جرائم "الشرف" في الأردن بين القانون والمجتمع
تقول وزارة التنمية الاجتماعية الأردنية، على موقعها على الإنترنت، إن الجرائم المرتكبة ضد النساء باسم الشرف تُعد، حيثما وأينما وجدت، من أنواع العنف ضد المرأة. وتنقل عن تقديرات صندوق الأمم المتحدة للسكان أن خمسة آلاف جريمة قتل بحق النساء تحت ذريعة شرف العائلة ارتكبت في العالم عام 2002، منها 10% في باكستان، وأقل من 1% في الأردن.
جريمة الشرف، بحسب "ويكيبيديا"، هي جريمة قتل يرتكبها غالباً أحد الأعضاء الذكور في أسرة ما، أو قريب ذكر للأسرة، بحق أنثى أو مجموعة إناث في الأسرة نفسها، لأسبابٍ، في الغالب، ظنّية، تتعلق بشكوك حول ارتكاب الأنثى فعلاً مُخلَّا بالأخلاق في نظر الجاني، بهدف "الحفاظ على شرف العائلة"، أو ما يوصف بـ"غسل العار".
وبحسب الإحصائيات في موقع الوزارة الأردنية، سُجّلت تسع جرائم من هذا النوع في عام 1995، وست جرائم في 1998، وارتفع العدد في 2006 إلى 18، وفي 2007 إلى 17. فيما تقول إحصائيات معلنة أخرى إن 12 جريمة بذريعة الشرف سجلت عام 2014، وثمانية عام 2016. وبينما تقدّر منظمة هيومن رايتس ووتش المعدّل السنوي لهذه الجرائم في الأردن بين 12 و14 جريمة، ذكرت تقارير صحفية إن عددها في العام الماضي (2019) بلغ 20 جريمة، لكن تلك التقارير أوضحت أنه لا يمكن الجزم بأنها جميعها وقعت بذريعة الشرف فعلاً، إذ لا يمكن التأكد من ذلك إلا خلال محاكمة الجاني.
تذرّع بالشرف، بينما الدافع الحقيقي للقتل خلافٌ على الميراث، أو على الدخل الشهري، أو خلافات عائلية عادية
ومنذ بداية العام الجاري، وقعت سبع جرائم قتل أسرية بحق نساء في الأردن، بحسب معهد تضامن النساء الأردني الذي لاحظ أن هذه الجرائم انخفضت بنسبة 25% خلال شهور الحجر المنزلي لمواجهة فيروس كورونا، مقارنة بالفترة المناظرة من العام الماضي. جديد هذه الجرائم وقعت قبل أيام، حين أقدم أب، في قرية على حدود العاصمة عمّان، على قتل ابنته العاملة في مدرسة خاصة، بعد أن طعنها بسكين في رقبتها داخل منزل العائلة، ثم لحقها إلى الشارع وهي تنزف وتصرخ، فضربها بحجر على رأسها، ما أدى إلى وفاتها. ونُقل عن شهود عيان أن الأب أحضر كرسياً وجلس إلى جوار جثة ابنته ليشرب الشاي، بينما تناقل معلّقون على مواقع التواصل الاجتماعي أن الفتاة التي كانت في مطلع العقد الرابع من عمرها تعرّضت للتعنيف من أبيها غير مرة، على خلفية طلبه الحصول على راتبها، وأنها قُتلت أخيراً بسبب الخلاف على ذلك المال.
وعادة ما يتذرع مرتكبو تلك الجرائم بـ"الشرف"، لتبرير جريمتهم، ولو كان السبب الحقيقي لا علاقة له بهذه المسألة. وقبل العام 2001، كان مرتكبو تلك الجرائم يستفيدون من مادة قانونية تخفّف الحكم القضائي على جريمتهم إلى السجن، بين ثلاثة شهور وسنة واحدة، إذا انطبق عليهم "العذر المحل"، ومفاده: "من فاجأ زوجته أو إحدى محارمه حال التلبس بالزنا مع شخص آخر وأقدم على قتلهما أو جرحهما أو إيذائهما كليهما أو أحدهما، أو من فاجأ زوجته أو إحدى أصوله مع آخر على فراش غير مشروع". غير أن حملة مجتمعية قادت، في ذلك العام، إلى إلغاء ذلك "العذر المحل"، وترك تحديد عقوبة مرتكب مثل تلك الجريمة إلى تقدير القاضي، أي أن التعديل جعلها كغيرها من جرائم القتل التي يُعاقب عليها القانون، لكنه عهد للقاضي تقدير ما إذا كانت ظروف الجريمة تستوجب تخفيف الحكم أم لا، استناداً إلى مادةٍ قانونيةٍ أخرى، تقضي بتخفيف الحكم القضائي إذا وقعت الجريمة تحت تأثير "سورة الغضب"، لكن ذلك التخفيف لم يصل إلى مثل تلك الأحكام القصيرة السابقة، بل أدّى إلى تخفيف عقوبة القتل إلى النصف مثلاً، كأن يُحكم على الجناة بالسجن عشر سنوات، بدلاً من عشرين. وفي العام 2017، دفعت حملة مجتمعية جديدة إلى إلغاء ذلك العذر المخفف عن مرتكبي جرائم الشرف، فباتت المادة القانونية تنص على أنه "لا يستفيد فاعل الجريمة من العذر المخفف، إذا وقع الفعل على أنثى بداعي المحافظة على السمعة والاعتبار".
