته الوطيدة بمليشيات حركة "العدل والمساواة" السودانية، التي جلبها للقتال في صفوف حفتر.
ورغم أن أغلب مقاتليه من أنصار النظام السابق، الذين ظهروا في أكثر من فيديو على شبكات التواصل الاجتماعي حاملين للرايات الخضراء، إلا أن قوات حفتر دافعت عن كتيبة بن جريد أكثر من مرة، فقد أكد المتحدث باسم غرفة عمليات سرت الكبرى التابعة لحفتر، أبوبكر الصادق المجبري، في تصريحات في مايو أن بن جريد ضابط بــ"الجيش" (قوات حفتر)، ولا علاقة به بالنظام السابق.
وفي نوفمبر 2016 اتهم النائب عن منطقة سبها، مصباح دومة، قوات حفتر بتأجيج الصراع في المدينة، ونقل عن قيادة قوات حفتر قولها بأن بن جريد هو من زج بمقاتلي وسلاح حفتر في معارك المدينة، لكن قيادة حفتر لم تصدر أي بيان رسمي بشأن بن جريد، مما اعتبره، دومة، دليلا على تورط قوات حفتر بأحداث المدينة وقتها.
وبدا لافتا في تقرير الخبراء، كشف النقاب عن دعم بن جريد لقوات الجضران بالمرتزقة، وبما يشير ربما إلى سعي قوات حفتر إلى توريطه في الهجوم على موانئ الهلال النفطي، التي أعقبها قرار مفاجئ من حفتر بنقل تبعية الموانئ والحقول النفطية إلى مؤسسة النفط الموازية في بنغازي، بعد طرد الجضران وقواته من منطقة الهلال.
السطو على البنوك
وفي ثنايا استعراض التقرير للاعتداءات التي تعرضت لها المؤسسات السيادية في البلاد، كشف الخبراء عن تورّط صدام خليفة، نجل اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر بسرقة أموال حكومية في نهاية 2017، خلال عملية نفذتها جماعة من الكتيبة 106 التابعة لقوات حفتر، للسطو على فرع مصرف ليبيا المركزي وسط مدينة بنغازي، مشيرا إلى أن عملية السطو انتهت إلى نقل نحو 639 مليون دينار و159 مليون يورو و1.900 مليون دولار، بالإضافة إلى 5869 قطعة فضية إلى مكان مجهول.
فيما نقل التقرير نفي علي الحبري، محافظ البنك المركزي الموازي في البيضاء شرق البلاد، المعين من مجلس نواب برلمان طبرق، لعملية السطو، وتبريراته أن العملية كانت بمعرفة البنك، حيث إن كميات الأموال "تعرضت للتلف بسبب تسرب مياه الصرف الصحي إليها"، معتبرا هذه التصريحات "متناقضة وغير مكتملة".
ونقل التقرير عن مصادر وصفها بـ"الموثوقة" أن معظم الأموال المسروقة قد تقاسمها قادة قوات حفتر بعد نقلها من بنغازي.
وأضاف التقرير أن عددا من مسؤولي البنك اعترفوا بضغوط مورست عليهم من قوات حفتر "كي يمكنوهم من الحصول على السيولة النقدية وخطابات الائتمان"، وأن بعضهم قرر المغادرة إلى خارج البلاد لأسباب أمنية، لافتاً أن فرع البنك في بنغازي كان تحت حماية "فرج قعيم"، نائب وزير داخلية حكومة الوفاق، قبل احتجازه من قبل قوات حفتر، في إشارة إلى الهجوم المسلح الذي قادته قوات حفتر في نوفمبر من العام الماضي على مقرات "قعيم" العسكرية شرق بنغازي، واختطافه ونقله إلى سجن سري قبل أن تفرج عنه منتصف أغسطس/آب الماضي.
جرائم وسجون سرية
أكد التقرير ارتكاب قوات حفتر لجرائم ضد مدنيين يقبعون في سجون يسيطرون عليها، مؤكداً أنها "تتبع الشرطة القضائية اسميا"، ووصف تلك الجرائم بـ"انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك الحرمان من الحرية بشكل غير قانوني والتعذيب الذي أفضى في بعض الحالات إلى وفيات".
