17 نوفمبر 2024
ثورتا لبنان والعراق واستعادة الكرامة العربية
ما تشهده الساحتان، اللبنانية والعراقية، هذه الأيام من موجة حراك ثوري، تجاوز كل التصنيفات والتنميطات المسبقة، يجعلنا أمام موجة جديدة من ثورات الربيع العربي الديمقراطي الذي تشهده المنطقة العربية منذ عام 2011، وما تخللها من ثوراتٍ مضادّة، عملت على إعاقة ثورات الربيع العربي، وما دفعه مواطنو هذه البلدان من دمائهم وممتلكاتهم كبير في سبيل التحرّر من أسر أنظمة ظالمة ومستبدة.
انقضت المرحلة الأولى، بثورات مجهضةٍ مع نجاحاتٍ صعبةٍ مثلتها الثورة التونسية، فيما ذهبت بقية البلدان إلى انقلابات وحروب أهلية طاحنة. جاءت الموجه الثانية منتصف عام 2019، ولا تزال في طريقها لتحقيق بعض أهدافها، لكنها جاءت في وضع وتوقيت قد يساعداها في تحقيق بعض تلك الأهداف، نتيجة انشغال ممولي الثورات المضادة، بساحات صراع مع الموجه الأولى للربيع العربي في اليمن وسورية وليبيا.
حالتا السودان والجزائر، كموجة ثانية للربيع العربي حققت الكثير وبأقل الخسائر. فقط تحتاج
مزيدا من الوعي بأهمية الحفاظ على المسارين، السلمي والحواري، في سبيل تفكيك منظومة النظامين السابقين، من دون التورّط في تصفيات حسابات أيديولوجية صراعية مع عموم الشعب، أو حتى بعض النخب التي تنتمي للمرحلة السابقة، فمن المهم جدا عدم إشعارها بأنها مستهدفة ويجب استئصالها.
يعدّ ما تشهده اليوم الساحتان، العراقية واللبنانية، بمثابة الموجة الثالثة للربيع العربي، وتعتبر أهم الموجات الثورية كونها تنبع من قلب الثورة المضادة نفسها وصلب جسدها، وموجة ضد أخطر عوامل ثورة الربيع الديمقراطي وتحدّياتها، ممثلا بالطائفية السياسية التي تشتغل عليها إيران، باعتبارها حاملا سياسيا وثقافيا لأجنداتها في المنطقة العربية ومجتمعاتها الشيعية، والتي استطاعت من خلالها التسلل إلى هذه المجتمعات، والعبث بها وتفكيك بنيتها الاجتماعية وتقسيمها بين سنّة وشيعة ومذاهب وأحزاب متخاصمة ومتصارعة على الماضي، لا المستقبل.
ما ستقرّره ثورة العراق ولبنان اليوم، هو تحدٍّ كبير تواجهه هذه المجتمعات التي تم تقاسمها طائفيا، وتمرير أجنداتٍ غير وطنية، لتمزيق نسيج هذه المجتمعات وإبقائها أسيرة صراعات الماضي، وإلهائها بعيدا عن مصالحها الحقيقية، ما سهّل لنخبة من الانتهازيين و"السرّاق"، بحسب لفظ إخوتنا العراقيين، نهب مقدرات هذه المجتمعات، ورهن إرادة هذه الدول بالعرّاب الإيراني وولي الفقية في قم وطهران.
ومن خلال مشهد ما بعد الموجة الأولى للربيع العربي، شكلت ورقة الطائفية السياسية واحدة من
أخطر الأوراق التي عملت على تفكيك جبهة الثوار، وإحداث انقساماتٍ تسللت من خلالها الثورات المضادة وممولوها، وهو ما أدّى إلى حروب طاحنة، كما في الحالتين السورية واليمنية، فقد مثلت الطائفية السياسية أهم العوامل التي ساعدت على إجهاض مسار الربيع العربي الديمقراطي، من خلال الإحماء الطائفي الذي أدى إلى تفكيك جبهة الاصطفاف الوطني الثوري، والنفاذ إلى داخل هذه المكونات، والعبث بها من خلال تمزيق وحدة المطالب والتوجهات، بل والأخطر هو حرف المسار السلمي المدني الديمقراطي لهذا الحراك الاجتماعي المطلبي، وعسكرة مطالبه وأهدافه، وهو ما دفع إلى حروبٍ أهليةٍ طاحنة ومدمرة، ضربت الحراك السلمي الديمقراطي بمقتل.
