وقال مدير مركز الدراسات والتوثيق في مدينة تدمر، ناصر عبد العزيز، لـ"العربي الجديد"، إن "معارك عنيفة تدور بين التنظيم وقوات النظام في شمال شرق المدينة، عند منطقة صوامع الحبوب التي تبعد 14 كيلومتراً عن المدينة. وسيطر التنظيم ظهر السبت على ثلاثة حواجز لقوات النظام والمليشيات التابعة لها في محيط منطقة الصوامع". وأضاف أن "اشتباكات عنيفة تدور أيضاً في المنطقة الجنوبية على بعد 12 كيلومتراً، وبالتحديد في منطقتي السكري وهيال، حيث يحاول التنظيم الوصول إلى أعلى قمة في منطقة جبل هيال الاستراتيجي، والتي تبعد عدة كيلومترات عن المدينة الأثرية جنوب تدمر، كما تدور معارك بين الطرفين على جبهة الكتيبة المهجورة غرب المدينة".
ويشنّ التنظيم هجوماً من الجهة الغربية في ريف المدينة، وتحديداً من محور الكتيبة المهجورة المقابلة لمطار "تي فور" العسكري، والذي يعد قاعدة لانطلاق الطيران الروسي في المنطقة، وذلك بهدف قطع الطريق الواصل بين مدينة تدمر ومنطقة الفرقلس ومنها نحو مدينة حمص. ويبعد التنظيم حالياً نحو سبعة كيلومترات عن الطريق. وفي حال تمكن من السيطرة على الكتيبة المهجورة، فإن ذلك سيمكنه من قطع الطريق نحو مطار "تي فور" ومدينة تدمر، وهو طريق إمداد النظام الرئيسي في المنطقة الشرقية من حمص. وأوضح عبد العزيز أن جبهة الكتيبة المهجورة تعتبر الأهم والأصعب في محيط مدينة تدمر بالنسبة للتنظيم بسبب الوجود الكثيف لقوات النظام في تلك المنطقة.
من جهته، قال مدير مركز حمص الإعلامي، أسامة أبو زيد، لـ"العربي الجديد"، إن "قوات النظام استقدمت تعزيزات عسكرية ضخمة إلى مطار تي فور العسكري، مؤلفة من عناصر وآليات وأسلحة، وذلك تخوفاً من وصول تنظيم الدولة إلى المطار".
وبالتوازي مع ذلك، يشن "داعش" هجوماً على منطقتي جحار وجزل النفطيتين وجبل الحمرة. وتبعد تلك المناطق عن طريق تدمر حمص قرابة 10 كيلومترات. وتمكن من السيطرة على أجزاء واسعة منها، مثل منطقتي حويسيس والحلابات وكامل جبل هيان الاستراتيجي وشركة "المهر" للغاز وتلتي البرج والمهر، إضافة إلى حقول جحار وشاعر وجزل النفطية والمناطق المحيطة بها. كما سيطر على 15 حاجزاً عسكرياً لقوات النظام بين قرية جحار وشركة غاز المهر، و5 حواجز في منطقة جزل شمال غرب تدمر. وأدت هذه المعارك إلى مقتل وإصابة العشرات من عناصر النظام، والاستيلاء على آليات وذخائر. كما قتل عدد من عناصر التنظيم خلال الاشتباكات. وذكرت وكالة "أعماق"، المقربة من "داعش"، يوم السبت، إن مقاتلي التنظيم أسقطوا طوافة تابعة للنظام السوري في منطقة جزل شمال غرب تدمر. كما قصفوا براجمات الصواريخ والمدفعية مطار "تي فور" العسكري غرب تدمر، والمطار في شرقها، بالإضافة إلى مواقع في محيط المدينة. من جهتها، شنت المقاتلات الحربية الروسية غارات جوية مركّزة على مدينة السخنة، ومواقع لتنظيم الدولة في محيط تدمر. وأعلن التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة، أن مقاتلاته الحربية دمرت 168 ناقلة نفط تابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" قرب مدينة تدمر. وأعلن التحالف، في بيان، أن هذا القصف يعتبر أكبر ضربة يوجهها التحالف للتنظيم، مشيراً إلى أن تدمير أسطول النفط قرب مدينة تدمر يعني فقد التنظيم إيرادات تصل إلى مليوني دولار أميركي، وهي القيمة التقديرية للوقود الذي كان في الصهاريج.
معركة الرقة
في غضون ذلك، أعلنت غرفة عمليات "غضب الفرات"، المدعومة من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، عن استئناف المرحلة الثانية من عملية "تحرير الرقة"، مشيرة إلى أن هدف هذه المرحلة سيكون "تحرير كامل الريف الغربي للرقة مع عزل المدينة". وقالت المتحدثة باسم الغرفة، جيهان شيخ أحمد، في بيان تلته بلغة عربية ركيكة أمام حشد من المقاتلين رفعت خلاله رايات حمراء وصفراء وزرقاء، مع راية واحدة فقط تمثل علم الثورة السورية، إنه تقرر في اجتماع المجلس العسكري لـ"قوات سورية الديمقراطية" أخيراً البدء بالمرحلة الثانية من الحملة، والتي تهدف إلى "تحرير كامل الريف الغربي من الرقة، إضافة إلى عزل المدينة، واستمرار الحملة حتى تحقيق كامل أهدافها". وأشار البيان إلى أن الحملة "تتوسع أكثر بانضمام فصائل وقوى أخرى، منها المجلس العسكري لدير الزور وقوات النخبة التابعة لتيار الغد السوري (تيار أحمد الجربا) ولواء ثوار الرقة، بالإضافة إلى انضمام 1500 مقاتل من المكون العربي من أبناء الرقة وريفها، تم تدريبهم وتسليحهم على يد قوات التحالف الدولي". وأوضح أن "مهمة تحرير وحماية الرقة وريفها تقع على عاتق أبناء الرقة المشاركين في حملة غضب الفرات، وأن المدينة، بعد تحريرها، ستكون بيد إدارة مدنية مشكلة من أبناء الرقة وريفها، وستمثل جميع مكونات وشرائح المدينة".
