13 نوفمبر 2024
ثوار بغداد: هدفنا استعادة العراق
لعل أبلغ توصيف لهدف الانتفاضة التي اجتاحت عموم العراق منذ الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الحالي ما قاله أحد شبابها لمراسل إحدى الفضائيات: "هدفنا أن نستعيد وطننا الذي اغتصبه الغزاة، وسرقه اللصوص وتجار الدين، واستحوذت عليه المافيات والمليشيات السوداء".
هدف "استعادة الوطن" هو محور الحراك الجماهيري الذي ضم شبابا عشرينيين، جمعتهم هموم العيش المشترك، ووحّدت بينهم الهوية العراقية الوطنية الجامعة التي لا تعرف تمييزا في الدين أو القومية أو المذهب أو المدينة، وقد التحقت بهم حشود من نساء ورجال وشيوخ. الأهم من ذلك أن أولئك الشباب العشرينيين، ومن التحق بهم، لم يكونوا في وارد الارتباط بحركةٍ أو حزبٍ سياسيٍّ أو حتى بتيار فكري يمكن أن يحسبوا عليه، أو يمكن للطبقة الحاكمة أن تشيطنهم على أساسه، كما فعلت في مواجهة انتفاضاتٍ سابقةٍ في الوسط والجنوب. وبمقدار ما شكلت هذه الميزة تفوقا نوعيا للانتفاضة على مثيلاتٍ لها سابقاتٍ قام بها ناشطون من هذا التيار أو ذاك، فإنها اعتبرت معضلةً حقيقيةً بالنسبة لرجال السلطة الذين اعتادوا وصم معارضيهم والمنتفضين ضدهم بأنهم "داعشيون" أو "صدّاميون"، أو "أنهم من أعوان يزيد". وقد زادت تلك الميزة من ارتباك أدعياء كثيرين وحيرتهم، وبينهم من هم محسوبون على اليسار الذين لم يجدوا ضيرا في الدفاع عما أسموه "المشروع الديمقراطي" القائم، واصمين الانتفاضة بأنها "فتنة"، أو "مؤامرة" دبرتها قوى مناهضة للمشروع إياه، وزعم بعضهم أن وراء "المنتفضين" أميركا وإسرائيل، وهو ما "أفتت" به طهران، وردّده أتباعها من المليشياويين السود في العراق. ونأى الشيوعيون المتحالفون مع التيار الصدري بأنفسهم عن الانتفاضة في بدايتها، لكنهم سرعان ما تراجعوا، معتبرين مطالب الشباب "عادلة ومشروعة"!
لم تستطع تلك المواقف المتهافتة النيْل من إصرار الشباب العشرينيين على إدامة حراكهم، على الرغم من استخدام أجهزة الأمن الحكومية والمليشيات العنف المفرط الذي أدى إلى استشهاد أكثر من مئة وإصابة أكثر من ستة آلاف، بحسب الناطق الرسمي لوزارة الداخلية، أضف إلى ذلك اعتقال الآلاف. ولم يفد "خطاب التهدئة" الذي أطلقه رئيس الوزراء، عادل عبدالمهدي، ووعد فيه بإصلاحات قاصرة تكرّر التلويح بها مرات على مدى العقد الأخير. كما لم تسهم دعوة التفاوض مع ممثلي الانتفاضة التي روّجها رئيس البرلمان، محمد الحلبوسي. وأيضا إحياء مقتدى الصدر شعاره الميت تاريخيا "شلع قلع"، وحتى "خطبة المرجعية" التي لم تخرج عن سياق "مسك العصا من الوسط"، لم يفد هذا كله في كسر حدّة الانتفاضة، أو في إيجاد مخرج يضمن لرجال الحكم البقاء.
