27 سبتمبر 2018
جرائم النظام السوري واليسار الممانع
يمكن تعداد جرائم عديدة ضد الإنسانية في سورية، ارتكبتها السلطة، وهي جرائم فظيعة، أدت إلى استشهاد مئات آلاف المواطنين، واعتقال مئات آلاف آخرين قتل كثيرون منهم في السجون. وتم تدمير عشرات القرى والمدن، وانهيار الاقتصاد، وطبعاً دمار الجيش الذي انشق عنه، أو هرب منه أكثر من مائتي ألف، وقتل منه مئة ألف، ولم يبق منه سوى بعض سلاح الطيران. وباتت السلطة تسيطر على ربع مساحة الدولة، وهُجّر أو لجأ أكثر من نصف السكان، قتل آلاف منهم غرقاً.
لم يحدث ذلك كله نتيجة احتلال "إمبريالي"، كما حدث في العراق الذي عانى زمن الاحتلال من كثيرٍ مما يعانيه الشعب السوري، بل حدث بفعل مجمل السياسات الوحشية التي قامت بها السلطة (بدعم ومساندة ومشاركة من إيران ومليشياتها الطائفية التي باتت هي التي تحمي السلطة، وتحافظ على بقايا وجودها، وكذلك من روسيا التي أمدتها بأفتك الأسلحة وبخبرة البراميل المتفجرة، وبأحدث الطائرات). فقد دمرت وقتلت باستخدام الجيش والأمن والشبيحة، لكن الاحتقان الذي اخترق الجيش دفع إلى هذا العدد الكبير من "الهاربين"، وتدمرت القوات المستخدمة بشكل كبير (الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري وبعض الوحدات الخاصة). انتهى "التوازن الإستراتيجي" الذي أقامه حافظ الأسد على الصواريخ البالستية (السكود)، وتلاشى الجيش إلا بقايا. وربما هذه أكبر جريمة قامت بها السلطة التي لم تقتنع بأنها عاجزة عن الاستمرار، بعد أن تمرّد الشعب، وتحرّر من حالة الخوف التي زرعتها طوال عقود من الحكم الشمولي الاستبدادي. ولهذا، مارست "سياسة الأرض المحروقة" تحت عنوان "الأسد أو نحرق البلد".
ولا شك في أن كل هذه الوحشية لم تكن ناتجة عن مواجهة "عصابات مسلحة"، أو حتى "جيوش من الإرهابيين"، بل كانت نتاج العمل على سحق شعب تمرّد عليها، ويريد رحيلها، حيث إن الحرب ضد عصاباتٍ لا تحتاج إلى طائرات وصواريخ استراتيجية وجيوش، بل تكفيها "وحدات خاصة" فقط، فقد عملت السلطة، عن قصد، على الحرق والسحق لشعب تمرّد، حيث "لا يجوز تمرد العبد على السيد" وفق منظورها. لهذا، أطلقت كل وحشية ورثتها من تراث العصابات والشبيحة، لكي تسحق الشعب، حتى وإنْ فرض ذلك إبادته. وهذا ما ظهر بعدد ما يمكن أن يوضع تحت بند "جرائم حرب"، أو "جرائم ضد الإنسانية". وكانت السلطة بحاجة إلى هذا المستوى من الوحشية، على أمل أن تبقى في السلطة، ولو على شعب من بضعة آلاف من البشر، أو حتى "لا أحد"، فالأمر يتعلق بـ "الأسد أو نحرق البلد"، وما جرى هو حرق البلد بكل الوحشية الممكنة.
ليس استخدام الأسلحة الكيماوية وحده ما يعدُّ جريمة حرب، وهذا ما اهتمَّ بعضهم به جزئياً.