وأكد تقرير الخبراء، أنه حتى أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي يقبع في سجون حفتر 6500 شخص محتجزين بوقائع سياسية أو اقتصادية أو دينية.
وفي بنغازي، أكد التقرير أن كتيبة أولياء الدم التابعة لحفتر تدير سجنا في بوهديمة يشرف عليه معمر البيها وعادل مخدة، المقربان من محمود الورفلي قائد الإعدامات بقوات حفتر، والذي أكد التقرير أنه زار السجن.
وأوضح أن المحتجزين فيه يعيشون ظروفا غير إنسانية وتعرضوا للتعذيب، وفيما لا يزال بعضهم مفقودين عثر على جثث بعضهم الآخر ملقاة في شارع الزيت بالمدينة، وصادرت الكتيبة ممتلكات ومنازل المحتجزين، مما اضطر أهاليهم للفرار من بنغازي.
وبين التقرير أن سجونا سرية أخرى تديرها قوات حفتر لم يتمكن من احتجز فيها من تحديد مكانها، كما قامت مليشيات أخرى تابعة لحفتر تعرف باسم الكتيبة 152 في منطقة الهلال النفطي بإخفاء قسري واحتجاز تعسفي، من بينها اختطاف 60 مواطناً في سبتمبر/أيلول 2016.
وعن درنة أكد الخبراء أنهم لا يزالون يحققون في حالات قصف عشوائي وإعدام ارتكبتها قوات حفتر بالمدينة إبان حربها الأخيرة فيها، مشيرة أن مليشيات حفتر أبلغت الأسر النازحة من المدينة جراء الحرب بأن رحيلهم "نهائي ولا أمل لهم في العودة".
الاتجار بالبشر
رصد التقرير أثناء استعراضه لقضية تهريب المهاجرين غير الشرعيين ثلاثة مواقع رئيسية هي الكفرة وتازربو وبني وليد، وأكد أن كتيبة "سبل السلام" التابعة لقوات حفتر والمسيطرة على المدينة باسمه متورطة في تجارة البشر، رغم أنها تزعم بأنها مكلفة من حفتر بمكافحة التهريب عبر الحدود.
وكشف التقرير أن "سبل السلام" توفر حراسات لقوافل التهريب من حدود السودان إلى الكفرة مقابل 10 آلاف دينار ليبي لكل شاحنة صغيرة، كما أن مخيم القريات بالكفرة الخاص باحتجاز المهاجرين غير الشرعيين سجلت فيه حالات انتهاك لحقوق الإنسان من قبل الكتيبة 432 التابعة لحفتر.
وفي تازربو الموقع الثاني يؤكد التقرير تورط كتيبة تابعة لحفتر مؤلفة من 60 مسلحا في ذات النشاط، حيث تتلقى 12 ألف دينار ليبي عن كل نقلة.
لكن التقرير يكشف عن علاقة غريبة بين قوات حفتر في تازربو بالمهرب الشهير موسى دياب، الذي أكد التقرير أن قوات حفتر تنقل له المهاجرين من تازربو عبر الصحراء إلى بني وليد.
من هو موسى دياب؟
موسى دياب، من أشهر المهربين الذين أشارت لهم عديد التقارير الدولية، يسيطر على مراكز التجميع الرئيسية للمهاجرين في بني وليد الواقعة جنوب مصراته، والتي تربط طرقات الصحراء بنقاط التهريب على طول الساحل الغربي الليبي.
ويذكر التقرير أن دياب ارتكب جرائم تعذيب بشعة بحق مهاجرين، بل وقتل لمن يحاول الهرب من سجونه.
لكن التقرير يكشف عن جانب مثير في شخصية دياب، المرتبط بقوات حفتر، وهي عن علاقته بتنظيم "داعش"، حيث يؤكد التقرير أن دياب يقدم الطعام والدعم المالي لمقاتلي التنظيم.
وهي ذات المعلومات التي أكدها رئيس قسم التحقيقات بمكتب النائب العام، في بيان متلفز في مارس/آذار الماضي، حيث أكد أن دياب هو من عالج جرحى داعش في بني وليد إثر سقوط معاقلهم في سرت عام 2016 على يد قوات البنيان المرصوص.