يأتي الحراكان، العراقي اللبناني، اليوم، رد اعتبار طبيعياً وتصحيحاً لمسار هذا الحراك العربي المجتمعي الربيعي، ومحاولة استئناف زخمه الأول، حراكا شعبيا وطنيا عاما، يضم في صفوفه كل المكونات الوطنية، بمختلف مذاهبها وأيديولوجياتها. كان هذا الحراك الذي انطلق، في نسخته الأولى، شعبيا جماهيرا وطنيا، يهدف إلى استعادة إرادته المستلبه وحريته المنتهكة وكرامته المجروحة. وها هو اليوم يفعل، على الرغم من كل ما لاقته ثورات الربيع العربي في موجتها الأولى من صنوف القمع والقهر والاقتتال والتوحش.
صحيح، ثمّة مخاوف كبيرة وخطيرة بشأن مصير هذا الحراك الثوري في كل من العراق ولبنان، باعتبار أن ما يقوم به هذان الحراكان هو تحدّ وجودي للنفوذين، الغربي والإيراني، في البلدين تحديدا، باعتبار المحاصصة الطائفية إحدى مخرجات مشروع برنارد لويس الشهيرة، وأن نموذج لبنان والعراق هو النموذج العملي التطبيقي لهذه النظرية الكولونيالية التفكيكية، إلا أن حالة الوعي التي طفت على سطح المشهد، مفجرةً هذه الثورة العظيمة، تمثل ضمانا حقيقيا لاستعادة شعبي العراق ولبنان العظميين لإرادتيهما، وإعادة الاعتبار لثورات الربيع العربي الأول، ربيع الحرية والكرامة والديمقراطية.
مثّل عامل ورقة الطائفية السياسية واحدا من أخطر العوامل التي حصدت بموجبه إيران نفوذا متزايدا وكبيرا في كل من سورية والعراق واليمن ولبنان. ومثّل ورقة رابحة في تغوّل إيران ونفوذها المحتكر في بغداد وبيروت ودمشق وصنعاء، لكن هذا الوضع لم يكن طبيعيا بقدر ما كان حالةً شاذةً في السياسة والاجتماع السياسي أيضاً، وخصوصا أن تاريخا من الدم والقطيعة وعدم التعايش بين إيران، قومية فارسية، وجيرانها العرب سنة وشيعة، القطيعة التي تحاول إيران تجاوزها بالاشتغال على ورقة الاستقطاب الطائفي الذي بدأت تتكشّف حقيقته عن نفوذ إيراني طاغٍ للسيطرة والاستحواذ على مقدّرات العراق ولبنان وسورية واليمن الهائلة، عدا عن إبقاء هذه المجتمعات في حالة اقتتالٍ دائم حماية للنفوذ الإيراني، وحماية لمصالحها القومية الخاصة، على حساب العرب وتاريخهم وأمنهم واستقرارهم ووجودهم أمة بين الأمم.
حالتا السودان والجزائر، كموجة ثانية للربيع العربي حققت الكثير وبأقل الخسائر. فقط تحتاج
يعدّ ما تشهده اليوم الساحتان، العراقية واللبنانية، بمثابة الموجة الثالثة للربيع العربي، وتعتبر أهم الموجات الثورية كونها تنبع من قلب الثورة المضادة نفسها وصلب جسدها، وموجة ضد أخطر عوامل ثورة الربيع الديمقراطي وتحدّياتها، ممثلا بالطائفية السياسية التي تشتغل عليها إيران، باعتبارها حاملا سياسيا وثقافيا لأجنداتها في المنطقة العربية ومجتمعاتها الشيعية، والتي استطاعت من خلالها التسلل إلى هذه المجتمعات، والعبث بها وتفكيك بنيتها الاجتماعية وتقسيمها بين سنّة وشيعة ومذاهب وأحزاب متخاصمة ومتصارعة على الماضي، لا المستقبل.