لكن، يمكن أن نعدد جرائم حرب وعمليات إبادة أخرى، مثل الاعتقال الواسع والقتل في السجون، فما ظهر بالصور التي عُرضت يشير إلى قتل إحدى عشر ألف سجين، وهو عدد لا يشمل العامين السابقين، حيث تزايد قتل السجناء، فالسلطة تقتل الناشطين (وهم ليسوا أصوليين، أو إرهابيين) بالضبط، لأنها تريد قتل الثورة، وهذه جريمة حرب. وهناك حصار المناطق، ومنع دخول الغذاء والدواء، ودفع الناس إلى الموت جوعاً، هذا ما حصل في داريا والمعضمية والغوطة الشرقية، وفي حمص، ودير الزور، وفي مناطق عديدة، وهي جريمة حرب كذلك. ظهر هنا أن السلطة تعاقب الشعب الذي تمرّد عليها، وتريد فناءه، ولا يتعلق الأمر بإرهابيين، فالحصار هو لمدن وقرى وأحياء، وليس لمجموعات "إرهابية" متحصنة في مكان ما. ومن دون أن ننسى أن استخدام الصواريخ البالستية والبراميل المتفجرة جرائم حرب، لأنها تُطلق على المدن والقرى من دون تمييز، ولا تطلق ضد جيش آخر. ولا شك في أن البراميل المتفجرة هي الأكثر تعبيراً عن "العقاب الجماعي". بالضبط لأنها تُلقى من دون تمييز، وبلا هدف عسكري، بل هدفها هو القتل، قتل العدد الأكبر من الناس، وتدمير الحجم الأكبر من الأبنية.
وكل هذه الممارسات الوحشية هي التي أنتجت جريمة جديدة، هي جعل البلد "غير ممكن السكن"، حيث يقود التدمير والقتل إلى الهرب من المناطق المتضررة، ولما كانت هذه المناطق تشمل معظم سورية المأهولة (سوى المناطق التي يسيطر النظام عليها، وتلك التي تسيطر داعش عليها)، فقد نتج عن ذلك نزوح كبير، داخلي وخارجي، خصوصاً بعد انهيار الوضع الاقتصادي والعجز عن توفير العمل والمال. بالتالي، كل هذه الجرائم، ونتائجها التي ظهرت في الانهيار الاقتصادي هي التي فرضت حدوث حالة النزوح الكبيرة (أكثر من نصف سكان سورية). وبالتالي، أدت إلى موت أعداد كبيرة غرقاً في البحر.
كل هذه الممارسات جرائم حرب، حيث يظهر واضحاً ميل السلطة إلى سحق الشعب الذي تمرَّد، فهي تدافع عن مصالح كسبتها، وأدت إلى نهب فئة حاكمة "القطاع العام"، وتحكّمها بجزء مهم من الاقتصاد، لتبدو سورية "المزرعة" التي يجب "الدفاع" عنها، في مواجهة الشعب المنهوب، والذي أصبح عاطلاً عن العمل، أو عاجزاً عن العيش نتيجة انخفاض الأجور، والتعرُّض لنهب الضرائب التي تفرضها السلطة، واحتكار المسيطرين على الاقتصاد. هنا، تظهر وحشية الطبقة المسيطرة، ويظهر ميلها لكي تبقى مسيطرة، حتى وإنْ أدى ذلك إلى سحق الشعب وقتله. إنها تدافع عن مصالحها بكل الوحشية، وترتكب جرائم عديدة ضد الإنسانية، فقط لكي تبقى متحكمة ومسيطرة.
نفهم لماذا لا تريد الدول الإمبريالية محاسبة السلطة على ذلك كله، حيث إنها لا تمانع في القتل والتدمير، كما فعلت أميركا في العراق (وقبلها في فيتنام)، وكما تريد أن يظهر مآل الثورات كي "تتأدب" الشعوب الأخرى، فلا تجرؤ على التمرد. لكن، كيف يمكن ليسار أن يغض النظر عن ذلك كله، ويقف إلى صف السلطة؟
يسار بلا قيم ليس يساراً.
لم يحدث ذلك كله نتيجة احتلال "إمبريالي"، كما حدث في العراق الذي عانى زمن الاحتلال من كثيرٍ مما يعانيه الشعب السوري، بل حدث بفعل مجمل السياسات الوحشية التي قامت بها السلطة (بدعم ومساندة ومشاركة من إيران ومليشياتها الطائفية التي باتت هي التي تحمي السلطة، وتحافظ على بقايا وجودها، وكذلك من روسيا التي أمدتها بأفتك الأسلحة وبخبرة البراميل المتفجرة، وبأحدث الطائرات). فقد دمرت وقتلت باستخدام الجيش والأمن والشبيحة، لكن الاحتقان الذي اخترق الجيش دفع إلى هذا العدد الكبير من "الهاربين"، وتدمرت القوات المستخدمة بشكل كبير (الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري وبعض الوحدات الخاصة). انتهى "التوازن الإستراتيجي" الذي أقامه حافظ الأسد على الصواريخ البالستية (السكود)، وتلاشى الجيش إلا بقايا. وربما هذه أكبر جريمة قامت بها السلطة التي لم تقتنع بأنها عاجزة عن الاستمرار، بعد أن تمرّد الشعب، وتحرّر من حالة الخوف التي زرعتها طوال عقود من الحكم الشمولي الاستبدادي. ولهذا، مارست "سياسة الأرض المحروقة" تحت عنوان "الأسد أو نحرق البلد".