لقد فات الأوان، ولم تعد مطالب العراقيين محصورةً في تقديم خدماتٍ أفضل، أو إيجاد فرص
عملٍ للعاطلين، أو إحالة فاسدين صغار الى القضاء، كما لم يعد الأمر منوطا باستقالة الوزارة أو حل البرلمان، إنما أصبح هدف المنتفضين/ الثوار "استعادة العراق" من محتليه الأميركيين والإيرانيين معا، استعادته أرضا وشعبا وهوية موحدة وجامعة. ولتحقيق هذا الهدف، لا بد من ابتكار الوسائل والأساليب التي تديم زخم الانتفاضة، وتضمن فاعليتها، والتمسّك بطابعها السلمي، والتوعية على تآكل "العملية السياسية" التي جاء بها المحتلون، وعدم شرعية المؤسّسات التي أقامتها، وكذا "الدستور" الذي فرضته سلطة الاحتلال، والعمل على كسب تعاطف المجتمع الدولي ومنظمة الأمم المتحدة التي سيكون لها دور في المرحلة الانتقالية. وهذا ما يمكن أن تتصدّى لتحقيقه قيادةٌ تنبثق من بين صفوف المنتفضين أنفسهم، وأن يتم التنبه إلى المخاطر التي تحيق بالبلاد، حيث يراهن الإيرانيون على تطور دراماتيكي، يعيد المشهد إلى ما كان عليه. وقد تواترت تقارير عن الشروع به بالفعل، إذ تم رصد أفراد من المليشيات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني وهم يقومون بعمليات قنص واغتيال واختطاف في أكثر من مدينة.
على الضفة الأخرى، يطالب بعضهم بحماية أميركية، هل تحفظ ذاكرة هؤلاء أن الأميركيين هم أول من أغرزوا سكاكينهم في الصدور العراقية، وقبل أن تطأ أقدام كهنة طهران أرض الرافدين؟ على العموم، لن تتدحرج الرؤوس بسهولة. لن يتم ذلك بين عشيةٍ وضحاها. هنا يصبح الصبر والمطاولة واعتماد أساليب الكر والفر، وتنقل حركة الاحتجاجات بين مدينة وأخرى، عوامل مطلوبة، وصولا إلى تحوّل جذري يستعيد العراق من محتليه وسارقي ثرواته، ويكرّس وحدته الوطنية، ويعيد إليه عافيته الأولى.
لم تستطع تلك المواقف المتهافتة النيْل من إصرار الشباب العشرينيين على إدامة حراكهم، على الرغم من استخدام أجهزة الأمن الحكومية والمليشيات العنف المفرط الذي أدى إلى استشهاد أكثر من مئة وإصابة أكثر من ستة آلاف، بحسب الناطق الرسمي لوزارة الداخلية، أضف إلى ذلك اعتقال الآلاف. ولم يفد "خطاب التهدئة" الذي أطلقه رئيس الوزراء، عادل عبدالمهدي، ووعد فيه بإصلاحات قاصرة تكرّر التلويح بها مرات على مدى العقد الأخير. كما لم تسهم دعوة التفاوض مع ممثلي الانتفاضة التي روّجها رئيس البرلمان، محمد الحلبوسي. وأيضا إحياء مقتدى الصدر شعاره الميت تاريخيا "شلع قلع"، وحتى "خطبة المرجعية" التي لم تخرج عن سياق "مسك العصا من الوسط"، لم يفد هذا كله في كسر حدّة الانتفاضة، أو في إيجاد مخرج يضمن لرجال الحكم البقاء.
لقد فات الأوان، ولم تعد مطالب العراقيين محصورةً في تقديم خدماتٍ أفضل، أو إيجاد فرص
على الضفة الأخرى، يطالب بعضهم بحماية أميركية، هل تحفظ ذاكرة هؤلاء أن الأميركيين هم أول من أغرزوا سكاكينهم في الصدور العراقية، وقبل أن تطأ أقدام كهنة طهران أرض الرافدين؟ على العموم، لن تتدحرج الرؤوس بسهولة. لن يتم ذلك بين عشيةٍ وضحاها. هنا يصبح الصبر والمطاولة واعتماد أساليب الكر والفر، وتنقل حركة الاحتجاجات بين مدينة وأخرى، عوامل مطلوبة، وصولا إلى تحوّل جذري يستعيد العراق من محتليه وسارقي ثرواته، ويكرّس وحدته الوطنية، ويعيد إليه عافيته الأولى.