18 اغسطس 2020
ثورات الربيع العربي كشفت "اليسار"... مأزوماً وخانعاً (2-2)
يكفي أيضاً أن تدور بين "الرفاق" في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، منذ سنوات، لتكتشف أيضا ما جاء آنفا بقراءة الربيع العربي "مؤامرة"، حين حط رحاله في دمشق.
موقف أثار اللغط حتى بين شباب الشعبية، وخصوصا من مخيمات سورية، ممن خبروا إرث جورج حبش؛ ومن عاش مراحل الثورة السلمية في دمشق يعرف تنظيرات ماهر الطاهر في المجال، وتعاطي النظام الاستبدادي والانتهازي مع "الشعبية" تحديدا، في فترات تاريخية متعاقبة.
اليوم، وهذا الأمر ليس بالسطحية التي يسوقها مبررو ميوعة الموقف، يتجلى بوضوح مدى التأزم والمأزق "اليساري" الذي استعاض عن دوره بخيمة قريبة من مدخل اليرموك، وهجرة كوادره، بمن فيهم "مكتب سياسي" و"لجنة مركزية"، نحو السويد وألمانيا، وليس إلى "الرفاق في موسكو وبيونغ يانغ"؛ كما لم يفعل غيرهم إلى طهران بحثا عن عمل أو إقامة. فهم كـ"التقدميين الثوريين" لا يحلو لهم التبضع إلا من الغرب الإمبريالي، وإلى جامعاته يرسلون أبناءهم، وفي مشافيه تضع نساءهم المواليد، ويموت بعضهم متقاعدا في عقر دار الإمبريالية الأميركية، وحكمت الشهابي مثلا، مثلما فعلها مصطفى طلاس في باريس.
فضحت مجريات الثورة السورية تخاذل هذا النوع من اليسار. ففي 2013، كشفت مذبحة الكيميائي، في الغوطتين بريف دمشق، عن كذبة كبيرة في ادعاء الوقوف مع المسحوقين، والبروليتاريا إن شئتم.
ففي ساحات كثيرة خرج "الرفاق"، يحملون صورة "القائد بشار"، يتوعدون الغرب، وعلى رأسه الإمبريالية الأميركية من "العدوان على سورية". الأرشيف حافل بمخاز كثيرة. فحين رفع أدعياء هذه اليسارية صور مجرم حرب في تونس، وتباهت "ثائرة" سابقة بـ"الرفيق بشار"، وفي إربد ونابلس ذات الفعلة مكررة، لم يتذكر أحد منهم أن يسأل نفسه: من الذي قتل الرفاق في حوران والجزيرة؟ ومن أخفى عبد العزيز الخير ورفاقه ويلاحق أعضاء اليسار الثوري السوري حتى يومنا على امتداد سورية؟
حتى هذا الكم البشري الهائل المشرد في "الزعتري" لم يعنِ للرفاق في إربد شيئا يستدعي طرح سؤال يستحق الإجابة. بل الأكثر سخافة أنهم، يساريون وقوميون وغلاة العلمانية، بشرونا بـ"ناصرية السيسي" بانقلابه المعيد لدولة كامب ديفيد، فقط نكاية بالإسلاميين. بكائيات بعضهم على "حق اليهود في القدس" تكشف قبح التسلح بالكراهية العمياء الناظم لفكرهم وتصرفاتهم في محيطهم حتى المحلي.
وعلى طريقة حليفهم الديني حسن نصر الله، المتهكم بـ"ما في شي بحمص"، وقبلها بـ"وين هني السوريين لنوقف معهن"، رغم أن حماة وحمص وحوران وريف دمشق كانت تعج ساحاتها بمئات الآلاف منهم، لم يرَ هؤلاء في مئات وآلاف الضحايا ما يستحق ولو إدانة، بل أنكروا حتى وقوع الهجوم وبعضهم حمّل الضحايا مسؤولية ما وقع، وتعمق في صمته المخزي على تسليم "الممانعة" لسلاحها الكيميائي لذات "الإمبريالية" بمعية "كعبة اليسار" موسكو.