ما ستقرّره ثورة العراق ولبنان اليوم، هو تحدٍّ كبير تواجهه هذه المجتمعات التي تم تقاسمها طائفيا، وتمرير أجنداتٍ غير وطنية، لتمزيق نسيج هذه المجتمعات وإبقائها أسيرة صراعات الماضي، وإلهائها بعيدا عن مصالحها الحقيقية، ما سهّل لنخبة من الانتهازيين و"السرّاق"، بحسب لفظ إخوتنا العراقيين، نهب مقدرات هذه المجتمعات، ورهن إرادة هذه الدول بالعرّاب الإيراني وولي الفقية في قم وطهران.
ومن خلال مشهد ما بعد الموجة الأولى للربيع العربي، شكلت ورقة الطائفية السياسية واحدة من
يأتي الحراكان، العراقي اللبناني، اليوم، رد اعتبار طبيعياً وتصحيحاً لمسار هذا الحراك العربي المجتمعي الربيعي، ومحاولة استئناف زخمه الأول، حراكا شعبيا وطنيا عاما، يضم في صفوفه كل المكونات الوطنية، بمختلف مذاهبها وأيديولوجياتها. كان هذا الحراك الذي انطلق، في نسخته الأولى، شعبيا جماهيرا وطنيا، يهدف إلى استعادة إرادته المستلبه وحريته المنتهكة وكرامته المجروحة. وها هو اليوم يفعل، على الرغم من كل ما لاقته ثورات الربيع العربي في موجتها الأولى من صنوف القمع والقهر والاقتتال والتوحش.
صحيح، ثمّة مخاوف كبيرة وخطيرة بشأن مصير هذا الحراك الثوري في كل من العراق ولبنان، باعتبار أن ما يقوم به هذان الحراكان هو تحدّ وجودي للنفوذين، الغربي والإيراني، في البلدين تحديدا، باعتبار المحاصصة الطائفية إحدى مخرجات مشروع برنارد لويس الشهيرة، وأن نموذج لبنان والعراق هو النموذج العملي التطبيقي لهذه النظرية الكولونيالية التفكيكية، إلا أن حالة الوعي التي طفت على سطح المشهد، مفجرةً هذه الثورة العظيمة، تمثل ضمانا حقيقيا لاستعادة شعبي العراق ولبنان العظميين لإرادتيهما، وإعادة الاعتبار لثورات الربيع العربي الأول، ربيع الحرية والكرامة والديمقراطية.
مثّل عامل ورقة الطائفية السياسية واحدا من أخطر العوامل التي حصدت بموجبه إيران نفوذا متزايدا وكبيرا في كل من سورية والعراق واليمن ولبنان. ومثّل ورقة رابحة في تغوّل إيران ونفوذها المحتكر في بغداد وبيروت ودمشق وصنعاء، لكن هذا الوضع لم يكن طبيعيا بقدر ما كان حالةً شاذةً في السياسة والاجتماع السياسي أيضاً، وخصوصا أن تاريخا من الدم والقطيعة وعدم التعايش بين إيران، قومية فارسية، وجيرانها العرب سنة وشيعة، القطيعة التي تحاول إيران تجاوزها بالاشتغال على ورقة الاستقطاب الطائفي الذي بدأت تتكشّف حقيقته عن نفوذ إيراني طاغٍ للسيطرة والاستحواذ على مقدّرات العراق ولبنان وسورية واليمن الهائلة، عدا عن إبقاء هذه المجتمعات في حالة اقتتالٍ دائم حماية للنفوذ الإيراني، وحماية لمصالحها القومية الخاصة، على حساب العرب وتاريخهم وأمنهم واستقرارهم ووجودهم أمة بين الأمم.