غير أن رئيس المكتب السياسي لـ"لواء ثوار الرقة"، محمود الهادي، والذي أشار البيان إلى مشاركته في الحملة، لم يؤكد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، هذه المشاركة، موضحاً أن القرار بهذا الشأن لم يتخذ بعد. وكان الهادي قد قال، في وقت سابق لـ"العربي الجديد"، إن فصيله اتفق مع "التحالف الدولي" وقوات "قسد" على أن يتولى قيادة الحملة لتحرير الرقة مقابل مشاركته فيها، إضافة الى رفع علم الثورة السورية وليس علم "وحدات حماية الشعب" الكردية أو أية أعلام أخرى، الأمر الذي رفضته "قسد". وتوقعت المصادر أن تستأنف المعركة من بلدة تل السمن شمال الرقة، بحيث يجري التقدّم نحو بلدة حزيمة التي تُعتبر خط الدفاع الأخير عن مدينة الرقة، على أن تفتح محاور جديدة بهدف عزل مدينة الرقة عن محيطها من الجهات الشمالية والشرقية والغربية. وفي ما يبدو أنه تمهيد لهذه المعركة، شنت طائرات التحالف الدولي غارات جوية مكثفة على نقاط حيوية في ريف الرقة الغربي، تسببت بتدمير جسور استراتيجية في المنطقة. وقال ناشطون إن الغارات دمرت جسور السلحبية، واليمامة والسحل الخشب، والجسر الحربي في الريف الغربي للمدينة، وذلك بغية تقطيع أوصال المناطق التي يسيطر عليها التنظيم في المحافظة، ومنع التنظيم من استقدام تعزيزات، إضافة إلى مواقعه في المدينة.
وفي سياق دعم واشنطن للعملية، كشف وزير الدفاع الأميركي، أشتون كارتر، أن بلاده سترسل 200 عنصر إضافي إلى سورية للمساهمة في العمليات العسكرية في الرقة. وأوضح كارتر، خلال تصريحات له في العاصمة البحرينية المنامة، أن القوات التي سترسل إلى سورية ستتألف من مدربين من القوات الخاصة الأميركية ومستشارين وفرق لإزالة الألغام، مشيراً إلى أنهم سينضمون إلى 300 جندي من القوات الأميركية ينتشرون على الأراضي السورية، ويقدمون مشورة عسكرية للقوات التي تدعمها واشنطن. وكانت معركة الرقّة قد بدأت في السادس من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بقيادة "قوات سورية الديمقراطية"، والتي يغلب عليها المكوّن الكردي، بمشاركة نحو 20 ألف مقاتل، من دون أن تحقق نتائج كبيرة. وقد شكك الكثير من المراقبين في قدرتهم على إنجاز أهداف العملية في ظل امتناع تركيا عن دعمها، حيث تشترط إبعاد "قسد" عنها، وهو ما ترفضه الولايات المتحدة.
درع الفرات
وبالتوازي مع استئناف عملية "غضب الفرات"، تواصل عملية "درع الفرات"، والتي تدعمها تركيا، عملياتها التي استؤنفت قبل يومين بهدف تحرير مدينة الباب في ريف حلب الشمالي من سيطرة "داعش"، في ما فسره البعض بأنه مقايضة تمت بين الولايات المتحدة وتركيا، تتضمن إعطاء أنقرة الضوء الأخضر للمضي في عملية الباب مقابل غضها الطرف عن استئناف عملية "غضب الفرات" في الرقة. وذكرت الأنباء أن فصائل الجيش السوري الحر باتت تحيط بمدينة الباب في ريف حلب الشرقي من ثلاثة محاور، إثر التقدم الذي أحرزته على أطرافها، خصوصاً المحور الغربي لمدينة الباب، مستعيدة السيطرة على قريتي الدانا وبيراتة، لتصل إلى مشارف المدينة، قرب مستشفى الباب الرئيسي. ومن الجهة الشمالية عززت فصائل "درع الفرات" مواقعها، فسيطرت على تلة استراتيجية، ما جعلها على مشارف المدينة أيضاً. كما قطعت الطريق الواصل بين مدينتي الباب ومنبج أمام مقاتلي التنظيم، بعدما سيطرت على عدد من القرى والبلدات على جانبي الطريق. وكانت أنقرة قد أعلنت إرسال 300 جندي إضافي من القوات الخاصة التركية للمشاركة في معركة الباب، فيما استهدف الطيران التركي المدينة بعشرات الغارات الجوية.