لا في عربين، التي ضمت رفاقهم، ولا في مخيم اليرموك، الذي آواهم من قمع ومطاردة نظام "التقدمية والاشتراكية"، ولا في كل مكان مات فيه البشر اختناقا، استحق المسحوقون تعاطفا؛ وكيف يفعلون وقد "خرجت الناس من المساجد"، كما نظّر أكثر من نخبوي، متناسين تجربة "القيادة الوطنية الموحدة" في انتفاضة الحجارة في فلسطين، من 1987 إلى 1993، واجتماعاتها في المساجد، ودور الأخيرة في تجمع وخروج الجماهير. كانوا يريدونها "ثورة على طبقهم"، تخرج من "القاعات الثقافية" وبموافقات أمنية ومن الملاعب؛ مثلا من ملعب العباسيين الذي تحول إلى معقل "الباصات الخضراء" ومعتقل ضخم بداية الحراك السلمي.
والأنكى في "ثوريتهم" أنهم انتقائيون جدا في عرض تصديق وتوثيق الروايات الصهيونية التي تصب في طاحونة ما يدلسونه، وينسون تماما ذات المصدر حين خرج يرد على المتحدث باسم العائلة الحاكمة في دمشق، رامي مخلوف، عن "ترابط أمن النظام مع أمن إسرائيل"، وتحذير قنوات نظام دمشق، بمحللي الممانعة عن "خطر وصول الإسلاميين إلى الحكم سيكون ضربة لإسرائيل إذ سيحرر هؤلاء القدس"، تحذير أجوف يثبت اليوم ألا فرق بين لاهث وآخر وراء الشرعية في الغرب "الإمبريالي نفسه". لم يفهم هؤلاء جميعا استحقاقات ذهاب الصحف العبرية لنقل دعوات "إسرائيل" من القلب لانتصار بشار الأسد "ملك ملوك إسرائيل"، وتحوله لملطشة واضحة دون جرأة على الرد.
بصقوا على شعاراتهم المتزامنة مع "الغزو السوري للبنان" ومذبحة تل الزعتر. وكم من مرة تحدث قادة صهاينة، واستقبل في دمشق نفسها قادة لوبياتها، وعبر فاشيو أوروبا، الذين هم بالتأكيد ليسوا على وفاق مع رفاقهم اليساريين في ذات أوروبا، عن دعمهم لبشار وأرسلوا مجموعات لتقتل "البروليتاريا" و"الجماهير".
ليس ثمة وهم، ولو اكتشف متأخرا، بأننا كنا وما زلنا أمام "يسار وهمي"...
موقف أثار اللغط حتى بين شباب الشعبية، وخصوصا من مخيمات سورية، ممن خبروا إرث جورج حبش؛ ومن عاش مراحل الثورة السلمية في دمشق يعرف تنظيرات ماهر الطاهر في المجال، وتعاطي النظام الاستبدادي والانتهازي مع "الشعبية" تحديدا، في فترات تاريخية متعاقبة.
اليوم، وهذا الأمر ليس بالسطحية التي يسوقها مبررو ميوعة الموقف، يتجلى بوضوح مدى التأزم والمأزق "اليساري" الذي استعاض عن دوره بخيمة قريبة من مدخل اليرموك، وهجرة كوادره، بمن فيهم "مكتب سياسي" و"لجنة مركزية"، نحو السويد وألمانيا، وليس إلى "الرفاق في موسكو وبيونغ يانغ"؛ كما لم يفعل غيرهم إلى طهران بحثا عن عمل أو إقامة. فهم كـ"التقدميين الثوريين" لا يحلو لهم التبضع إلا من الغرب الإمبريالي، وإلى جامعاته يرسلون أبناءهم، وفي مشافيه تضع نساءهم المواليد، ويموت بعضهم متقاعدا في عقر دار الإمبريالية الأميركية، وحكمت الشهابي مثلا، مثلما فعلها مصطفى طلاس في باريس.
فضحت مجريات الثورة السورية تخاذل هذا النوع من اليسار. ففي 2013، كشفت مذبحة الكيميائي، في الغوطتين بريف دمشق، عن كذبة كبيرة في ادعاء الوقوف مع المسحوقين، والبروليتاريا إن شئتم.