منذ بداية العام الجاري، وقعت سبع جرائم قتل أسرية بحق نساء في الأردن
وعلى الرغم من ذلك كله، لم ينخفض معدل عدد تلك الجرائم السنوي في الأردن، وكأن تعديل القانون ليس ذا اعتبار في نظر مرتكبيها. والحال أن الأبعاد الاجتماعية ظلت سيدة الموقف بعيداً عن التعديلات القانونية، إذ لم تتغير نظرة الفئات الاجتماعية التي تفهم شرف العائلة من خلال سلوك نسائها، نحو تلك الجرائم، فظل مطلوباً غسل العار وتطهير شرف العائلة، أياً كانت العقوبة.
ما يجب ملاحظته في هذا السياق أن مسألة "الشرف" على أساس سلوك المرأة لا يمكن تعميمه على جميع فئات المجتمع الأردني، بل هو على الأغلب منتشرٌ في البيئات الأكثر محافظة، التي لا تتسامح مع أي نوعٍ من العلاقات العاطفية التي يمكن أن تقيمها امرأة مع رجل، حتى لو كانت علاقة بريئة بغرض الزواج، ولا تتضمّن علاقة جنسية، فتلك عند بعضهم كافية للإقدام على قتل نساء، هنّ على الأغلب فتيات صغيرات في مقتبل العمر، يحلمن بالحب والزواج والمستقبل، وهو الأمر نفسه السائد في معظم البلاد العربية.
لم ينخفض معدل عدد تلك الجرائم السنوي في الأردن، وكأن تعديل القانون ليس ذا اعتبار في نظر مرتكبيها
أما ما هو أسوأ، فالتذرّع بالشرف، بينما الدافع الحقيقي للقتل خلافٌ على الميراث، أو على الدخل الشهري، أو خلافات عائلية عادية أخرى، إذ تكون الجريمة هنا مضاعفة: تبدأ بالقتل، وتقود إلى تشويه سمعة الضحية، عبر اتهامها بإقامة علاقاتٍ غير مشروعة، غرض الجاني في ذلك الظهور أمام المجتمع بمظهر البطل الذي طهّر شرف العائلة، وكثيراً ما قاد الكشف الطبي على جثة الضحية إلى إثبات أنها كانت عذراء. والغريب في هذا المقام أن قطاعاتٍ من متلقي أخبار تلك الجرائم يلجأون قبل سماع تفاصيلها إلى تبريرها بالدفاع عن الشرف، كحال جريمة القتل التي شرب بعدها الجاني الشاي قرب جثة ابنته، إذ كتب معلقون على وسائل التواصل الاجتماعي أن لا معلومات إضافية لديهم سوى ما نشر في الأخبار، ما يفيد بأن أباها ربما اكتشف سرّاً يمسّ سمعة ابنته فأقدم على قتلها.
والحال أن علاج هذه المسألة التي لا يمكن تسميتها "ظاهرة"، لأن قطاعات واسعة في المجتمع الأردني تؤمن فعلاً بحرية المرأة، وحقها في بناء مستقبلها الأسري، إنما يكمن في بعدها الاجتماعي، بعد أن جرى فعلاً معالجة بعدها القانوني. ثمّة حاجة لإعادة صياغة النظرة إلى المرأة في ثقافة تلك القطاعات التي تستسهل قتل نسائها بذريعة الشرف، وهذه مسألةٌ ليست هيّنة، وقد اشتغلت عليها جهاتٌ ناشطة في المجتمع المدني الأردني منذ سنوات طويلة، ولكن لا يبدو أن قدراً كافياً من النجاح كان حليفها.