ولا شك في أن كل هذه الوحشية لم تكن ناتجة عن مواجهة "عصابات مسلحة"، أو حتى "جيوش من الإرهابيين"، بل كانت نتاج العمل على سحق شعب تمرّد عليها، ويريد رحيلها، حيث إن الحرب ضد عصاباتٍ لا تحتاج إلى طائرات وصواريخ استراتيجية وجيوش، بل تكفيها "وحدات خاصة" فقط، فقد عملت السلطة، عن قصد، على الحرق والسحق لشعب تمرّد، حيث "لا يجوز تمرد العبد على السيد" وفق منظورها. لهذا، أطلقت كل وحشية ورثتها من تراث العصابات والشبيحة، لكي تسحق الشعب، حتى وإنْ فرض ذلك إبادته. وهذا ما ظهر بعدد ما يمكن أن يوضع تحت بند "جرائم حرب"، أو "جرائم ضد الإنسانية". وكانت السلطة بحاجة إلى هذا المستوى من الوحشية، على أمل أن تبقى في السلطة، ولو على شعب من بضعة آلاف من البشر، أو حتى "لا أحد"، فالأمر يتعلق بـ "الأسد أو نحرق البلد"، وما جرى هو حرق البلد بكل الوحشية الممكنة.
ليس استخدام الأسلحة الكيماوية وحده ما يعدُّ جريمة حرب، وهذا ما اهتمَّ بعضهم به جزئياً.
وكل هذه الممارسات الوحشية هي التي أنتجت جريمة جديدة، هي جعل البلد "غير ممكن السكن"، حيث يقود التدمير والقتل إلى الهرب من المناطق المتضررة، ولما كانت هذه المناطق تشمل معظم سورية المأهولة (سوى المناطق التي يسيطر النظام عليها، وتلك التي تسيطر داعش عليها)، فقد نتج عن ذلك نزوح كبير، داخلي وخارجي، خصوصاً بعد انهيار الوضع الاقتصادي والعجز عن توفير العمل والمال. بالتالي، كل هذه الجرائم، ونتائجها التي ظهرت في الانهيار الاقتصادي هي التي فرضت حدوث حالة النزوح الكبيرة (أكثر من نصف سكان سورية). وبالتالي، أدت إلى موت أعداد كبيرة غرقاً في البحر.
كل هذه الممارسات جرائم حرب، حيث يظهر واضحاً ميل السلطة إلى سحق الشعب الذي تمرَّد، فهي تدافع عن مصالح كسبتها، وأدت إلى نهب فئة حاكمة "القطاع العام"، وتحكّمها بجزء مهم من الاقتصاد، لتبدو سورية "المزرعة" التي يجب "الدفاع" عنها، في مواجهة الشعب المنهوب، والذي أصبح عاطلاً عن العمل، أو عاجزاً عن العيش نتيجة انخفاض الأجور، والتعرُّض لنهب الضرائب التي تفرضها السلطة، واحتكار المسيطرين على الاقتصاد. هنا، تظهر وحشية الطبقة المسيطرة، ويظهر ميلها لكي تبقى مسيطرة، حتى وإنْ أدى ذلك إلى سحق الشعب وقتله. إنها تدافع عن مصالحها بكل الوحشية، وترتكب جرائم عديدة ضد الإنسانية، فقط لكي تبقى متحكمة ومسيطرة.
نفهم لماذا لا تريد الدول الإمبريالية محاسبة السلطة على ذلك كله، حيث إنها لا تمانع في القتل والتدمير، كما فعلت أميركا في العراق (وقبلها في فيتنام)، وكما تريد أن يظهر مآل الثورات كي "تتأدب" الشعوب الأخرى، فلا تجرؤ على التمرد. لكن، كيف يمكن ليسار أن يغض النظر عن ذلك كله، ويقف إلى صف السلطة؟
يسار بلا قيم ليس يساراً.