ففي ساحات كثيرة خرج "الرفاق"، يحملون صورة "القائد بشار"، يتوعدون الغرب، وعلى رأسه الإمبريالية الأميركية من "العدوان على سورية". الأرشيف حافل بمخاز كثيرة. فحين رفع أدعياء هذه اليسارية صور مجرم حرب في تونس، وتباهت "ثائرة" سابقة بـ"الرفيق بشار"، وفي إربد ونابلس ذات الفعلة مكررة، لم يتذكر أحد منهم أن يسأل نفسه: من الذي قتل الرفاق في حوران والجزيرة؟ ومن أخفى عبد العزيز الخير ورفاقه ويلاحق أعضاء اليسار الثوري السوري حتى يومنا على امتداد سورية؟
حتى هذا الكم البشري الهائل المشرد في "الزعتري" لم يعنِ للرفاق في إربد شيئا يستدعي طرح سؤال يستحق الإجابة. بل الأكثر سخافة أنهم، يساريون وقوميون وغلاة العلمانية، بشرونا بـ"ناصرية السيسي" بانقلابه المعيد لدولة كامب ديفيد، فقط نكاية بالإسلاميين. بكائيات بعضهم على "حق اليهود في القدس" تكشف قبح التسلح بالكراهية العمياء الناظم لفكرهم وتصرفاتهم في محيطهم حتى المحلي.
وعلى طريقة حليفهم الديني حسن نصر الله، المتهكم بـ"ما في شي بحمص"، وقبلها بـ"وين هني السوريين لنوقف معهن"، رغم أن حماة وحمص وحوران وريف دمشق كانت تعج ساحاتها بمئات الآلاف منهم، لم يرَ هؤلاء في مئات وآلاف الضحايا ما يستحق ولو إدانة، بل أنكروا حتى وقوع الهجوم وبعضهم حمّل الضحايا مسؤولية ما وقع، وتعمق في صمته المخزي على تسليم "الممانعة" لسلاحها الكيميائي لذات "الإمبريالية" بمعية "كعبة اليسار" موسكو.
لا في عربين، التي ضمت رفاقهم، ولا في مخيم اليرموك، الذي آواهم من قمع ومطاردة نظام "التقدمية والاشتراكية"، ولا في كل مكان مات فيه البشر اختناقا، استحق المسحوقون تعاطفا؛ وكيف يفعلون وقد "خرجت الناس من المساجد"، كما نظّر أكثر من نخبوي، متناسين تجربة "القيادة الوطنية الموحدة" في انتفاضة الحجارة في فلسطين، من 1987 إلى 1993، واجتماعاتها في المساجد، ودور الأخيرة في تجمع وخروج الجماهير. كانوا يريدونها "ثورة على طبقهم"، تخرج من "القاعات الثقافية" وبموافقات أمنية ومن الملاعب؛ مثلا من ملعب العباسيين الذي تحول إلى معقل "الباصات الخضراء" ومعتقل ضخم بداية الحراك السلمي.
والأنكى في "ثوريتهم" أنهم انتقائيون جدا في عرض تصديق وتوثيق الروايات الصهيونية التي تصب في طاحونة ما يدلسونه، وينسون تماما ذات المصدر حين خرج يرد على المتحدث باسم العائلة الحاكمة في دمشق، رامي مخلوف، عن "ترابط أمن النظام مع أمن إسرائيل"، وتحذير قنوات نظام دمشق، بمحللي الممانعة عن "خطر وصول الإسلاميين إلى الحكم سيكون ضربة لإسرائيل إذ سيحرر هؤلاء القدس"، تحذير أجوف يثبت اليوم ألا فرق بين لاهث وآخر وراء الشرعية في الغرب "الإمبريالي نفسه". لم يفهم هؤلاء جميعا استحقاقات ذهاب الصحف العبرية لنقل دعوات "إسرائيل" من القلب لانتصار بشار الأسد "ملك ملوك إسرائيل"، وتحوله لملطشة واضحة دون جرأة على الرد.
بصقوا على شعاراتهم المتزامنة مع "الغزو السوري للبنان" ومذبحة تل الزعتر. وكم من مرة تحدث قادة صهاينة، واستقبل في دمشق نفسها قادة لوبياتها، وعبر فاشيو أوروبا، الذين هم بالتأكيد ليسوا على وفاق مع رفاقهم اليساريين في ذات أوروبا، عن دعمهم لبشار وأرسلوا مجموعات لتقتل "البروليتاريا" و"الجماهير".
ليس ثمة وهم، ولو اكتشف متأخرا، بأننا كنا وما زلنا أمام "يسار وهمي"...